كثيرًا ما تتعرض الفصائل الفلسطينية للنقد والهجوم أحيانًا بسبب الخلافات بينها، وكيف أن هذه الخلافات تضيع فرصًا على الشعب الفلسطيني، بل ربما تزيد من معاناته. لكن تبقى هناك أحداثًا كبيرة يجمع عليها الفلسطينيون، بغض النظر عن أطيافهم وميولهم السياسية والفكرية. وجاء نجاح 6 أسرى فلسطينيين في انتزاع حريتهم والهرب من عمق الأرض من سجن “جلبوع” (شطة) قرب بيسان، ليكون حدثًا جديدًا تجمع عليه كل الأطياف الفلسطينية.
ففور شيوع الخبر، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بيانًا، على لسان المتحدث باسمها، فوزي برهوم، قالت فيه إن “انتزاع عدد من الأسرى حريتهم رغم كل التعقيدات الأمنية عمل بطولي شجاع”، وأضاف: “تمكن عدد من الأسرى من الهروب هو انتصار لإرادة وعزيمة أسرانا الأبطال. إنجاز الأسرى هو تحد حقيقي للمنظومة الأمنية للاحتلال الذي يتباهى بأنها الأفضل في العالم”.
وأردف برهوم قائلًا: “هذا الانتصار الكبير يثبت أن إرادة وعزيمة الفدائي والمقاوم والمجاهد لا يمكن أن تقهر أو تهزم”، مشيرًا إلى أن ما وصفه بـ”الانتصار الكبير يثبت أن العدو لم ولن ينتصر أبدًا مهما امتلك من الإمكانات وأسباب القوة”. وأضاف المتحدث باسم حماس أن “هذا الانتصار الكبير يثبت أن الصراع من أجل الحرية مع المحتل وتواصل وممتد. وهذا الانتصار يثبت أن الصراع من أجل الحرية ممتد إلى داخل السجون وخارجها لانتزاع هذا الحق”.
تحذير الاحتلال من اغتيال الـ6 أسرى
وبالطبع، وكما هو متوقع، فقد باركت حركة الجهاد الإسلامي العملية، حيث إن 5 من الستة أسرى ينتمون في الأساس لحركة الجهاد في منطقة جنين، وهم: مناضل يعقوب انفيعات، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قدري، وأيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة.
وصرح القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خالد البطش، أن “ما فعله أبطال عملية جلبوع انتصار على المنظومة الأمنية والعسكرية؛ حتى لو كتب لهم الاعتقال أو الشهادة فقد انتصروا على العدو وأثبتوا أن الحياة والحرية قرار”. وأضاف: “إنه يجب أن تكون الرسالة واضحة دون التباس ونحذر العدو من الفتك بهم أو اغتيالهم”، داعيًا “أبناء الشعب الفلسطيني لفتح صدورهم لهؤلاء الأبطال وتقديم العون لهم، ولا نريد أن نسمع أن طرف ما كان سببًا بعودتهم للسجن”.
وهذه العبارة الأخيرة لها مدلولها، حيث إن هناك أطرافًا تتخوف من أن تعمل السلطة الفلسطينية لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا الحدث من الناحية الاستخبارية، تحت بند “التنسيق الأمني” بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية. فمقولة “لا نريد أن نسمع أن طرف ما كان سببًا بعودتهم للسجن” من الصعب أن تشير إلى العدو الصهيوني نفسه، حيث إنه من الطبيعي أن يسعى الاحتلال لاستعادة الأسرى، لكن من الواضح أن البطش يقصد بها “فلسطينيين متعاونين مع المحتل”.
حركة “فتح” تشيد بفرار الأسرى
وبعد نجاح الستة أسرى بالفرار من سجن جلبوع الإسرائيلي شديد الحراسة، عبّر المجلس الثوري لحركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”، التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عن فخره واعتزازه بهذا النجاح. ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” عن المجلس قوله إن الأسرى “انتزعوا حريتهم التي تعتبر حقًا تكفله كل الشرائع والقيم الانسانية”، واصفًا ما جرى بـ”الإنجاز الوطني الكبير”.
وأضاف المجلس، الذي يعتبر ثاني أهم مؤسسات الحركة،بعد اللجنة المركزية، أن “ما قام به المناضل زكريا الزبيدي، ورفاقه بكسر قيود السجن والسجان”، محملًا حكومة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها المسؤولية الكاملة عن حياة “الزبيدي” ورفاقه. والزبيدي هو عضو المجلس الثوري لـ”فتح”، وهو سادس الأسرى الذين انتزعوا حريتهم فجر الإثنين الماضي.
كذلك، قال عطا أبو رميلة، أمين سر حركة فتح في مدينة جنين: “نحذر الاحتلال من أي مساس بالأسرى، وما جرى اليوم أسطورة حققها الأسرى رفضا لجبروت الاحتلال”. وأضاف: “اليوم أسرانا أذلوا الاحتلال، وحققوا نصرا بالرغم من جبروت الاحتلال”. وقد جاء ذلك أثناء مشاركة القيادي الفتحاوي في مسيرة جابت شوارع مخيم جنين، رفعت خلالها الأعلام الفلسطينية، وتم توزيع الحلويات على المواطنين، ابتهاجًا بمن انتزعوا حريتهم.
وربما ترفع هذه التصريحات بعضًا من حالة الشك لدى الشعب الفلسطيني من حقيقة موقف السلطة الفلسطينية من هروب الأسرى الستة، إلا أنه من الصعب القول أن كل الشعب الفلسطيني مطمئن لما قد تسفر عنه الأيام القادمة، وخصوصًا إذا تعرضت السلطة الفلسطينية لضغوطات من حكومة الاحتلال الإسرائيلي فيما يخص هذا الأمر.
سلامة الأسرى عامة في سجون الاحتلال
وبعد نجاح عملية الهروب، اتخذ الاحتلال الإسرائيلي بعض الإجراءات التي ضيقت على الأسرى الفلسطينيين في سجونه. ومن هذه الإجراءات: إغلاق السجون أمام زيارة المحامين والأهالي، وتقليص مدة الفسحة اليومية إلى ساعة واحدة، وإغلاق متجر الأسرى الذي يشترون منه احتياجاتهم الخاصة. كما أن قيادات حركة الجهاد الإسلامي المعتقلين في “جلبوع” يخضعون منذ الإثنين، للتحقيق من قبل المخابرات الإسرائيلي.
وفي هذا، حدث تضافر وتوحد كذلك في موقف فصائل فلسطينية عدة، أدانت جميعها الإجراءات التي اتخذها الاحتلال تجاه الأسرى، منها لجنة الأسرى للقوى الوطنية والإسلامية، التي قالت إن “المساس بالأسرى خطٌ أحمر، وأن الشعب الفلسطيني بكل أطيافه السياسية وقواه الوطنية ومقاومته الباسلة لن يقف مكتوف اليدين أمام تصعيد الاحتلال وارهابه الهمجي بحق الأسرى الأبطال”.
كما رأت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين الرسمية أن هناك حالة من “التوتر الشديد” تسود في أوساط المعتقلين الفلسطينيين في كافة السجون الإسرائيلية، جراء فرض إجراءات عقابية، عقب تمكن 6 معتقلين من الفرار، من سجن “جلبوع”.
ويأمل الشعب الفلسطيني ومعه الشعوب العربية والإسلامية أن تزيد مساحة التوافق والتنسيق بين الفصائل الفلسطينية، حيث إن ذلك ينعكس إيجابًا على القضية ككل، ويقوي من موقف الفلسطينيين تجاه العدو الصهيوني وسياساته الإحلالية.
اضف تعليقا