توقفت المفاوضات حول سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا لبضعة أشهر، بعد أن لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي لحل القضية المزمنة والمستمرة منذ حوالي عقد من الزمان. ومُني النظام المصري بفشل ذريع بعد لجوئه لمجلس الأمن، حيث لم تستطع القاهرة الخروج بأي اتفاق ولو مبدئي، أو أي قرار يلزم إثيوبيا بالتوافق مع مصر والسودان حول قواعد ملء وتشغيل السد، الذي يهدد حصة مصر التاريخية في نهر النيل.
حيث إن كل ما فعله المجلس حينها هو تأييد جهود الوساطة التي كان يجريها الاتحاد الأفريقي بين إثيوبيا ومصر والسودان في النزاع حول تشغيل السد، وهي المفاوضات التي أثبتت أنها ليست إلا تضييعًا للوقت، كما صرح بذلك بعض أطراف الأزمة حينها، وخصوصًا السودان.
لكن بعد توقف المفاوضات لأشهر، أصدر مجلس الأمن بيانًا رئاسيًا مؤخرًا حث فيه مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات للتوصل إلى اتفاق ملزم بشأن سد النهضة. وشجع البيان مصر وإثيوبيا والسودان على “استئناف المفاوضات بدعوة من رئيس الاتحاد الأفريقي، لوضع اللمسات الأخيرة على نص اتفاق مقبول لجميع الأطراف بشأن ملء وتشغيل سد النهضة، ضمن إطار زمني معقول”.
كما دعا البيان “الدول الثلاث إلى المضي قدمًا في المفاوضات بطريقة بناءة وتعاونية، ويشجع المراقبين الذين تمت دعوتهم لحضور المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي لمواصلة دعم المفاوضات، بهدف تسهيل حلّ المسائل الفنية والقانونية المعلقة”. كذلك دعا مشروع البيان الرئاسي لمجلس الأمن الاتحادَ الأفريقي للنظر في إطلاع المجلس على المستجدات -إذا لزم الأمر- بشأن جهوده في المفاوضات، مؤكدًا أن بيان المجلس هذا “لا يتضمن أي مبادئ أو سابقة في أي منازعات خاصة بالمياه العابرة للحدود”.
رد الفعل الإثيوبي على البيان
وكعادتها، فإن إثيوبيا تحاول التملص من التوقيع على اتفاق ملزم لها بشأن السد، لذلك جاء رد فعلها مركبًا بعض الشيء، فهي لا تريد أن تظهر أمام المجتمع الدولي بمظهر الرافض للمفاوضات والحوار، لكنها في الوقت نفسه لا تريد إلزام نفسها قانونًا بأي شيء. وعلى هذا، صرحت الخارجية الإثيوبية أنها لن تعترف بأي مطالبات قد تثار على أساس البيان الرئاسي لمجلس الأمن بشأن سد النهضة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، إن بلاده ترحب باستئناف مفاوضات سد النهضة، لكن وفق مبدأ الاستخدام العادل والمنصف لموارد مياه النيل، وفق وصفه. وأضاف أن البيان الرئاسي لمجلس الأمن بشأن سد النهضة ليس ملزمًا، وأن بلاده ليست معنية بأي مطالبات على أساسه.
كما أكد المسؤول الإثيوبي أن اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 هو الطريق الأمثل لحل الخلافات مع مصر والسودان، وأن استئناف المفاوضات سيتم عقب اكتمال جولة وزير الخارجية الكونغولي إلى الدول الثلاث المنخرطة في أزمة سد النهضة.
بدورها، قالت بليني سيوم، المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي، إن بلادها تتعاطى بشكل إيجابي مع الدعوة الجديدة لاستئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة، مضيفة أن ذلك يأتي انطلاقًا من موقف إثيوبيا الراسخ بإيجاد حل سلمي للأزمة، حسب زعمها.
كذلك، صرح مندوب إثيوبيا في الأمم المتحدة، تاي أسقي سيلاسي، أن مجلس الأمن أصدر بيانه في صيغة غير ملزمة قانونيًا. وأردف أن البيان اتخذ الموقف الصحيح بإحالة الأمر إلى الاتحاد الأفريقي، معتبرًا أن المجلس أكد أنه ليس المكان المناسب للنظر في النزاعات بشأن المياه العابرة للحدود.
ترحيب مصري سوداني بقرار المجلس
ومن جانبها، رحبت مصر بالبيان الرئاسي لمجلس الأمن، الذي شجع جميع الأطراف على استئناف المفاوضات بشأن سد النهضة برعاية الاتحاد الأفريقي. وقال بيان للرئاسة المصرية إن “بيان مجلس الأمن بما يحمله من طبيعة إلزامية، يمثل دفعة مهمة للجهود المبذولة من أجل إنجاح المسار الأفريقي التفاوضي، ويفرض على إثيوبيا الانخراط بجدية وبإرادة سياسية صادقة بهدف التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزِم”.
علاوة على ذلك، أيدت السودان بيان مجلس الأمن، حيث قالت الخارجية السودانية إن “جمهورية الكونغو الديمقراطية -التي تترأس الاتحاد الأفريقي حاليًا- سلمت السودان وثيقة أعدها فريق خبراء مشترك من الرئاسة الكونغولية ومفوضية الاتحاد الأفريقي، تتضمن تلخيصًا لنقاط الاتفاق والخلاف بين أطراف مفاوضات سد النهضة، بغرض دراستها والرد عليها”.
وقالت وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي -عقب لقائها وزير خارجية جمهورية الكونغو في الخرطوم- إن السودان يجدد دعوته لقبول الوساطة المعزّزة بقيادة الاتحاد الأفريقي، مشددة أن الأطراف مطالَبة بمستوى عال من الإرادة السياسية للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم.
كما أعربت الخارجية السودانية عن أملها في أن “يدفع بيان مجلس الأمن بشأن أزمة سد النهضة الأطراف الثلاثة إلى استئناف التفاوض في أقرب الآجال، وفق منهجية جديدة وإرادة سياسية ملموسة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي”.
احتمالية الوصول لاتفاق ملزم
وكما أسلفنا، فإن كلمة السر في هذه المفاوضات هي التوصل إلى اتفاق ملزم، تستطيع من خلاله مصر والسودان محاكمة إثيوبيا حال خرقها الاتفاق، لكن إثيوبيا ترغب في التصرف بشكل حر تمامًا وأحادي، بحيث لا تضع نفسها في أي حرج قانوني مستقبلًا.
ورغم أن جميع الأطراف وافقت من حيث المبدأ على عودة عملية التفاوض، إلا أن هناك شكوك كثيرة حول احتمالية أن تقود هذه المفاوضات لاتفاق ملزم هذه المرة، خصوصًا في ظل التصريحات الإثيوبية التي تؤكد أنها غير ملزمة ببيان مجلس الأمن الأخير.
هذا بالإضافة إلى كون المفاوضات ما زالت تحت رعاية الاتحاد الإفريقي، الذي لم يحرك ساكنًا طيلة الفترة الماضية، والذي تحولت المفاوضات تحت إدارته إلى عمل روتيني غير جاد. وبالطبع، فإن الأيام القادمة كفيلة بإثبات هذا الأمر من عدمه، لكن التجربة السابقة في التفاوض تجعل المتابع أقل تفاؤلًا بنجاح هذه الجولة التفاوضية المنتظرة.
اضف تعليقا