في تحول ملحوظ، غيرت الإمارات مؤخراً مسارها من الحث على المواجهة ضد إيران والتيارات الإسلامية إلى الدعوة إلى الحوار، ضمن سياستها بدأت في تبنيها حديثاً لتسوية الخلافات مع إيران وتركيا وقطر وليبيا وأعداء آخرين.

التعديل الأكثر وضوحاً الذي أدخلته الإمارات العربية المتحدة على مسار سياستها الخارجية كان احتضانها الصريح لإسرائيل بعد توقيعها ما يُسمى بـ “اتفاقيات أبراهام”، والتي مر عام عليها الأربعاء الماضي، برعاية إدارة ترامب.

اتفاقية التطبيع بين الإمارات وإسرائيل – في وقت كانت الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط تتضاءل- كان لها جذور أعمق في قرار الإمارات بتبني التعاون الإقليمي على كافة المستويات، حيث يقول المسؤولون الإماراتيون إنهم يتوقعون أكثر من تريليون دولار في التجارة مع إسرائيل خلال العقد المقبل.

على الصعيد الإقليمي، تسعى الإمارات إلى خفض تصعيد النزاعات الإقليمية إلى جانب التركيز بشكل أكبر على الاقتصاد المحلي، وهو نهج يتوافق مع نهج إدارة بايدن وشركاء الولايات المتحدة الآخرين.

يتفق المسؤولون الأمريكيون والأجانب على أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، على الرغم من فشله الشديد، عكس إجماعًا عالميًا متزايدًا ضد “الحروب التي لا نهاية لها”، ومن العلامات المبكرة على هذا الاتجاه انسحاب الإمارات من الصراعات المدمرة في اليمن وليبيا بعد اقتناعها بأن التكاليف تفوق أي مكاسب يمكن تحقيقها من هذه الحروب.

محمد بن زايد، الزعيم الفعلي للإمارات، “يتشابه قليلاً مع كيسنجر في قدرته على قراءة التحولات في ميزان القوى والتكيف معها دون أن يعيق الأهداف الرئيسية”، كما يقول مارتن إنديك، دبلوماسي أمريكي سابق، ومؤلف كتاب “سيد اللعبة” المقرر نشره قريباً، وهو “تقييماً لدبلوماسية وزير الخارجية هنري كيسنجر في الشرق الأوسط”.

في تصريحات حديثة، قال أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، إن الإمارات تطلق على نهجها الجديد “خالي من المشاكل”، وأضاف في مقابلة يوم الثلاثاء إن عملية “إعادة التقييم هذه بدأت في عام 2019 بعد الخطر المتزايد الذي سببته الحرب في اليمن، والهجمات الإيرانية بالصواريخ والطائرات المسيرة على الإمارات والسعودية، والشعور بـ تآكل القوة الأمريكية في المنطقة”.

وقال قرقاش “إن نهج التصعيد أو المواجهة من شأنه أن يورطنا في صراعات طويلة الأمد”؛ لذلك قررت الإمارات تغيير مسارها، بالتركيز على التنمية الاقتصادية كمسار للأمن، مضيفاً “لقد أدرك قادة الإمارات أيضاً أن الدولة تقترب من “نهاية عصر النفط”، الأمر الذي عزز النهج الحالي للدولة”.

كانت تحركات الإمارات أيضاً جزءً من تصحيح المسار بعد احتضان وثيق بشكل ملحوظ لإدارة ترامب، حيث اتهمت وزارة العدل، مستشار ترامب الرئيسي توماس باراك، بالضغط بشكل غير قانوني لدعم المصالح الإماراتية، كما اتهمت دعوى قضائية خاصة مرفوعة في محكمة فيدرالية في كاليفورنيا، إليوت برويدي، جامع التبرعات لحملات ترامب، بالقيام بنشاط مماثل.

“لقد تغيرت نظرتنا”، هكذا قال يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن: “نرى العالم بشكل مختلف قليلاً الآن”، في إشارة إلى نهج الإمارات المتحول من الضغط على واشنطن لاتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إيران وتركيا والحركات الإسلامية إلى السعي نحو المصالحة وتوسيع الروابط الاقتصادية والأمنية مع عدد من البلدان مثل الصين.

لطالما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة دولة صغيرة تستخدم ثروتها النفطية لتصبح واحدة من أهم محاور العولمة، أطلق عليها الجنرال جيم ماتيس، وزير الدفاع السابق، لقب “سبارتا الصغيرة”، لكن الدولة تطمح الآن إلى أن تكون أقرب إلى “سنغافورة الصغيرة”، بحسب تصريح مسؤول إماراتي.

بالرغم من أن محمد بن زايد، هو الصوت الحاسم لدولة الإمارات العربية المتحدة، إلا أن الرجل المهم في التحركات السياسية الأخيرة كان شقيقه طحنون، الذي يعمل مستشاراً للأمن القومي الإماراتي، من خلال شبكة من رؤساء المخابرات الأقوياء في تركيا ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية ودول أخرى.

يقول إنديك إن طحنون يعمل في الظل لإنجاز تلك المهام، في الملف الإيراني على سبيل المثال، يناقش الوصول إلى ” اتفاق عدم اعتداء”.

الجدير بالذكر أن طحنون سافر الشهر الماضي إلى تركيا وقطر للتوسط في المصالحة مع البلدين، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصفه المسؤولون الإماراتيون قبل عام بأنه تهديد مساوياً لتهديدات إيران، صرح بعد لقائه طحنون بأن الإمارات “ستقوم باستثمارات جادة في بلادنا في وقت قصير للغاية”، ليؤكد هذا السياسة الأمريكية الشهيرة التي تقول بأن التعاون الاقتصادي والتجاري يصنعان صداقات.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا