خلال الأشهر الماضية، برز اسم طحنون بن زايد، مستشار الأمن القومي الإماراتي، والأخ الشقيق لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد؛ وذلك بسبب نشاطاته خلال الفترة الأخيرة، والتي تتسم بتغير واضح في السياسة الخارجية للإمارات.
وبالتأكيد، فإن طحنون هو أحد أهم الأسماء في النظام الإماراتي، إلا أن اسمه تردد خلال الفترة الماضية في سياق التقارب مع كل من تركيا وقطر، الدولتين اللتين تمثلان أساس المحور المكافح للسياسة التخريبية الإماراتية في الإقليم طوال الفترة الماضية. بدأ ذلك بزيارة مفاجئة لطحنون إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث التقى بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وحينها ذكرت البيانات الرسمية أن اللقاء ركز على التعاون الاقتصادي بين البلدين، إلا أن المشكلات السياسية بين تركيا والإمارات خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى نفوذ طحنون داخل النظام الإماراتي، جعل كثير من المحليين يصرحون بأن الاقتصاد بالفعل كان جزءًا مهمًا من اللقاء، لكن الجانب السياسي كذلك كان حاضراً في ذلك التحاور.
ثم ظهر طحنون بعد هذا اللقاء بأيام، في زيارة له إلى الدوحة، للقاء الشيخ، تميم بن حمد، أمير دولة قطر. وكانت هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول إماراتي إلى قطر منذ الأزمة الخليجية عام 2017، والتي انتهت عقب قمة دول مجلس التعاون الخليجي التي استضافتها المملكة العربية السعودية في العلا في يناير/ كانون الثاني 2021.
ومؤخرًا، حدث لقاء ثلاثي، اتسم بالودية، على البحر الأحمر، جمع طحنون بالأمير تميم مجددًا، بالإضافة إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
موثوق به ويعمل في الظل
وربما يكون من المناسب إلقاء الضوء بشكل أكبر على هذه الشخصية، التي يتحدث البعض عن أنها ستكون مستقبل الإمارات خلال الفترة القادمة. يعد طحنون أحد ستة أشقاء، معروفين باسم “بني فاطمة الستة”، وهم أبرز المتحكمين في الإمارات حاليًا يأتي على رأسهم محمد بن زايد، وكذلك منصور الملياردير وصاحب نادي مانشستر سيتي لكرة القدم، وآخر هو عبد الله وزير الخارجية.
وبدأ طحنون العمل في الشأن العام، سنة 1991، حيث عمل في القوات المسلحة الإماراتية، ثم عُين في 2013 نائبًا للشيخ هزاع بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي الإماراتي. وفي عام 2016، عُين طحنون مستشارًا للأمن القومي، بعد مرسوم اتحادي أصدره رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. ولا يزال طحنون في هذا المنصب حتى الآن، إلا أن نفوذه يتزايد يومًا بعد يوم، ليتحكم في أهم الملفات التي يديرها النظام الإماراتي في السياسة كذلك.
وحول الصفات الشخصية لطحنون، تقول كيرستن فونتنروز، المديرة السابقة لشؤون الخليج في مجلس الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب: “إنه يشرف على كل شيء، وهو رجل موثوق به ويعمل في الظل”، مضيفة أن “الغموض يشكل جزءًا من شخصيته، إنه هادئ ودائم التنقل والحركة. يكون في الولايات المتحدة في يوم، ثم تكتشف في اليوم التالي أنه أصبح في طهران، وهو مع ذلك لا يتحدث عن تحركاته”. كما تؤكد المسؤولة الأمريكية أن طحنون يتميز باتساع دوره وقدرته على البقاء بعيدًا عن الرصد. وتضيف: “لا أعتقد أن لديه نظيرًا في دول الخليج الأخرى”.
ويبدو أن “العمل في الظل” هو انطباع عام يأخذه كل مَن يحتك بطحنون، حيث وصف دبلوماسي أميركي سابق طحنون بأنه “رجل يعمل في الظل إلى حد كبير”، مضيفًا: “لديه موهبة تتقاطع فيها السياسة الخارجية والأمن القومي”، وفق ما نقلته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
براغماتي واستقصائي وتحليلي
وعلاوة على ما سبق من صفات، يقول آخرون ممن احتكوا بطحنون وتعاملوا معه إنه شخصية براغماتية واستقصائية وتحليلية إلى حد كبير، وهم في ذلك يستشهدون ببعض المواقف التي اتخذها طحنون.
حيث يقول دبلوماسي أميركي سابق إن طحنون بن زايد كان أول مسؤول إماراتي كبير يثير احتمالية انسحاب الإمارات من الحرب في اليمن، في عام 2016، فقد أدرك مبكرًا أنه لا يمكن الانتصار فيها. وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن دخول الإمارات إلى الساحة اليمنية جاء في عام 2015، أي قبل عام من تولي طحنون منصب مستشار الأمن القومي.
كذلك، فقد كان لطحنون رأيًا مخالفًا لرأي شقيقه محمد بن زايد فيما يتعلق بدعم مجرم الحرب الليبي، خليفة حفتر، حيث كان طحنون حذرًا من دعم وتعويل الإمارات على حفتر، نظرًا لأنه كان في نظره “ليس زعيمًا سياسيًا قابلاً للحياة” كما أنه “قائد عسكري غير منضبط”، حسبما نقلت “فاينانشال تايمز” عن مسؤول أمريكي سابق تعامل مع طحنون.
هل يصلح طحنون ما أفسده شقيقه؟
ومما سبق يتضح أن طحنون أحد أبرز النافذين في النظام الإماراتي، كما أن لديه قدر عال من البراغماتية، وفق مَن تعاملوا معه عن قرب. وحيث إن الأيام الماضية أثبتت أن المسؤول الإماراتي أصبح مقدمًا على غيره من الشخصيات داخل النظام للتعامل مع أهم القضايا التي تنخرط فيها الإمارات، كالعلاقات مع تركيا وقطر، فإن السؤال هنا يبرز حول احتمالية أن يصلح طحنون ما أفسده شقيقه محمد بن زايد، جراء سياسته الخارجية المتهورة خلال السنوات الماضية.
فكما هو معلوم، فإن الإمارات تدخلت في ليبيا لتدعم حفتر ضد الحكومة الشرعية، كما أنها تدخلت في اليمن لهزيمة الحوثي واستعادة الشرعية، بالإضافة إلى قيادتها لحصار قطر وتشجيعها للسعودية ومصر والبحرين على قطع العلاقات مع الدوحة، حتى إن الإمارات قد ساهمت في المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا عام 2016، وفق مسؤولين أتراك.
وفي كل هذه الساحات كان محمد بن زايد هو المحرك الرئيسي للسياسة الإماراتية، لكن أبو ظبي لم تنجح في أي منها. ففي ليبيا، فشل حفتر في اقتحام العاصمة طرابلس. وفي اليمن، لم يتم استعادة الشرعية بل وانقلبت الإمارات نفسها على ممثلي الشرعية وشجعت ودعمت الانفصال بجنوب اليمن. وفي الأزمة الخليجية، صمدت قطر أمام الحصار، الأمر الذي جعل السعودية تقود الحراك الذي رفع الحصار وأعاد العلاقات رغمًا عن الإمارات. هذا فضلًا عن فشل الانقلاب التركي في ليلة واحدة.
ومع السياسة الإماراتية الخارجية الجديدة نوعًا ما، فإن هناك ترقب عام، وربما أمل لدى البعض أن يصلح رجل الإمارات القوي، طحنون بن زايد، ما أفسده شقيقه محمد، على مدار سنوات.
اضف تعليقا