في 25 يوليو/ تموز الماضي، اتخذ الرئيس التونسي، قيس سعيد، بعض الإجراءات الاستثنائية، التي كان من بينها تجميد عمل برلمان الشعب لمدة 30 يومًا، ورفع الحصانة عن النواب، وعزل رئيس الوزراء، هشام المشيشي. لكن غالبية الأحزاب التونسية رفضت الإجراءات، واعتبرتها انقلابًا على الدستور والثورة، حيث إنه نتج عن قرارات “سعيد” انفراده بالسلطات الثلاث في البلاد، فقد تولى هو بنفسه رئاسة السلطة التنفيذية، كما تولى سلطة إصدار القوانين، هذا بجانب توليه سلطات النيابة العامة.
ومع مرور الوقت، كان هناك أمل لدى البعض أن يتراجع سعيد عن قراراته الانقلابية، أو على الأقل ألا يمددها بعد مرور شهر، لكن ما حدث كان عكس ذلك. فقد تزايدت الاعتقالات في حق المعارضين لإجراءاته، كما أقال سعيد عشرات من المسؤولين في الوزارات والمؤسسات المختلفة. هذا علاوة على إصدار الرئاسة التونسية بيانًا، في 23 أغسطس/آب الماضي، أعلنت فيه قرار سعيد، تمديد التدابير الاستثنائية التي اتخذها “حتى إشعار آخر”.
مخالفة للدستور والانفراد بالسلطة
حينها بات الأمر واضحًا أمام الجميع، بمن فيهم بعض مؤيدي الرئيس، أن الأخير ينتوي الانفراد بالسلطة لأجل غير مسمى، رغم أن الدستور التونسي لا يخوله لفعل هذا. حيث يتذرع سعيد بالمادة رقم 80 من الدستور التي تقول إن “لرئيس الجمهورية في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدّولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشّعب وإعلام رئيس المحكمة الدّستورية، ويعلن عن التّدابير في بيان إلى الشعب”.
وتضيف الفقرة الثانية من الفصل ذاته، أنه “يجب أن تهدف هذه التّدابير إلى تأمين عودة السّير العادي لدواليب الدّولة في أقرب الآجال، ويُعتبر مجلس نواب الشعب (البرلمان) في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة”.
وبهذا يتضح أن المادة التي استند إليها الرئيس لا تعطيه الشرعيّة لاتخاذ مثل تلك التدابير، بالنظر إلى أنها تحتّم وجود خطر داهم يهدد البلاد أوّلًا، وتقتضي من رئيس الجمهورية استشارة رئيسي الحكومة والبرلمان، ولا تخوّله الحقّ بتجميد البرلمان، بل تنصّ على انعقاده على امتداد فترة الإجراءات الاستثنائية المعلنة، كما لا تمنحه الحق بتوجيه لوم إلى الحكومة.
تعديل الدستور والتأسيس لديكتاتورية
ومع إفصاح “سعيد” مؤخرًا عن رغبته في تعديل الدستور، فإن الجميع تقريبًا بات متأكدًا من أن سعيد لا يريد الانفراد بالسلطة فحسب، بل إن هدفه هو تأسيس لدولة ديكتاتورية، والانقلاب بشكل تام على مكتسبات الثورة. حيث قال الرئيس التونسي قبل أيام: “أحترم الدستور لكن يمكن إدخال تعديلات على النص”.
واعتبر أن “الشعب سئم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولا بد من إدخال تعديلات في إطار الدستور”، مضيفًا أن “الدساتير ليست أبدية ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي لأن السيادة للشعب ومن حقه التعبير عن إرادته”.
كذلك صرح مستشار الرئاسة التونسية، وليد الحجام، أن “هناك ميلًا لتعديل النظام السياسي في تونس ربما عبر استفتاء، وإنه يُفترض تعليق الدستور وإصدار نظام مؤقت للسلطات”، مضيفًا أن “ملامح خطة الرئيس في مراحلها الأخيرة ومن المتوقع الإعلان عنها رسميًا في وقت قريب”.
موقف معادي للأحزاب
وعند الحديث عن التغييرات التي قد يجريها سعيد على دستور البلاد، الذي أُقر عام 2014، فيبدو أن الأحزاب التونسية ستشهد تضييقات حال نجاح الرئيس في تمرير رؤيته. فهناك العشرات من الأحزاب في تونس، التي خرجت إلى الفضاء السياسي التونسي، كأحد مكتسبات الثورة، التي كانت تدعو إلى التعددية السياسية، لكن سعيد له موقف يعتبر معاديًا للأحزاب.
في تصريح إعلامي له يعود لسنة 2014، اعتبر سعيد أنّ “أيا من الأحزاب أو التنظيمات السياسية لم يتولّ قيادة الشباب والشعب التونسي يوم 14 جانفي (يناير) 2011 وأن برامجها كلها تكاد تكون واحدة وعادت بتونس للوراء وهي في قطيعة كاملة مع الواقع وغير قادرة على القيادة”.
كما ردّ سطوة الأحزاب على الحكم للنظام الانتخابي على القوائم والذي “يجعل من يتمّ انتخابه لا يستمد وجوده من إرادة الناخبين الذين انتخبوه بل يستمدّ وجوده من الهيئة المركزية للحزب التي رشحته” داعيًا لاعتماد الدائرة المحلية والانتخابات على الأفراد “لأنها طريقة الاقتراع التي يمكن أن تضع حدّا لما اعتبره انحرافات”. وفي 2013، دعا صراحة الأحزاب السياسية للانسحاب من الساحة العامة لنهاية دورها.
وعد قديم غامض
وحين كان سعيد مرشحًا للرئاسة، طُرح عليه سؤالٌ حول ما يبدو من تناقض بين سعيه لمنصب الرئيس وما صدر عنه من معارضة للنظام السياسي. فكان جوابه أنه “يطرح تأسيسًا جديدًا قوامه فكر سياسي جديد يترجمه نص دستوري بالفعل جديد وتعهد بألا تجري انتخابات نيابية لاحقًا في صورة فوزه في الانتخابات وفق التصوّر السابق أي في إطار الديمقراطية التمثيلية”.
ولكنه عاد وأكد أن التغيير المنشود منه سيكون باستعمال الآليات الدستورية. ولم يكنْ واضِحا حينها كيف يمكن له ذلك في ظل عدم وجود نصوص دستورية تمكنه من فعل ذلك.
وبالتأكيد، فإن كل الأحزاب لديها أخطاء، إلا أن الجهة التي يجب أن تحاسبها هي الأمة في صناديق الاقتراع، وليس سلطة ثانية تفعل ما يحلو لها دون الالتزام بالقواعد الدستورية الحاكمة للعلاقة بين السلطات المختلفة. كما أن إلغاء الأحزاب أو تهميشها هو إجراء معروف لدى الدول الاستبدادية القمعية، ويبدو أن عقلية “الحاكم المنفرد” التي تسيطر على سعيد ستقود البلاد إلى عصر أسوأ من العصور السابقة، إذا لم ينتبه الشعب التونسي لأفعال “سعيد”. فهو يبدو أنه يعادي الديمقراطية، التي لولاها لم يكن ليصل إلى منصبه الحالي.
اضف تعليقا