قالت صحيفة “لوبينيون” الفرنسية إن المملكة المغربية تنتقل من التعاون السري مع إسرائيل إلى علاقة سياسية واقتصادية، لكن هذا لا ينفي أن العلاقات مع تل أبيب تعتبر موضوعا حساسا داخل المملكة المغربية، حيث يلتزم الملك محمد السادس اتجاه الفلسطينيين ويصر على دعم قضاياهم.

وفي مقال بالصحيفة قال الكاتب باسكال أيرولت: وفقًا لمصدر إسرائيلي، فإنه لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية، القادة المغاربة لا يظهرون نفس الحماس مثل الإماراتيين للاتفاقات الإبراهيمية”، التي وقعت منذ عام 2020، برعاية أمريكية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدة دول عربية (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب).

وأوضح المصدر أنه “خلال زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، إلى المغرب في أغسطس/ آب الماضي، قالوا لنا، بعيدًا عن الكاميرات، إن التطبيع كان طبيعيًا بسبب العلاقات القديمة والقوية التي توحدنا، لكنهم طلبوا منا عدم المبالغة في ذلك، بفيض من المشاعر “.

ووفقا للكاتب فإنه داخل مملكة محمد السادس، تعتبر العلاقة مع إسرائيل موضوعًا حساسًا للغاية، حيث يُظهر الملك التزامًا مستمرًا تجاه الفلسطينيين، وتجدد الأحزاب السياسية كلمات دعمها لقضيتهم.

ففي مايو/ أيار الماضي، اندلعت عدة احتجاجات في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد مع استئناف الصراع بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والجماعات المقاومة الإسلامية في قطاع غزة.

كما رفض مسؤولو حزب “العدالة والتنمية” لقاء الوفد الإسرائيلي الذي جاء لجعل التقارب حقيقة واقعة، حيث كان على رئيس الوزراء السابق والأمين العام للحزب الإسلامي، سعد الدين العثماني، المصادقة على الاتفاقية – التي تم التفاوض عليها من دونه ورغما عنه – في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كما استقبل وفدًا من حماس في يونيو/ حزيران، وهي زيارة لم تكن لتتم من دون موافقة القصر.

وتقول “لوبينيون” يجب على الملك أن يظهر لمواطنيه أن “التطبيع” لا يعني التوافق مع المواقف الإسرائيلية، كما أنه من المقرر أن يتم إعادة فتح السفارة المغربية المستقبلية في تل أبيب وليس في القدس.

 

ويرى دبلوماسي مغربي أن التطبيع يخلق سياقًا جديدًا، ويسلب إسرائيل حجة العداء من جيرانها العرب لعدم التقدم على طريق السلام مع الفلسطينيين الذي يمكننا مساعدتهم.

فكرئيس للجنة القدس، من المفترض أن يحافظ محمد السادس على الطابع العربي الإسلامي للمدينة المقدسة، حيث قام بتمويل ترميم المسجد الأقصى.

ويوضح الكاتب بالصحيفة محمد السادس يتجنب أي لقاء مع حكام إسرائيل في الوقت الحاضر، فخلال زيارته الأخيرة سلم يائير لابيد دعوة من الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى محمد السادس.

وردًا على ذلك، أعرب الملك عن أمله في أن تؤدي العلاقات المتجددة إلى تشجيع السلام الإقليمي، لكنه لم يستجب بعد لطلب عقد لقاء ثنائي.

فتح مكاتب الاتصال

 وأوضح مقربون منه أن التطبيع يتم “مع الفلسطينيين لصالح الفلسطينيين”، إذ حرص الملك على الاتصال برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد إعلان التطبيع مع إسرائيل.

وأعادت إسرائيل والمغرب فتح مكاتب الاتصال الخاصة بهما في الرباط وتل أبيب، التي تم إنشاؤها عام 1994 بعد اتفاقيات أوسلو، قبل إغلاقها عام 2000 بعد اندلاع الانتفاضة الثانية، لكن الإغلاق لم يمنع أبدًا استمرار العلاقة السرية، لأن الدولتين كانت بينهما تعاون متبادل على مر العصور.

فبحسب الصحفي رونين بيرغمان الأجهزة الإسرائيلية تنصت على قادة القمة العربية في الدار البيضاء التي عقدت سبتمبر/ أيلول 1965، بفضل تواطؤ المغرب.

في المقابل، قدمت إسرائيل مساعدة لوجستية للمغاربة للقضاء على الخصم الاشتراكي للحسن الثاني، مهدي بن بركة، كما تنصتوا على اجتماعات مغلقة حول الصحراء الغربية، بناء على طلب المخابرات المغربية.

كان هذا قبل وقت طويل من اندلاع قضية بيجاسوس – التي سميت على اسم البرنامج الإسرائيلي المشتبه في استخدامه من قبل المغرب لمراقبة هواتف الصحفيين أو القادة السياسيين، بما في ذلك إيمانويل ماكرون – الذي نفت الرباط مؤخرًا صحته.

وتشير الصحيفة إلى أن التعاون بين الأجهزة السرية بين البلدين متواجد حتى قبل الإعلان عن تطبيع العلاقات، وترى تل أبيب أن الرباط قوة معتدلة في العالم العربي، خاصة في موقفها من إيران.

 كما أن اليهود كانوا دائمًا محميين في المغرب، خاصة من قبل السلطان محمد بن يوسف، محمد الخامس، عندما كانوا في خضم اضطهاد من قبل سلطات الحماية الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. 

وفيما لم يتوقف التعاون بين استخبارات الدولتين على الإطلاق، فقد نشط عسكريًا، حيث في عام 2008، وقعت مجموعة الصناعات العسكرية الإسرائيلية المملوكة للدولة اتفاقية مع شركة الدفاع الأمريكية الرائدة، لوكهيد مارتن، لتوريد المعدات والمكونات للطائرات المقاتلة من طراز F-16، للمغرب.

لذلك فإن التطبيع بدأ بشكل طبيعي من قبل أجهزة المخابرات في البلدين بموافقة قادة البلدين، إذ كشف رام بن باراك، الرجل الثاني السابق في الموساد والنائب بالكنيست في أغسطس / آب، أن اتصالاً مغربياً طلب منه التوسط في 2018 للولايات المتحدة للاعتراف بـ “مغربية” الصحراء الغربية.

في المقابل طلبت إسرائيل من المغرب استئناف العلاقات الدبلوماسية والموافقة على فتح خط جوي مباشر، وأكد رام لصحيفة معاريف “من أجل ذلك عقدت اجتماعات مع مسؤولين مغاربة رفيعي المستوى وبينوا أن الملك مستعد لتعزيز مثل هذه الخطوة السياسية الإقليمية”.

وأضاف “بعد ذلك مباشرة عقدت اجتماعات في البيت الأبيض مع مستشار الرئيس [دونالد ترامب] جيسون جرينبلات وممثلي مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية”.

ووفقا لدبلوماسيين وأمنيين مغاربة وإسرائيليين فإن التطبيع سيفتح آفاقا جديدة للتعاون المشترك في مجالات مختلفة أهممها: إدارة المياه وإنتاج البذور والتكنولوجيا الرقمية والصحة إضافة إلى إمكانية المملكة المغربية التفاوض والتدخل في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا