تخطت مصر المحلية، وأصبحت سمعتها في مجال تجارة الأعضاء البشرية تطوف أرجاء القارة السمراء، إلى الدرجة التي تدفع دولة أفريقية للتحذير من العلاج بها.

وزارة الصحة النيجيرية حذرت رعاياها الذين يعتزمون السفر إلى مصر للعلاج من تزايد معدلات تهريب وسرقة الكلى، وأرسلت الوزارة مذكرة للجمعية الطبية النيجيرية تحذرها من ارتفاع معدلات سرقة وتهريب الكُلى في مصر، لتنبيه النيجيريين الذين يعتزمون السفر إلى مصر للحصول على الرعاية الطبية.

الوثيقة التي أرسلها مدير خدمات المستشفيات بالوزارة الدكتور “وابادا بلامي” أشارت إلى محاكمة 41 متهمًا في الشبكة الدولية لتجارة الأعضاء، منبهًا إلى زيادة سرقة وزرع الأعضاء البشرية بشكل غير قانوني خلال الآونة الأخيرة.

وذكرت الوثيقة على وجه التحديد بعض المستشفيات التي شهدت الجراحات المخالفة التي أجراها المتهمون، وهي: “دار الشفاء” الخاصة بحلوان، و”الباشا” التخصصى بفيصل، ومركز “الأمل” للجراحات العامة بالمريوطية، و”دار ابن النفيس” بالجيزة.

مصر سباقة دائمًا!

وكما يقول كثيرون إن مصر سباقة دائمًا في منطقتها العربية ومحيطها الإقليمي، فإن الصدارة كانت محجوزة باسمها في مجال تجارة الأعضاء البشرية.

ففي دراسة صدرت عن منظمة الصحة العالمية، كشفت عن أن مصر تعد مركزًا إقليميًا للاتجار بالأعضاء البشرية، وصنف مصر ضمن أعلى خمس دول على مستوى العالم في تصدير الأعضاء البشرية مع كل من الصين، والفلبين، وباكستان، وكولومبيا، فيما تعتبر مصر الأولى على مستوى الشرق الأوسط والمنطقة العربية.

التقرير كشف أن سعر العملية الواحدة شاملة ما يحصل عليه المتبرع والمريض والطاقم الطبي والسمسار يتراوح بين 40 إلى 100 ألف دولار.

المجلة البريطانية لعلم الإجرام “British Journal of Criminology” نشرت تقريرًا عن تجارة الأعضاء البشرية في مصر، أغسطس 2016، كشف عن بعض الأرقام والإحصائيات الكارثية عن حجم هذه التجارة، حيث توصل إلى احتلال مصر مركزًا متقدمًا بين الدول المتورطة في هذا النوع من التجارة غير المشروعة،  وأنها تعتبر من أكبر الأسواق في تجارة الأعضاء البشرية في العالم.

تقرير آخر، وضع مصر في المرتبة الثالثة عالميًا، مشيرًا إلى أنه في كل عام يصل عدد حالات زرع الكلى غير المرخصة في مصر إلى 500 عملية، ويحاول تجار الأعضاء البشرية في مصر توصيل ضحاياهم إلى أوروبا ومن ثم شراء أعضائهم وبيعها وإعادتهم مرة أخرى إلى مصر.

المركز المصري للحق في الدواء، قال إن منظمة كوفس العالمية لمناهضة الاتجار بالبشر أعلنت في سبتمبر 2016، أن مصر يتم بها نحو 7 آلاف عملية سنويًا في الاتجار، وأن المنظمة تخشى أن تتحول مصر إلى برازيل الشرق الأوسط في تجارة الأعضاء.

ورصد المركز في تقرير له، نحو 33 حالة اتجار أو بيع للأعضاء من أكتوبر 2015 إلى أكتوبر 2016، في المستشفيات العامة والجامعية الكبرى، حيث يسهل اصطياد الضحايا بواسطة أطقم طبية.

وأشار إلى أن العملية تتم في المراكز الحكومية عن طريق السرقة والمستشفيات الخاصة عن طريق الاتفاق، وأن هناك عيادات متخصصة تقوم بتجهيز المتبرع سواء بمقابل مادي أو من دون مقابل واختبار مدى تطابق أعضائه مع المتبرع له.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاء رسمي معتمد بحجم تجارة الأعضاء الشبشرية حول العالم، فإن بعض التقارير تقدرها بنحو 8 مليارات دولار سنويًا.

أما في مصر، فتقترب الأرقام من حوالي 280 مليون دولار، وفق المعلومات المتاحة في التقارير التي سبق الإشارة إليها.

الشبكة الدولية ليست الأولى

في يوليو الماضي، أحال النائب العام 41 متهمًا بين أساتذة جامعات وأطباء وممرضين وسماسرة للمحاكمة الجنائية، في القضية التي هزت الرأي العام المصري، وكشفت تورط المتهمين في شبكة دولية للاتجار بالأعضاء البشرية.

وعلى الرغم من الأصداء الواسعة التي أحدثتها تلك القضية، إلا أنها لم تكن الأولى من نوعها بل سبقها 6 قضايا أخرى في عام 2016 فقط.

ففي يناير، ضبطت أجهزة الأمن “مافيا” للاتجار بالأعضاء البشرية بمنطقة الخليفة في القاهرة، تتكون من 4 سيدات ورجل، منهم سيدتان قامتا ببيع كليتهما، مقابل 17 و20 ألف جنيه للواحدة، ثم انضموا للتشكيل العصابي من أجل استقطاب آخرين لبيع أعضائهم البشرية نظير مبالغ مالية.

وفي أبريل، عُثر على جثث 9 صوماليين، على أحد شواطئ مدينة الإسكندرية، وقد سُرقت أعضاؤهم، وكانت هذه الأسرة الصومالية قد جاءت إلى مصر بغية الهجرة إلى أوروبا، إلا أنه تم اختطافهم من قبل مجهولين، وسرقة أعضائهم مثل الكبد والقلب والكلى.

وفي يونيو، تم ضبط تشكيل عصابي، تخصص في تجارة الأعضاء البشرية، حيث ضُبط سمسار لتجارة بيع الأعضاء وبرفقته شخص آخر يساعده في اختيار الشباب، وإقناعهم بإتمام عملية بيع الأعضاء البشرية في موعدها، وإتمام التحاليل اللازمة للعملية، مقابل منحهم 15 ألف جنيه للكلية الواحدة.

وفي أغسطس، ضبطت الأجهزة الأمنية تشكيلين عصابيين استغلا حاجة الفقراء للمال، واستوليا على أعضائهم البشرية، واتخذا منطقة السيدة زينب مقرًا لهما، وأقر أعضاء هذه العصابة في اعترافاتهم أمام النيابة، عن قيامهم باجتذاب الفقراء والمغتربين والمتعسرين ماديًا للتبرع بأعضائهم، ووعدهم بالتوظيف في شركات مقابل رواتب جيدة.

وفي سبتمبر، تم الكشف عن تورط طبيب وممرض وموظفة بمستشفى “أم المصريين” الحكومية بالجيزة، حيث كان يحصل فيها المتبرع على 12 ألف جنيه، وفي الشهر ذاته، تم الكشف عن عصابة أخرى في منطقة المرج بالقاهرة، بعد أن أبلغ بعض الأهالي الشرطة عن صدور أصوات مشاجرات متكررة في شقة سكنية يقطنها رجال ونساء غرباء عن المنطقة، ووقتها داهم الأمن المنزل واكتشف وجود ثلاجات ممتلئة بأعضاء بشرية.

اختراق “مافيا” الأعضاء البشرية

وفي تحقيق استقصائي هو الأول من نوعه، تمكن صحفى ألماني في أغسطس الماضي، من اختراق مافيا تجارة الأعضاء البشرية في مصر، ليكشف عن حقائق بشأن تلك المافيا، وكيف تتورط مستشفيات خاصة شهيرة فى تلك التجارة غير المشروعة، كاشفًا أن أغلب سماسرة الأعضاء والمتبرعين بها من اللاجئين السودانيين.

وشرح التحقيق المصور، الذى نشره موقع “بريس بورتال” الألماني، كيف تحتجز عصابات تجارة الأعضاء بعض الأشخاص بالقوة، وتستولي على أعضائهم، دون دفع أية مبالغ مالية لهم، حتى إنه لم تمنع إصابة بعضهم بأمراض خطيرة مثل الإيدز من سرقة بعض أعضائهم وزرعها لآخرين.

وقال “تيلو ميشكا” صاحب التحقيق، إنه استعان بكاميرات خفية، ثُبتت إحداها بالنظارة وأخرى بحقيبة كتفه وأخرى بالظهر، وحتى المصور- الذى كان يظهر معه أحيانًا- كان يبدو أنه سائح أجنبي.

السلطات المصربة، ممثلة في وزارة الصحة، نفت ما ورد بالتحقيق جملة وتفصيلًا، وتوعدت على لسان مصدر مسؤول باتخاذ الإجراءات القانونية حيال منتجي الفيلم، وإصدار بيان رسمي للرد على ما وصفها المصدر بـ”الادعاءات” الواردة فيه.

لماذا تنتعش التجارة في مصر؟

وعن أسباب انتشار ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية في مصر، أشارت دراسة أجرتها جامعة الإسكندرية عام 2013 إلى أن ظهور مافيا الاتجار في الأعضاء البشرية في مصر، يرجع إلى حالة الفقر الشديدة التي يعاني منها الشعب المصري، ونقص التشريعات التي تجرم هذه التجارة المحرمة.

وتوضح الدراسة أن بعض الأطباء وجدوا في تجارة الأعضاء البشرية فرصة لتحقيق مكاسب مالية سهلة، مؤكدة أن 78% من المانحين المصريين يعانون من تدهور في حالتهم الصحية بعد العملية الجراحية، في حين أن 73% يعانون من ضعف قدراتهم على أداء الوظائف والمهام الصعبة التي تقتضي جهدًا شاقًا.

أحدث تقارير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كشف أن (27.8%) أي نحو 25 مليون مواطن مصري فقراء لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية من الغذاء وغيره، النسبة ترتفع إلى 57% من سكان ريف الوجه القبلي، الأمر الذي يفسر لجوء السماسرة إلى تلك المناطق لاصطياد فرائسهم.

صحيفة “التايمز” الأمريكية أرجعت الأسباب التي جعلت مصر موطنًا لتجارة الأعضاء البشرية بالنسبة إلى الأفارقة تحديدًا، إلى أن موقع مصر في منطقة وسط، في أكثر من مسار يتخذه المهاجرون الأفارقة نحو أوروبا، يجعلها المكان المثالي لتلك التجارة.

ونقلت عن تقارير دولية، قولها إن 10 آلاف شخص يعبرون إلى أوروبا عبر البحر المتوسط من السواحل المصرية، ولكن حالات التبليغ للسلطات المصرية عن بيع الأعضاء البشرية نادرة.

وكشفت في تقريرها المعنون “تجار الأعضاء البشرية في مصر يغرون المهاجرين الأفارقة بالجنس والمال”، والمنشور سبتمبر 2016، أن سماسرة يعرضون مبالغ كبيرة من المال مقابل شراء كلى المهاجرين الأفارقة.

الصحيفة تطرقت في تقريرها إلى زيادة الطلب على شراء الكلى، كاشفة أن سعرها في بعض الأحيان وصل إلى 100 ألف جنيه إسترليني، وهو ما دفع التجار إلى اللجوء إلى فتيات الليل لإضفاء مزيد من الإغراء على صفقات بيع الأعضاء.

وفي بحث ميداني أجراه المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان “صور الاتجار بالبشر في المجتمع المصري” رصد بيع الأطفال لأعضائهم – من خلال عينة مكونة من 400 طفل – وبالتحديد الكلى فقط، حيث باع طفلان كليتيهما مقابل 15 ألف جنيه لأحدهما، و25 ألف جنيه للآخر، والاثنان من الذكور في الفئة العمرية من 15 إلى 18 عامًا والاثنان من الذين تسربوا من مرحلة التعليم الابتدائي.

كما يبدو قصور اللوائح والقوانين والتشريعات المنظمة والمتعلقة بالاتجار في الأعضاء البشرية أو التبرع بها، في طليعة الأسباب المؤدية لانتشار تلك التجارة.

ومن المفترض أن القانون المصري يضع قيودًا كبيرة على عملية التبرع أو تبادل وزراعة الأعضاء، وينظمها وفق قانون “تنظيم زراعة الأعضاء البشرية” الصادر عام 2010، والذي يمنع التبرع إلا بين الأقارب من المصريين أو بموافقة لجنة خاصة من وزير الصحة، وبشرط أن يكون التبرع ضرورة ليس هناك سواها.

ويحظر زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية بما يؤدي إلى اختلاط الأنساب، ويجرم القانون حصول المتبرع على أي مقابل أو أجر أو مكافأة، ويمنع المصريين من التبرع للأجانب إلا في حالة الزوج أو الزوجة الأجنبية”.

إلا أن تجار الأعضاء يتحايلون على النصوص القانونية بالحصول على توقيعات بالموافقة على التبرع دون أجر من صاحب العضو المباع، ليظهر وكأنه باع عضوه متبرعًا بكامل إرادته، في حين يلجأ آخرون إلى السوق السوداء في الظل دون موافقات كتابية أو غيره، ويكون الطريق الثالث هو سرقة الأعضاء بالإكراه، عن طريق الخطف والإجراء القسري للجراحة.