بدأ التونسيون بالتجمع أمام المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، احتجاجًا ضد إجراءات الرئيس التونسي قيس سعيد، والتي يعتبرها المتظاهرون انقلابًا على الدستور، داعين إلى التمسك بدستور الثورة.
بدورها، أغلقت السلطات الأمنية المنافذ المؤدية إلى شارع الحبيب بورقيبة أمام حركة السيارات، كما انتشرت عناصر الأمن التونسي بكثافة وسط الشارع والأماكن المحيطة به، وذلك قبل ساعتين من الموعد المقرر فيه بدء الاحتجاجات التي دعا إليها “حراك مواطنون ضد الانقلاب”.
وأمس، تظاهر عشرات المواطنين جنوبي البلاد للاحتجاج على ما وصفوه بالانقلاب على الدستور الذي قام به الرئيس، في وقت خرجت مظاهرة مؤيدة لسعيد بالعاصمة.
وطالب المتظاهرون في ساحة المقاومة وسط مدينة صفاقس (جنوبي البلاد) بعودة العمل بالدستور والمؤسسات الديمقراطية، ورفضوا كل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية يوم 25 يوليو/تموز الماضي.
موقف الولايات المتحدة..
دعت الولايات المتحدة الأميركية الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تشكيل حكومة وتعيين رئيس وزراء، في وقت تهز الاستقالات حركة النهضة، وسط تحركات في الشارع، حيث دعت الأطياف السياسية المعارضة إلى مظاهرة رافضة اليوم في العاصمة تونس.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، في بيان نشرته السفارة في تونس السبت، إن واشنطن تشعر بالقلق من أن الإجراءات الانتقالية مستمرة في تونس دون نهاية واضحة. ودعا الرئيسَ إلى وضع جدول زمني للإصلاحات مع بقية الشركاء السياسيين والمجتمع المدني.
وبعد نحو شهرين من إعلانه التدابير الاستثنائية، أصدر سعيد يوم 22 من الشهر الجاري أمرا رئاسيا ألغى بموجبه العمل بفصول الدستور المنظمة للسلطتين التشريعية والتنفيذية، وضمّنه أحكاما مؤقتة لتنظيم السلطة.
وسيتولى سعيد السلطة التنفيذية بشكل كامل بمساعدة حكومة جديدة مسؤولة أمامه، دون أن يحدد موعدا لذلك، كما سيتولى السلطة التشريعية عبر إصدار المراسيم.
وعاد المتحدث الأميركي ليقول “نشارك الشعب التونسي هدفه المتمثل في تشكيل حكومة ديمقراطية تستجيب لاحتياجات البلاد وهي تجابه أزمات اقتصادية وصحية”.
وسيشرف سعيد بنفسه على إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية، ومن بينها الدستور ونظام الحكم والقانون الانتخابي بعد تكليفه للجنة خاصة. ولكن الرئيس لم يوضح ما إذا كان سيتوخى مسارا تشاركيا في ذلك مع الأحزاب والمنظمات.
وقد عارضت أغلب الأحزاب واتحاد الشغل (المنظمة النقابية الأكبر في البلاد) خطوة الرئيس إلغاء العمل بمعظم الدستور، ووصفوا قراراته بالخروج عن الشرعية.
وقال سعيد -الذي استخدم المادة 80 من الدستور نفسه لإعلان التدابير الاستثنائية- إنه اتخذ هذه الخطوات لإنقاذ الدولة والتصدي للفساد وتلبية إرادة الشعب.
جمعيات تونسية ودولية ضد إجراءات سعيد
وفي ردود الفعل المتصلة بالإجراءات الرئاسية، اعتبرت 18 جمعية ًومنظمة حقوقية تونسية ودولية أن قرارات سعيد تمثل أولى الخطوات نحو الاستبداد في البلاد. كما اعتبرتها منعطفا ينطوي على تهديداتٍ تمس حقوقَ الإنسان والتطلعات الديمقراطية للشعب التونسي.
وأكدت هذه المنظمات تمسكَها بالمبادئ الديمقراطية، معبرة عن رفضها الاستحواذ على السلطة في ظل غياب الضمانات.
وشددت على دعم أي عملية تهدف إلى تجاوز الأزمة ِالسياسية والدستورية الحالية بشرط احترام سيادة القانون، والتعبير الديمقراطي عن تطلعات الشعب التونسي.
من جانبه، قال سامي الجربي عضو الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين إن قرار الرئيس، إلغاء الهيئة، صدر من فاقد للأهلية والشرعية والمشروعية، وفق تعبيره.
واتهم الجربي الرئيسَ بعدم الإذعان لقرارات الهيئة، مما دفعه لإلغائها. وأضاف أن أبواب الهيئة لن تُغلق إلا بإرساء المحكمة الدستورية كما أراد الشعب.
أزمات داخل النهضة..
وفي سياق متصل بالتطورات السياسية، أعلن رئيس لجنة إدارة الأزمة السياسية لحركة النهضة محمد القوماني استقالته من منصبه، احتجاجا على ما سماه التغير الجوهري الذي تشهده الحياة السياسية في البلاد.
وفي 12 أغسطس/آب الماضي، أعلنت النهضة تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة الأزمة السياسية في البلاد، برئاسة القوماني عضو المكتب التنفيذي للحركة.
وقال القوماني إنه يقدر أن السياقين الوطني والحزبي “ينهيان فعليا مهمة اللجنة”.
وأضاف: “اللجنة مؤقتة وذات تفويض حصري في الملف، وهي الجهة الرسمية الوحيدة التي تلزم الحركة، ولا تلزمها أية مواقف أو مبادرات أو تصريحات أخرى ذات صلة مهما كانت”.
وكان أكثر من مئة من أعضاء “النهضة” قد قدموا استقالاتهم من الحركة، بسبب ما اعتبروه إخفاقا في معركة الإصلاح الداخلي للحزب المنبثق عن الحركة.
وجاء في بيان الاستقالة “الخيارات السياسية الخاطئة لقيادة حركة النهضة أدت الى عزلتها وعدم نجاحها بالانخراط الفاعل في أي جبهة مشتركة لمقاومة الخطر الاستبدادي الداهم الذي تمثله قرارات 22 سبتمبر/أيلول (للرئيس سعيد)”.
في سياق متصل، قالت المتحدثة باسم مجلس شورى حركة النهضة سناء المرسني، في إن المجلس رفض التشكيلة الجديدة للمكتب التنفيذي التي اقترحها رئيس الحركة راشد الغنوشي.
وأضافت المرسني أن مجلس الشورى أرجأ إعادة النظر في القضية إلى الأسبوع المقبل.
ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تعيش تونس أزمة سياسية حادة، حيث قرر الرئيس حينها تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.
اضف تعليقا