قالت صحيفة لوموند الفرنسية عن رئيس الدولة التونسي، قيس سعيد، لقد تسبب في زعزعة التوازن الدستوري من خلال تركيز معظم السلطة في يديه باسم “ثورة الشعب” التي يريد إحيائها، فهذا البلد المهدد بخطر مزدوج من الاستبداد والإفلاس المالي، يغرق في المجهول.

وأضافت “هناك كلمة تتردد كثيرا عن قيس سعيد وهي ” غموض” الرجل الذي انتخب عام 2019 إلى منصب الرئاسة، وأصبحت البلاد منذ “انقلابه” الصيفي على مسارات محفوفة بالمخاطر.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قرر، الأحد 25 يوليو/ تموز، تجميد كل سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان، وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه، وذلك بموجب الفصل 80 من الدستور.

وتنص القرارات، تولي سعيد رئاسة النيابة العمومية للوقوف على كل الملفات والجرائم التي ترتكب في حق تونس، وتولي السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة جديد ويعينه رئيس الجمهورية.

وأوضحت أن هذا الرئيس بغطرسة استبدادية، أعطى لنفسه في 25 يوليو/ تموز، من قصره في قرطاج، كامل الصلاحيات لإنقاذ الأمة من “خطر وشيك”، وبالتالي إعادة إطلاق ثورة خانها تعرضت من وجهة نظره للخيانة لمدة عشر سنوات.

وأشارت إلى أن قيس سعيد وقع، الأربعاء، 22 سبتمبر/ أيلول، مرسوماً رئاسياً يركز معظم السلطات الدستورية في يد رئيس الدولة بانتظار “الإصلاح السياسي” الذي سيطرحه على الاستفتاء، إنه كائن سياسي غريب، جديد، غير نمطي، يوضع بقلق في خانة “الألغاز” لعدم وجود مفهوم ملائم.

وأكدت اليومية الفرنسية أنه إذا كان من الأهمية بمكان إلقاء الضوء على “ظاهرة سعيد” هذه، فذلك لأن الرهان ليس سوى مستقبل التحول الديمقراطي التونسي، وهو نموذج أصبح في خطر بعد الاحتفاء به باعتباره نموذجًا نجاحًا في العالم العربي الإسلامي.

ونوهت بأن الليبراليين التونسيين أصبحوا لا يخفون قلقهم أمام الانحراف الاستبدادي – باسم “الشعب” – الذي يبدو أكثر وضوحًا كل يوم، فـ “قيس سعيد يعيد تثبيت الديكتاتورية” كما يقول المحامي عياض بن عاشور العميد السابق لكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية في تونس.

وبالتالي فإن هناك “غموض” لهذا الأستاذ الجامعي السابق خلال رئاسة بن علي (1987-2011)، الذي لم يثبت عنه أي احتجاج جريء، وظهر فجأة بعد الثورة وسقوط المستبد في 14 يناير/ كانون ثاني 2011.

“غموض” حول الرهانات تجاه رجل له أسلوبه الخاص في مخاطبة الجماهير، إذ يفضل الحديث باللغة العربية الفصحى (مفضلها على اللغة العامية التونسية)، ما جعل الطلاب يحتشدون في محاضراته عندما كان يعمل في الجامعة.

“غموض” هذا المرشح الرئاسي الوحيد في عام 2019، الذي انتصر على أخرين أثرياء، “غموض” هذا المختص في القانون الدستوري بإرساله، في 25 يوليو/ تموز الماضي، دبابة عسكرية لإغلاق البرلمان أثناء إعلان حالة الطوارئ، وتعليق عمل النواب ورفع الحصانة عنهم.

مفارقات ظاهرة

وتابعت “لوموند”: الغموض هو كره هذا الديمقراطي للأحزاب السياسية، الغموض هو إطاحته بحزب النهضة، الإسلامي السياسي في تونس والذي فقد منصبه في السلطة مع تعليق عمل البرلمان، في وقت كان يستشهد فيه الرئيس باستمرار إلى آيات من القرآن الكريم في حديثه، “الغموض” هو أن يغازل وريث “الربيع التونسي” مصر والمملكة العربية السعودية، عرابي الثورة العربية المضادة.

وذكرت أن هناك الكثير من الغموض والمفارقات الظاهرة، لذلك ماذا يمكن أن نطلق على قيس سعيد؟ عصر جديد للديمقراطية في الجنوب؟ ثورة شعبوية؟ عودة شخصية الرئيس؟ المنقذ السياسي؟ الدافع من أجل سيادة غير ليبرالية؟ مزيج من كل هذا؟

وبحسب صادق حمامي الأستاذ في معهد الصحافة وعلوم الإعلام ” إن قيس سعيد “في نموذج التجسد وليس في التمثيل وهنا تكمن المشكلة” فيما يعرب عياض بن عاشور عن قلقه قائلا “يظن أنه نبي. يعتبر نفسه موسى التونسيين”.

ووحول ردود الفعل عما يحدث في هذا البلد، أكدت الصحيفة أن الغرب يشعر بالقلق من هذا الخروج عن المسار الدستوري الذي يضعف “النموذج الديمقراطي” التونسي. أما المحور الإقليمي الذي شكلته مصر والإمارات والسعودية، المعادية لنفوذ الإخوان المسلمين، لم يخف ارتياحه للإطاحة بالنهضة.

في المقابل ترفع الجزائر مستوى يقظتها خوفا من أن تصبح جارتها مرتعا “للتدخل الأجنبي”، كما تراقب إيران وروسيا والصين عن كثب أيضًا ما يحدث، لكن أدوار كل منهم أكثر غموضًا.

فهل تونس، التي أصبحت على شفا الإفلاس المالي بموقعها استراتيجي على الطرف الغربي لليبيا، تجد نفسها مستغرقة في لعبة التأثيرات الإقليمية؟

وبينت أن القلق هو المسيطر على الأحداث، خاصة وأن قيس سعيد يرفض أي نقاش مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني مع تعزيز سلطته الشخصية.

فمن خلال مرسومه الصادر في 22 سبتمبر/ أيلول، والذي يمدد تعليق عمل البرلمان، يتحكم في طرق مراجعة الدستور على عكس الإجراءات القائمة.

كما أن رده على منتقديه أدى إلى المزيد من الاستقطاب من خلال شيطنة عدو الداخل، فعلى مدار الأسابيع الأخيرة استمر في الحديث حول “المؤامرات” المزعومة من “الخونة” إلى أن هناك “لصوص” يحتمون بلصوص” إضافة إلى سياسات “تجويع الشعب”.

وأكدت أن قسم من الرأي العام يشعر بالقلق، لكن مستوى شعبية الرئيس لا زالت مرتفعة، فهل قيس سعيد بالفعل لغز؟، محذرة في نهاية تقريرها من عاصفة بتونس.

للإطلاع على النص الأصلي اضغط هنا