بعد محاولات حثيثة من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتحسين سمعته السيئة خصوصًا لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي، تمكن أخيرًا الأمير المتهور من شراء نادي نيوكاسل يونايتد، لكرة القدم الذي ينافس في الدوري الإنجليزي الممتاز.

حيث أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، أن المجموعة الاستثمارية التي استحوذت على النادي، تضم كذلك شركة (بي.سي.بي كابيتال بارتنرز) و(آر.بي سبورتس آند ميديا). وبدوره، صرح ياسر الرميان محافظ الصندوق السيادي السعودي، قائلًا: “نسعد بالإعلان عن تملك نادي نيوكاسل ونشكر الجماهير على إخلاصهم لهذا الكيان العريق على مر السنين ونتطلع للعمل معهم لما فيه مصلحة النادي”.

كما أكدت رابطة الدوري الإنجليزي الخبر قائلة: “قامت رابطة الدوري الممتاز، نادي نيوكاسل لكرة القدم وشركة سانت جيمس القابضة تسوية النزاع حول انتقال ملكية النادي إلى تحالف شركات “بيف”، “بي سي بي كابيتال بارتنرز” و”ار بي سبورتس أند ميديا”.

وأضاف البيان أنه “بعد انتهاء رابطة الدوري الممتاز من اختبار المالكين والمديرين، تم بيع النادي الى التحالف بمفعول فوري”.

 

إهدار مبالغ باهظة لتحسين صورة النظام

وفي وقت يئن فيه الاقتصاد السعودي، جراء السياسات المتخبطة، والخسائر الفادحة التي ترتبت على انتشار فيروس كورونا، دفع ابن سلمان مبلغًا باهظًا لشراء نادي نيوكاسل يونايتد. فرغم أن ولي العهد السعودي أراد لتفاصيل هذه الصفقة أن تظل طي الكتمان، إلا أن تقارير صحفية كشفت الستار عن بنود الصفقة.

فقد تحدثت تقارير إعلامية أن قيمة الصفقة بلغت 305 ملايين جنيه إسترليني، أي ما يساوي 415 مليون دولار، من صندوق الاستثمارات العامة الذي تبلغ استثماراته 430 مليار دولار. وكان بمقدور النظام السعودي الاستبدادي أن يضع هذا المبلغ الضخم في مشروعات تحسن من معيشة المواطنين، الذين تسوء حالتهم الاقتصادية يومًا بعد يوم.

لكن من الواضح أن ولي العهد – الذي يسيطر على مفاصل الدولة السعودية وأصولها المالية – لديه أولويات أخرى غير مصلحة المواطن السعودي. فهو يفضل أن يغسل سمعته لدى البيت الأبيض، على أن يخفف على شعبه عبء متطلبات الحياة.

اعتراضات حقوقية واسعة على الصفقة

ويبدو أن الرأي العام العالمي يفطن لهدف ابن سلمان من شراء نادي نيوكاسل. فقد دعت منظمة العفو الدولية رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم إلى التركيز على قضايا حقوق الإنسان .

وقالت المنظمة في بيان لها: “بدلًا من السماح لأولئك المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان بدخول كرة القدم الإنكليزية لأنهم يمتلكون المال، فإننا نناشد رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز بتغيير سياسات ملاك ورؤساء الأندية لتتماشى مع حقوق الإنسان”.

وأشارت المنظمة في بيانها إلى أن عبارة “حقوق الإنسان” لا تندرج في هذه السياسات، رغم التزام كرة القدم الإنكليزية بمعايير الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، مشددة على أن “رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز بحاجة إلى فهم طريقة تحسين صورتها بشكل أفضل وتعديل سياسة ملاك الأندية”.

ومن جانبها، صرحت ساشا ديشموخ، الرئيسة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية ببريطانيا أنه “منذ بداية الحديث عن هذه الصفقة قلنا إنها تمثل محاولة واضحة من جانب السلطات السعودية لاستغلال الرياضة في تجميل سجلها المروع في حقوق الإنسان بسحر كرة القدم من الدرجة الأولى”.

خوف بريطاني من القرصنة السعودية

وكانت هناك تخوفات لدى الحكومة البريطانية من السجل السيء للنظام السعودي في السيطرة على المحتوى الرياضي في الشرق الأوسط. حيث كانت منظمة التجارة العالمية قد أصدرت منتصف شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي قرارًا يفصل في الشكوى التي رفعتها الدوحة في 2018، واتهمت فيها الرياض بحظر بث “شبكة بي إن سبورت” التابعة لها على أراضيها، ورفضها اتخاذ إجراءات فعالة ضد القرصنة على محتوى القناة القطرية من قبل قناة “بي آوت كيو”.

وقضت اللجنة حينها بأن عدم اتخاذ السعودية إجراء ضد “بي آوت كيو” هو خرق لقواعد المنظمة. وقد عبّر الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عن دعمه الكامل لتقرير منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بقضية “بي آوت كيو” .

وخلصت لجنة فض النزاع حينها إلى “أنّ السعودية انتهكت قانون منظمة التجارة العالمية، وعليها تصحيح تدابيرها حتى تصبح متوافقة مع التزاماتها لاتفاقيات المنظمة “.

هذه التصرفات السعودية المسيئة جعلت الحكومة البريطانية تتخوف من بيع نادي نيوكاسل يونايتد للنظام السعودي. ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن صندوق الاستثمارات العامة الذي سيقدم 80 في المئة من تمويل الصفقة سيعامل كجهة منفصلة عن الدولة السعودية بموجب اختبار الملكية وهو ما يعني أن الحكومة لم تمرر الصفقة، إلا بعد تأكدها من احترام النظام السعودي للقانون الإنجليزي رغمًا عنه.

 

الذباب الإلكتروني يغسل سمعة ابن سلمان

وكان من الواضح جدًا منذ اللحظة الأولى التي أُعلن فيها عن أن ملكية نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي أصبحت ترجع إلى نظام ابن سلمان، تحركت كتائب الذباب الإلكتروني، وعملت بشكل نشط للتأثير في شريحة الشباب.

فكما هو معلوم، فإن الشباب حول العالم يتابعون مباريات الدوري الإنجليزي الممتاز بشكل حثيث، ويتابعون أخبار لاعبي كرة القدم وأحوال الأندية ومالكيها. لذلك رأي ابن سلمان أن هذه ثغرة قد يصل من خلالها إلى عقول الشباب العربي، وأرسل كتائبه الإلكترونية لتملأ مواقع التواصل الاجتماعي بالترحيب بالصفقة.

ومن المتوقع أن يكثف ابن سلمان نشاطاته التي تحسن صورته لدى شباب الوطن العربي خلال الفترة القادمة، بعد أن شوهتها أفعاله المتهورة، وانتهاكاته المتعددة لحقوق الإنسان.

ويبقى السؤال الآن: إذا كان الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية والشعوب العربية تعلم هدف ابن سلمان من شراء النادي الإنجليزي، فهل ستنخدع أو تخدع له الحكومات الغربية وتفتح له أبوابها مرة أخرى بعد غسيل سمعته؟