العدسة_ بسام الظاهر

نحو 53 قتيلا سقطوا من قوات الأمن المصرية في الاشتباكات التي وقعت بين مسلحين “مجهولين” وأفراد مأمورية تابعة لوزارة الداخلية، في منطقة صحراوية على طريق الواحات.

اشتباكات بين الأمن المصري ومسلحين وسقوط قتلى أمر طبيعي، ولكن تفاصيل الواقعة برمتها تؤكد على جانب ليس خفيا على أحد وهو ضعف استعدادات قوات الأمن للتعامل مع المجموعات المسلحة.

الحادثة التي شهدت حالة من التعتيم والتجاهل الرسمي والإعلامي منذ بدايتها، ألقت الضوء على حجم “الكارثة” والخسائر التي شهدتها قوات الأمن حتى قبل الأخبار التي تحدثت عن ارتفاع أعداد القتلى.

التوظيف السياسي بالتأكيد كان حاضرا في حادث الواحات، وهو أمر اعتاد عليه النظام الحالي للتهرب من المسؤولية وإبعاد الأنظار عن الفشل في التعامل مع ملف المجموعات المسلحة.

الأمر أخذ حيزا آخر حينما تردد أن أحد الضباط في العمليات الخاصة كان مشاركا في عملية فض اعتصام رابعة العدوية.

ضباط قُتلوا في حادثة ” الواحات “

 

فض رابعة

بداية الأخبار التي تناقلت أعداد القتلى من قوات الأمن، ذكرت سقوط 10 ضباط برتب مختلفة كانوا مشاركين في مداهمة وكر إرهابي لعناصر مسلحة تتخذ من الظهير الصحراوي لمحافظة الجيزة وعلى طريق الواحات مركزا لها في التدريب والتخطيط لعمليات ضد قوات الأمن وأهداف حيوية.

لم يمر وقت طويل في ظل صمت وزارة الداخلية عن الإدلاء بأي معلومات حيال تفاصيل الواقعة إلا وتم الإعلان عن أسماء الضباط دون أن يكون ذلك من مصدر رسمي.

أسماء الضباط كشفت وجود بعضهم من جهاز الأمن الوطني والبعض الآخر تابع للعمليات الخاصة، ضمن مأمورية مشتركة لضبط المسلحين، بعد تلقي معلومات تفيد بتجمعهم في مكان استهدافهم.

أحد هذه الأسماء وهو أعلى رتبة في المأمورية هو العميد امتياز كامل، ضابط في العمليات الخاصة، وكان هو الشخص الأكثر إثارة للجدل بين القتلى من قوات الأمن.

وارتبط اسم كامل بعملية فض اعتصام رابعة العدوية التي نفذتها قوات الأمن ضد المعتصمين في الميدان من أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي في 2013، باعتباره كان مشاركا في عملية الفض.

هذا على الرغم أن اسمه لم يرد في قائمة نشرتها حسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للضباط المشاركين في عملية فض رابعة العدوية.

ولكن نشرت صحيفة “البوابة نيوز” المملوكة للنائب عبد الرحيم علي –القريب من الأجهزة الأمنية-، خبرا مفاده أن كامل يأتي ضمن الشهود في قضية فض رابعة، وكان مطلوبا للشهادة يوم الثلاثاء المقبل.

ولم يكن هذا الخبر فحسب، بل خرجت بعض الحسابات المؤيدية لمرسي، تتحدث عن مشاركة في عمليات الفض برابعة العدوية، وهو ما نفاه المحامي أحمد حلمي.

حلمي خرج عبر صفتحه على موقع “فيسبوك”، لينفي أن اسم امتياز كامل ضمن القضية تماما، ولا صحة للخبر.

وقال: “لا يوجد في شهود إثبات قضية فض رابعة من يدعى العميد امتياز كامل ولم يكن من شهود الجلسة القادمة لأنه مش في الشهود أصلا”.

وأضاف: “معلومة أنه مشارك في الفض غير معلوم مصدرها، وطبيعي أن القوات الخاصة كلها مشاركة إنما تأكيد على شخص بعينه لا مصادر على صحة هذا الخبر”.

ضربة للأمن الوطني

وبعيدا عن العميد امتياز كامل وعلاقته بفض رابعة، إلا أن قائمة أسماء الضباط شملت عددا كبيرا من جهاز الأمن الوطني.

وبحسب ما هو متداول في أوساط المحامين فإن ضباط الأمن الوطني يكونوا على رأس المأموريات الخاصة بضبط العناصر المسلحة أو المطلوبين على ذمة قضايا سياسية، والتي تتألف من ضباط العمليات الخاصة في الحالة الأولى، أو ضباط مباحث قسم معين في الحالة الثانية.

وعلى الرغم من أن جهاز الأمن الوطني وفقا لتشكيله الجديد عقب ثورة 25 يناير لا يتعدى دوره كونه جهازا لجمع المعلومات والاستشارة فقط، ولكن منذ 3 يوليو 2013 وتطلع الجهاز بدور علني يتعلق بملاحقة المعارضين للنظام الحالي.

وجاءت بعض أسماء ضباط الأمن الوطني الذين قتلوا كالتالي: “أحمد فايز، ومحمد وحيد، ومحمد عبد الفتاح، وأحمد جاد، وكريم فرحات”.

وبحسب محامين فإن هؤلاء الضباط هم على رأس فرع جهاز الأمن الوطني في محافظة الجيزة، وبالتالي فإن مقتلهم يعتبر “كارثة حقيقية” لوزارة الداخلية.

المحامي أحمد حلمي قال: “إن المحامين اللي بيشتغلوا في قضايا الإرهاب عارفين الأسماء دي كويس .. أسماء تقايل بمعنى كلمة تقايل .. منهم ضابط يعتبر هو اللي عامل 50 % من قضايا الجيرة اللي أنا شغال فيها، ضابط يعتبر نشيط جدا في أمن وطني الجيزة ومن أعمدة قضايا الإرهاب خبرته في الجهاز 15 سنة”. –في إشارة إلى أحمد فايز-.

وأضاف: “الضربة بالشكل ده وبالطريقة دي وبالأسماء دي ضربة قوية جدا للداخلية لا تستهين بالحدث الأسماء دى تقيلة جدا ما ينفعش تروح كده”، معترضا على فكرة أن النظام الحالي ضحى بأفراد المأمورية لخدمة أهداف سياسية  خاصة.

حركة “حسم”

 

توريط الإخوان

التوظيف السياسي لمثل هذه الكوارث الأمنية التي تعيب الأجهزة الأمنية أكثر ما تشير إلى براعة المسلحين، لا يتوقف مطلقا بمحاولة زج جماعة الإخوان المسلمين ومؤيدي مرسي في الحادث.

بداية الزج بجماعة الإخوان المسلمين في الحادث مر بعدة مراحل تمهيدا لشن حملة ممنهجة للهجوم والحديث عن تورط الجماعة وأنصارها.

خبر مشاركة العميد امتياز كامل في فض اعتصام رابعة كان أول تحرك للربط بين الحادث والجماعة، إذ إنه يعطي رسالة واضحة بأن العملية انتقامية في الأساس من هذا الرجل وبالتأكيد باقي أفراد مأمورية الداخلية.

وعلى الرغم من عدم إشارة الخبر المشار إليه سلفا إلى تورط الإخوان إلا أنه أعطى غطاء مبكرا لبدء هذه الحملة لتبدأ هذه النغمة في التسلل إلى الإعلام المصري، حتى قبل انتهاء الاشتباكات ومعرفة تفاصيل الواقعة.

أما المرحلة الثانية، نشر بعض الصفحات والحسابات ربما المحسوبة على اللجان الإليكترونية التابعة للنظام الحالي، أن منفذ هذا الهجوم هو حركة “حسم” –التي تصنف على تبعيتها لجماعة الإخوان-.

وعلى الرغم من عدم صدور بيانات عن الحركة لتؤكد صلتها بالاشتباكات، أي أن هذا البيان المنشور “مزور” وليس صحيحا بغرض إلصاق الاتهامات بجماعة الإخوان.

أما المرحلة التي سار عليها الإعلام المصري بشكل كبير هى الحديث عن “شماتة” الإخوان في القتلى، هذا فقط لمجرد الحديث عن وجود فشل عمليات الأمن المصري والتضحية بالجنود.

وتخرج بعدها اتهامات للإخوان بدعم الإرهاب الذي يحاول هدم الدولة المصرية.

الاستغلال السياسي لن يتوقف بالتأكيد على توريط جماعة الإخوان، ولكن أيضا متوقع ألا تتوقف الآلة الإعلامية الموالية لنظام السيسي، للتأكيد على ضرورة استمراره في الحكم لحماية مصر من الإرهاب.

” السيسي ” و ” مجدي عبد الغفار “

كمين محكم

تفاصيل الواقعة تشير إلى ربما نصب مجموعة مسلحة لكمين محكم لقوات الشرطة في تلك المنطقة التي تشير المعلومات إلى أنها كانت في الكيلو 135 في طريق الواحات.

ويدعم هذا السيناريو أن أغلب أفراد المأمورية الأمنية قتلت بعدد يبلغ إلى 53 من رجال الشرطة، ولم ينج من الاستهداف سوى ضباط وأربعة مجنديين، بحسب بعض المعلومات المتداولة.

ضبابية المشهد هي التي تسيطر على الحادث منذ بداية الاشتباكات، خاصة مع عدم إصدار أي بيانات رسمية من وزارة الداخلية تشير إلى أعداد القتلى أوتفاصيل ما حدث على طريق الواحات، باستثناء بيان واحد فقط بعد بضع ساعات من انتشار الأخبار.

هذا السيناريو ليس جديدا على المشهد المصري، إذ نفذت مجموعة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” كمينا بإحدى الشقق السكنية في حي الهرم في 2016، حينما تم تفخيخ الشقة.

الحادث يكشف حجم الفشل الذي تواجهه الأجهزة الأمنية، إذ بدا أن هناك معلومات وصلت إلى وزارة الداخلية بتواجد مجموعة مسلحة في الكيلو 135 وتم تشكيل مأمورية والتوجه إلى المكان.

ولا يبدو من عدد القتلى الكبير في صفوف قوات الأمن، أن جهاز الأمن الوطني أجرى تحريات دقيقة حول عدد المجموعة المسلحة وتسليحها أو القيام بعمليات استطلاع مسبقة.

الغريب هو أن الحادث قريب من محافظة الجيزة وليس باتجاه الواحات البحرية، بحسب وائل عابد، يبدو أنه أحد العاملين في مجال السياحة ويعرف طريق الواحات جيدا.

وقال عابد: “الحادث كان على بعد ١٠٠ كيلو تقريبا من مدينة الإنتاج الإعلامي ودريم لاند في ٦ أكتوبر وليس أبعد من ذلك”.

وأوضح تضاريس المنطقة التي شهدت الاشتباكات، وقال: “على إيدك الشمال نحو الجنوب مدق ودرب جمال قديم كنا بنمشي عليه زمان، المدق ده بيعبر منه خط السكة الحديد و يتوغل في منطقة بها جبال سوداء صغيرة يسهل الاختباء فيها أو عمل مخزن و نقطة تمركز”.

وأضاف عابد: “فيه مسلك يتجه جنوبا تنزل منه من المنطقة الجبلية إلى أرض مفتوحة عبر نقب رملي ضيق يسهل إغلاقه والسيطره عليه، حين يصل الدرب إلى الأرض المنبسطة يتشعب إلى عدة تفريعات نحو الغرب باتجاه الواحات البحرية يعبر المدق منطقة “مدور البغال” إلى مكان “حادث المكسيكيين” وده على بعد ساعة و نص أو ساعتين”.

وتابع: “ونحو الشرق عبر مضرب العفاريت و مرورا أسفل جبل قطراني إلي الفيوم علي بعد نص ساعة، وإلى الجنوب إلي وادي الحيتان عبر “جارة جهنم” على بعد ربع ساعة؛ ونحو الجنوب الشرقي عبورا بمنطقة قصور العرب و الجارات الزرق إلى وادي الريان وبني سويف على بعد نص ساعة وساعة على التوالي، أما جهة الشمال (يمين الأسفلت) فالأرض مفتوحة ولا مكان للاختباء ولكن الأرض منبسطة وتقدر تجري فيها حتى تصل الساحل الشمالي عند مريوط و العلمين في ساعتين ساعتين و نص”.

كمين “الواحات”

 

من المنفذ؟

تفاصيل الواقعة تشير بالتأكيد إلى أن المجموعة المسلحة التي نفذت الاشتباك تتمتع بقدر كبير من الاحترافية والتدريب الكبير في التعامل خلال الاشتباكات المباشرة.

ولا تتوفر هذه الخصائص والقدرات لدى جماعات العنف الناشئة التي تقوم بتنفيذ عمليات بسيطة مثل الهجوم على كمين أمني صغير أو زرع العبوات الناسفة أوعمليات اغتيال قيادات شرطية.

طريقة العملية والخسائر تشير إلى أن الهجوم لن يخرج عن مجموعتين هما أولا مجموعة تنظيم “الدولة الإسلامية” خارج القاهرة، أو جماعة المرابطون وزعيمها ضابط الصاعقة السابق هشام عشماوي، خاصة مع عدم إعلان جهة مسؤوليتها عن الحادث.

المجموعة الأولى سبق ونفذت عدة عمليات ناجحة وخطيرة في مصر وكان تأثيرها كبيرا منذ استهداف كنيسة مار جرجس العام الماضي وتوالت العمليات وآخرها الهجوم على حافلة المسيحيين في المنيا شهر أبريل الماضي.

وتتمتع هذه المجموعة بقدرات كبيرة على تنفيذ العمليات بدقة في التخطيط والاحترافية، ولكن لم يسبق لها أن نفذت عمليات بهذا الحجم، وهذا إن صح فإنه يشير إلى تطور قدراتها بشكل كبير.

أما الثانية “المرابطون” أسسها عشماوي بعد الانفصال عن جماعة أنصار بيت المقدس عقب مبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية” في 2014، وتشير بعض التوقعات أنه ينشط بشكل كبير في المنطقة الغربية على الحدود مع ليبيا بزعم أنه يقيم في ليبيا بالأساس، من دون وجود معلومات مؤكدة على هذه الرواية.

المرابطون ترتبط بشكل أساسي بتنظيم “القاعدة” فكريا، وبالتالي على الرغم من عدم تنفيذها أي عمليات داخل مصر منذ إعلان تأسيسها إلا أن الارتباطات مع “القاعدة” تؤهلها للقيام بمثل هذه العمليات التي تحتاج كفاءات قتالية كبيرة.