العدسة_ منذر العلي
استحوذت قضية الذكاء الاصطناعي مؤخرًا على اهتمام واسع، بعد الجدل الذي أثارته داخل عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.
الشركة اضطرت إلى إغلاق برنامج للذكاء الاصطناعي بعد أن طور من لغته، واكتُشف أن روبوتان قد وجدا طريقة للتفاوض مع بعضهما البعض، وما زال الباحثون يحاولون معرفة ما كان يتحدث عنه الروبوتان.
لكن في الطريقة التي تناقشا بها كانا يستخدمان كلمات إنجليزية تقلصت إلى بنية من الكلمات الأكثر منطقية، والتي كانت ملائمة للحواسيب أكثر منها للمراقبين البشريين.
وازدادت مخاوف العالم من التطور المذهل للروبوتات وتهديدها للجنس البشري وسيطرتها عليه، فيما قلل كثيرون من تلك المخاوف.
ارتدادات القضية عربيًا، تمثلت في تعيين وزير جديد للذكاء الاصطناعي بالإمارات، في التعديل الوزاري المعلن الخميس 19 أكتوبر الجاري.
الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كشف عن تعيين وزير دولة للذكاء الاصطناعي، وهو “عمر بن سلطان العلماء” البالغ من العمر 27 عامًا، وقال: “الموجة العالمية القادمة هي الذكاء الاصطناعي، ونريد أن نكون الدولة الأكثر استعدادًا لها”.
الروبوتين “أليس” و “بوب”
ماذا قال الروبوتان؟
تقارير إعلامية نقلت أجزاءً من الحوار الذي دار بين روبوتين تابعين لشركة فيسبوك، وبدا الحوار، للوهلة الأولى، يتسم بالحماقة وذلك على النحو التالي:
بوب (روبوت): “أستطيع أستطيع أنا أنا أي شيء آخر”.
أليس (روبوت): “الكرات لديها صفر لي لي لي لي لي لي”.
وعلى الرغم من أنها تبدو بدائية وتافهة نوعًا ما في مجملها، فإن ذلك لا يختلف كثيرًا عن الطريقة التي تطورت بها اللغة الإنجليزية من خلال الاستخدام البشري، مثل: كيف أصبحت أشكال وسائل التواصل الإلكتروني القصيرة مثل الرسائل النصية وتغريدات تويتر وكيف أدت إلى الاختصار والقضاء على المقالات.
وعلى الرغم من أن بعض التقارير سلطت الضوء على أن أجهزة الروبوت اخترعت في تلك اللحظة لغة جديدة لمراوغة سيطرة الإنسان، كان أفضل تفسير للقضية هو أن الشبكات العصبية عدلت ببساطة لغة الإنسان بهدف التفاعل بطريقة أفضل كفاءة.
وقال موقع “غيزمودو” لأخبار التكنولوجيا “في سعيها للتعلم من بعضهما، بدأت أجهزة الروبوت تبادل الدردشة بطريقة الاختزال الاشتقاقي”.
وليس بالجديد أن تعيد أنظمة الذكاء الصناعي صياغة اللغة الإنجليزية كما نعرفها بهدف تقديم أداء أفضل في إطار مهمة رقمية، حيث نشرت شركة “جوجل” تقريرًا أشار إلى أن تطبيقها للترجمة فعل ذلك خلال مراحل التطوير.
حرب ذكية
في أغسطس الماضي، تناولت مجلة “ذي ناشونال إنترست” دور الذكاء الاصطناعي في حروب المستقبل، وقالت إن هذه المسألة أصبحت أكثر وضوحا وإثارة من أي وقت مضى.
وأضافت أن التقدم السريع في مجال السيارات التي تعمل بدون سائق في الاقتصاد المدني ساعدنا جميعا على رؤية ما قد يصبح ممكنا في هذا المجال، وأن هذه الأشياء لم تعد مجرد مصطلحات من أفلام الخيال العلمي الغريبة والمسلية.
وقالت المجلة إنه ينصح بجعل الذكاء الاصطناعي مادة تدرس كجزء أساسي في المناهج المدرسية، وإن علماء الأخلاق وغيرهم بحاجة إلى مناقشة إيجابيات وسلبيات الاختراعات الافتراضية المختلفة قبل أن تصبح حقيقية.
وأشارت إلى أن المؤسسات العسكرية بحاجة إلى تطوير إستراتيجيات الابتكار التي تتصارع في هذا الموضوع، ولكننا لسنا بحاجة إلى إيقاف عجلة التقدم في هذا المجال.
وأضافت أن مجال الذكاء الاصطناعي ليس جديدا تماما، فهناك المركبات التي يتم قيادتها عن بعد، ولكن الإنسان يتدخل في توجيهها. وأما صواريخ كروز فإنها تطير إلى هدفها وتقوم بتفجير الرؤوس الحربية التي تحملها بشكل أوتوماتيكي.
وقالت المجلة إن الرؤوس الحربية النووية المحملة على الصواريخ البالستية العابرة للقارات ستعمل بنفس الطريقة في حال إطلاقها في الحروب، وذكرت أن هناك أنظمة شبه مستقلة مستخدمة بالفعل في ساحة المعركة، وأنها قادرة على البحث عن أهدافها وتتبعها والاشتباك معها وتعطيل أدائها، وذلك وفقا للوصف الذي تقدمه وزارة الدفاع الأمريكية.
واستطردت المجلة: ولكن ما هو قادم يتمثل في تقنيات يمكنها أن تتعلم وهي تقوم بوظيفتها، وليس مجرد اتباعها خططا مسبقة تم إعدادها أو خوارزميات مفصلة للكشف عن الأهداف.
“بيل جيتس” و “مارك زوكربيرج”
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
يُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، كما أنه اسم لحقل أكاديمي يعنى بكيفية صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك ذكي.
ويعرف كبار الباحثين الذكاء الاصطناعي بأنه “دراسة وتصميم أنظمة ذكية تستوعب بيئتها وتتخذ إجراءات تزيد من فرص نجاحها”، في حين يعرفه جون مكارثي -الذي وضع هذا المصطلح سنة 1955- بأنه “علم وهندسة صنع آلات ذكية”.
وخلال السنوات الأخيرة، قفز التطور في تقنية الذكاء الاصطناعي قفزات كبيرة، وتعد تقنية “التعلم العميق” أبرز مظاهره، وهي ترتكز على تطوير شبكات عصبية صناعية تحاكي في طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، أي أنها قادرة على التجريب والتعلم وتطوير نفسها ذاتيًا دون تدخل الإنسان.
وأثبتت تقنية “التعلم العميق” قدرتها على التعرف على الصور وفهم الكلام والترجمة من لغة إلى أخرى، وغير ذلك من القدرات التي أغرت الشركات الأميركية في وادي السليكون، وتحديدا فيسبوك وغوغل، على الاستثمار وتكثيف الأبحاث فيها، متجاهلين تحذيرات من أن تطور الذكاء الاصطناعي قد يهدد البشرية.
هل يهدد “الروبوت” “الإنسان” ؟
مخاوف مشروعة
وربما كان سبب الاهتمام بالقضية نشوب جدل بين المدير التنفيذي لفيسبوك، مارك زوكربيرغ، ورائد أعمال التكنولوجيا، إيلون موسك، عن المخاطر المحتملة للذكاء الصناعي.
حيث وصف “موسك” الذكاء الاصطناعي بأنه “من أعظم المخاطر التي تهدد الوجود البشري، كما شبه تطوير الآلات الذكية “باستحضار الشيطان”.
ويستثمر موسك (مؤسس مشروع صواريخ الفضاء التجارية سبيس إكس، وسيارات تسلا الكهربائية) وغيره ملايين الدولارات في أبحاث لاكتشاف المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي وكيفية التعامل معها.
كذلك فإن عالم الفيزياء الشهير “ستيفن هوكينج” أشار إلى أن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفناء الجنس البشري، محذرًا من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتيًا.
كما أعلن المؤسس والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت “بيل جيتس” عن رغبته في بقاء الروبوتات “غبية” إلى حد ما، وقال: “أنا في معسكر من يشعر بالقلق إزاء الذكاء الخارق”.
وفي أرض الواقع، يحتل الذكاء الصناعي مساحة كبيرة في مجال البحث العلمي حاليا، كما أن تصميم الأنظمة وتجربتها في تعقيد مستمر.
الجدل الدائر جعل الذكاء الصناعي في أنظمة مثل الأسلحة الآلية يتسم بالخطورة، كما جعل مجال دراسة أخلاقيات استخدام الذكاء الصناعي مجالا متطورا بسرعة، نظرا لكونها بالطبع تكنولوجيا تمس حياتنا بطريقة مباشرة في المستقبل.
طائرة بدون طيار
وصفة سحرية خارقة!
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تتسبب في أي مخاطر على الجنس البشري، ومن هؤلاء أستاذ علم الحاسوب بجامعة مونتريال الكندي “يوشوا بينجيو”، الذي يرى أنه لا ينبغي القلق من التقنيات الذكية، فهي تحتاج لسنوات كثيرة من التطور البطيء والتدريجي قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه المحللون، لأنها تستند في تطورها إلى علوم وأفكار ما تزال في بداياتها الأولى حاليا.
ويؤكد أن الوصول إلى الذكاء الاصطناعي بشكله المنتظر لن يكون مفاجئا، أي ليس كما يشبهه البعض باكتشاف “وصفة سحرية خارقة”، فما زال إنتاج أنظمة الذكاء الاصطناعي المتكاملة بحاجة إلى تطور علوم حالية وابتكار علوم جديدة، أي -بتعبير آخر- لن يخرج أحد العلماء بتقنية ذكية من شأنها تغيير العالم بين ليلة وضحاها، كما في أفلام الخيال العلمي.
انقراض الهواتف الذكية
وتعدّ شركتا جوجل وفيسبوك رائدتين في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فهذه التقنية تساعد جوجل على تطوير خدماتها بشكل كبير، فمثلًا -وبفضل هذه التقنية- يمكن لهاتف أندرويد فهم أوامر مستخدمه، والترجمة الفورية للعبارات المكتوبة بلغة أجنبية على اللافتات في الطرقات، كما تسهم التقنية في دعم محرك البحث جوجل، أبرز منتجات الشركة.
أما بالنسبة لفيسبوك، فيسمح التعلم العميق للشبكة الاجتماعية بالتعرف على الوجوه في الصور، واختيار المحتوى المناسب وعرضه للمستخدم على صفحة آخر الأخبار، ودعم المساعد الشخصي الرقمي التابع لفيسبوك (إم)، وغير ذلك من الوظائف.
المدير العام لجوجل “سوندار بيشاي” يرى أن عصر الهواتف الذكية اقترب من نهايته ليُستبدل بالذكاء الاصطناعي الذي يتيح الوصول الفوري إلى المعلومات الضرورية، كما يرى مؤسس فيسبوك ورئيسها التنفيذي “مارك زوكربيرج” أن الأجهزة ذات الذكاء الاصطناعي “ستستطيع يوما ما أن تتمتع بالحواس الإنسانية مثل الرؤية والشعور أكثر من البشر أنفسهم”.
اضف تعليقا