قطع المواطن البريطاني، مارتن لونيرجان، أكثر من ألفي كيلومتر عبر معظم جنوب الولايات المتحدة، متحديًا رياح الأعاصير القوية، ولسعات الثعبان السامة، كما أنه عانى من العمى المؤقت.

ومع ذلك، لا شيء يقارن في رحلته الشاقة -التي استمرت شهرين من هيوستن، تكساس إلى واشنطن- مقارنة بفترة التسعة أشهر التي قضاها في سجن العوير في الإمارات العربية المتحدة.

حيث قال لونيرغان: “لقد كان جسديًا وعقليًا من أصعب الأشياء التي اضطررت إلى القيام بها. لقد كنت على الطريق لمدة شهرين وقمت بقطع حوالي 1600 إلى 1700 ميل”.

والآن، ومع وصول لونيرجان إلى وجهته النهائية في واشنطن، يأمل أن تؤدي مسيرته إلى زيادة الوعي الذي تشتد الحاجة إليه حول قضية زاك شاهين، رجل الأعمال الأمريكي الذي يقضي حاليًا عقوبة بالسجن لمدة 53 عامًا في الإمارات العربية المتحدة.

وسيتوجه هذا الأسبوع إلى واشنطن لتقديم طلبات تدعو وزارة الخزانة الأمريكية إلى إصدار عقوبات ماغنتسكي العالمية على المسؤولين الإماراتيين المسؤولين عن سجن ومعاملة شاهين ورجلين آخرين.

وقال لونيرغان: “لقد وعدت هؤلاء أنني سأفعل كل ما بوسعي لمحاولة كشف الظلم الذي يعاني منه الرجال والظروف المروعة التي يعيشون فيها”.

 

ظروف السجون في الإمارات

جاءت فكرة الرحلة من محادثة بين لونيرجان وشاهين في وقت سابق من هذا العام، كما قال الناشط لموقع Middle East Eye البريطاني.

وفقًا للونيرجان، حذر شاهين من أنه سيبدأ إضرابه الثاني عن الطعام، وكان أول إضراب له في عام 2012.

قال لونيرغان إنه عرض عليه بديلاً، حيث قال له: “ماذا لو مشيت من هيوستن إلى واشنطن وقدمت طلب عقوبات ماغنتسكي؟ هل ستنهي الإضراب عن الطعام بعد ذلك؟”.

وأتبع: “لذلك أخبرني أنه إذا كان بإمكاني السير من هيوستن إلى واشنطن، وهو ما قال إنه مستحيل، ولا يمكنني تحمل ذلك، فإنه سيعلق الإضراب عن الطعام ويسمح لي بتسليم طلبات ماغنتسكي”.

وصادق لونيرجان شاهين في السجن بعد اعتقال رجل الأعمال البريطاني -الذي قضى سنوات في دبي- في عام 2020 واتهامه بارتكاب جرائم مالية. ويقضي زاك شاهين حاليًا عقوبة بالسجن لمدة 53 عامًا في أحد سجون دبي.

وأردف: “لقد عشت حياة رائعة في دبي، إنه مكان رائع للعيش فيه. ولكن إذا وقعت في هذه الحفرة، وانتهى بك الأمر إلى خلاف مع شخص ذي نفوذ وسلطة، أو حتى كان لديه بعض الأصدقاء ذوي النفوذ، ف”ستكون حينها في ورطة “.

انتهى الأمر بلونيرجان بقضاء تسعة أشهر في سجن العوير في دبي، حيث التقى شاهين وتشارلز ريدلي وريان كورنيليوس -ثلاثة رجال أعمال آخرين حُكم عليهم بالسجن لعقود طويلة.

ويقضي شاهين، وهو رجل أعمال أمريكي ومدير تنفيذي لشركة PepsiCo، حاليًا حُكمًا بالسجن لمدة 53 عامًا في سجن دبي بسبب اتهامات وجهت إليه من قبل حكام دبي، وهو ما تقول عنه الجماعات الحقوقية أنها اتهامات ملفقة وكاذبة من قبل المسؤولين الإماراتيين.

جدير بالذكر أن شاهين يقضي أطول عقوبة بحق أي أمريكي في بلد أجنبي بتهمة ارتكاب جرائم ذوي الياقات البيضاء وتعرض لمعاملة غير إنسانية، وفقًا لما ذكرته منظمة Detained International.

من جهة أخرى، أبدت مجموعات حقوقية وخبراء في الأمم المتحدة مخاوف بشأن سجن الإمارات للعاملين في مجال حقوق الإنسان وكذلك بشأن ظروف السجن التي يواجهها بعض السجناء -بمن فيهم أحمد منصور، وهو مهندس إماراتي يبلغ من العمر 51 عامًا، وشاعر وأب لأربعة أطفال، ومعتقل منذ 2017. وأدين في 2018 بتهمة إهانة “مكانة وقيمة الإمارات ورموزها”، بما في ذلك قادتها.

خلص تقرير مدين نشرته هيومن رايتس ووتش في يناير/ كانون الثاني إلى أن منصور قضى السنوات الأربع الماضية بمفرده في زنزانة تبلغ مساحتها مترين في مترين.

كما ورد أن السجناء في الإمارات العربية المتحدة تعرضوا لانتهاكات عديدة أخرى، بما في ذلك منعهم من الأدوية والضرب والحرمان من النوم، وفقًا للمركز الإماراتي لحقوق الإنسان.

في العام الماضي، دعا عضو الكونجرس الأمريكي جيم ماكجفرن، الرئيس المشارك للجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان، إلى إطلاق سراح عبد السلام محمد درويش المرزوقي، سجين الرأي الإماراتي، الذي تم اعتقاله وسجنه خلال فترة “الإمارات 94” سيئة السمعة في البلاد.

 وعند إطلاق سراحه، سافر لونيرجان إلى هيوستن، مسقط رأس شاهين. وبعد قضاء بعض الوقت مع أسرته، انطلق في رحلة طولها 1700 ميل تقريبًا للدعوة إلى إطلاق سراحه.

لقد حدد وتيرة المشي لمسافة لا تقل عن 25 ميلاً (حوالي 40 كم) كل يوم، أي ما يقرب من طول الماراثون، وتوقف في ما يقرب من اثنتي عشرة مدينة. أمضى الليالي إما في الموتيلات أو في خيمة في الشارع.  بسبب الغبار الشديد الذي وصل إلى عينيه، فقد بصره مؤقتًا، ولكن بفضل بعض الراحة أثناء توقفه في ريتشموند، فيرجينيا، كان ممتنًا لتمكنه من الرؤية مرة أخرى.

عندما كان يسير في لويزيانا، ضرب إعصار المنطقة، مما أجبره على النوم في مخزن سيارات مهجور، لأن الأمطار والرياح كانت غزيرة جدًا بحيث لا يمكن إقامة خيمته. ووصف تلك الليالي بـأنها “مدمرة للروح”.

قال لونيرغان: “أنا مندهش من شعوري بالوحدة التي كنت عليها أثناء الرحلة الطويلة. أنت في بلد ضخم، تجوب البلدات، لقد مر من جانبي آلاف وآلاف من السيارات الأمريكية، لكنه أكثر شيء وحيد قمت به على الإطلاق. لقد شعرت بالوحدة أكثر مما كنت عليه عندما كنت في العوير”.

يأمل لونيرغان في استخدام قانون Magnitsky Global Human Rights Accountability Act، وهو قانون أمريكي صدر في عام 2012 يسمح للرئيس بالتحقيق وفرض عقوبات على انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء.

سُمي التشريع على اسم سيرجي ماغنيتسكي، المحامي الروسي الذي توفي في حجز الشرطة في موسكو عام 2009 بعد أن ضغط لفضح المعاملات الضريبية الفاسدة. ويعد قانون Magnitsky ثمرة من نتاج جهود الضغط التي بذلها عميل المحامي الروسي، بيل براودر، وهو رجل أعمال أمريكي.

ووفقًا لقانون Magnitsky، فإن الطلب الذي قدمه لونيرغان من الممكن أن يجعل الولايات المتحدة تضيف عددًا من المسؤولين الإماراتيين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان إلى القائمة السوداء.

والآن، ومع وصوله إلى نهاية مسيرته، يقول ديفيد هاي، مؤسس شركة Detained International ومحامي حقوق الإنسان الذي يعمل مع لونيرغان، إن حملة تحرير شاهين يمكن أن تسير على قدم وساق.

وقال هاي، الذي يعمل أيضًا كمستشار قانوني لأميرة دبي لطيفة بنت محمد آل مكتوم: “لقد جعل مارتن صديقه فخوراً به”.

وأضاف: “مع اقتراب هذه الرحلة العملاقة من نهايتها، فإننا نضع اللمسات الأخيرة على طلبنا، بمساعدة بيل براودر بموجب تشريع ماغنيتسكي، لفرض عقوبات أمريكية على العديد من الأشخاص السيئين في نظام دبي، وعلى رأسهم الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بسبب انتهاكاتهم الجسيمة لحقوق الإنسان الأساسي.

وأتبع: “سيتطلب الأمر ضغوطا إعلامية عالمية على دبي وعلى السياسيين والمشرعين الأمريكيين للمطالبة بالإفراج الفوري عن زاك. وسوف ندعوهم لفعل ذلك بشكل فعال”.