قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن بيع معدات للجيش المصري يقف وراء غض باريس الطرف عن القمع السياسي الذي تشهده القاهرة.

وأضافت في تقرير لها حمل توقيع الكاتبة هيلين سالون: خلال زيارته الرسمية الأولى لفرنسا في نوفمبر/ تشرين ثاني 2014، بعد ستة أشهر من انتخابه، استقبل الرئيس السابق فرانسوا أولاند الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبطريقة نادرة استقبله وزير الدفاع آنذاك جان أيف لودريان في فندق دي برين بالدائرة السابعة في باريس.

 

وأوضحت أن العلاقات بين الرئيسين كانت وثيقة بالفعل، فالرئيس السيسي أعرب عن نيته شراء 24 طائرة رافال – وهي أول عملية بيع تصديرية تتحقق للمقاتلة التي تصنعها شركة داسو. 

 

وأشارت إلى أنه في أغسطس/ آب 2015، حلقت طائرات رافال فوق قناة السويس، وسط تصفيق من الرئيسين السيسي وأولاند، اللذين كانا يتفاوضان بالفعل على عقد جديد: بيع حاملتي هليكوبتر من طراز ميسترال.

ونوهت الكاتبة إلى أن حاملتي الطائرات كانت تمت صناعتهما لتسليمهما إلى روسيا التي وقعت في عام 2008 اتفاقية لإنشائهما مع فرنسا.

إلا أن فرنسا فسخت الاتفاقية لأسباب سياسية بعدما انضمت إلى حظر تجاري أمريكي ضد روسيا عقب تفجّر أزمة أوكرانيا، وفي عام 2015 اتفقت مصر على شراء هاتين السفينتين.

وذكرت أن العلاقات بين فرنسا ومصر تعززت في رئاسة السيسي، إذ أصبحت القاهرة بالفعل شريكًا تجاريًا رائدًا لباريس، وبدعم مالي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، باتت أحد العملاء الرئيسيين لصناعة الأسلحة الفرنسية.

وأكدت أن أحدث تقرير من الجمعة الوطنية “البرلمان” بشأن صادرات المواد الحربية وضع مصر في المرتبة الثالثة بمبيعات تقدر قيمتها بأكثر من 6.6 مليار يورو خلال الفترة 2011-2020. 

ويشير دينيس بوشار، الخبير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إلى أن “فرنسا استفادت من العلاقات المتوترة بين السيسي مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ثم البطيئة نوعما ما مع خلفه دونالد ترامب، لذلك أراد الرئيس المصري تنويع محاوريه، كما هو الحال مع الصين وروسيا”.

قلق مشترك

وبتشجيع من الرياض وأبوظبي، البلدان الداعمان للحركة المضادة للربيع العربي، احتضنت باريس الرئيس السيسي، الذي قدم نفسه بعد ذلك على أنه “حصن ضد الإرهاب”، في وقت اعلن فيه تنظيم “داعش” قيام ما أسماه “دولة الخلافة” في العراق وسوريا، وجذب الآلاف من المتطرفين الأجانب وتشجعهم على شن هجمات في أوروبا. 

 

وبينت أن مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية أصبحت منذ ذلك الحين في قلب الشراكة الاستراتيجية الثنائية بين القاهرة وباريس، مع الاهتمام الثنائي حول زعزعة الاستقرار في ليبيا. 

وأضاف دينيس بوشار “مصر، البلد الأكثر اكتظاظًا بالسكان ومركز الثقل في الشرق الأوسط، ظلت واحدة من شركائنا الرئيسيين. ففرنسا تعتبر في ظل الفوضى التي تعم المنطقة أن مصر تنتهج سياسة خارجية تتجه نحو الاستقرار”.

 

وبحسب “لوموند”، بالنسبة إلى كل من الرئيس أولاند وخليفته إيمانويل ماكرون، فلم “يرغبا في انتقاد الرئيس السيسي حول القمع الواسع الذي تم جرى تحت ستار مكافحة الإرهاب. كالاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري والمحاكمات الجماعية”.

وقالت إن ” منظمات حقوق الإنسان تواصل التنديد بالاختناق الممنهج للأصوات الناقدة للنظام سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين معارضين ويساريين”، مبينة أن النتائج التي توصلوا إليها أدت فقط إلى عدد قليل من التصريحات في العلن من قبل أولاند وماكرون، يقابلها مفاوضات في السر حول مبيعات الأسلحة.

ووفقا لدينيس بوشار فإن فرنسا متهمة قليلا بشأن مجال حقوق الإنسان، وكان هذا الموقف عامًا وثابتًا منذ عهد الرئيس جاك شيراك.

ولأن الجيش المنتشر في كل مكان في مفاصل الدولة المصرية، لا يروق له هذا النوع من التعليقات، مهما كانت حذرة، وقد دفع إيمانويل ماكرون الثمن بعد مهاجمة السيسي بشأن لحقوق الإنسان خلال زيارته للقاهرة في يناير/ كانون أول 2019.

فتور في العلاقة”

وأوضحت هيلين سالون أنه عقب هذه الزيارة كان هناك فتور في العلاقات الثنائية، انتهت مع قيام الرئيس الفرنسي ببسط السجادة الحمراء للرئيس السيسي بباريس في ديسمبر/ كانون أول 2020 – ومنحه وسام جوقة الشرف، وفي أوائل عام 2021، طلبت مصر ثلاثين طائرة رافال جديدة. 

ونقلت “لوموند” عن إيمريك إيلوين، من منظمة العفو الدولية: “نحن نعطي كل شيء لمصر، ونفتح الأبواب على مصراعيه لصالح مبيعات الأسلحة، إن فرنسا والشعب المصري هما الخاسر الأكبر في هذه العلاقة، حيث نكافئ باستمرار انتهاكات حقوق الإنسان”.

يشار إلى أن تقرير “لوموند” يأتي بعد كشف موقع “ديسكلوز” الإلكتروني الاستقصائي الفرنسي عن ارتكاب انتهاكات خلال مهمة عسكرية سرية لفرنسا في مصر، وذلك في تحقيق استقصائي نشره الموقع مستندا على مئات من الوثائق السرية المسربة.

 

ويقول التحقيق إن فرنسا تقدم معلومات استخباريّة للسلطات المصريّة، تستخدمها القاهرة لاستهداف مهرّبين عند الحدود المصرية-الليبية، وليس متشددين، بخلاف ما هو متّفق عليه، مستشهدًا بـ”وثائق دفاع سرّية” تظهر انحراف هذه المهمّة الفرنسيّة عن مسارها.

وبدأت مهمة “سيرلي” الاستخباراتية الفرنسية، في فبراير من العام 2016، وانحرفت وفقًا للتحقيق عن مسارها من جانب السلطات المصرية، التي استخدمت المعلومات التي يقدمها الفرنسيون لضرب مركبات تشتبه بأنها لمهربين.

للإطلاع على المصدر اضغط هنا