بينما تقوم طالبان بتعزيز وترسيخ حكمها في أفغانستان، تسعى أيضًا إلى الحفاظ على العلاقات مع الجهات الفاعلة الخارجية لتجنب العزلة الدولية. والدور الجديد للإمارات في البلاد ما هو إلا دور فضولي، نظرًا لعلاقاتها المرنة والغامضة في كثير من الأحيان مع الحركة المسلحة.
وفقًا لما ذكره الدبلوماسيون الأجانب المقيمون في الخليج لـ “رويترز”، فإن المسؤولين الإماراتيين في الأسابيع الأخيرة قاموا بالعديد من المناقشات مع حركة طالبان لإعادة تشغيل مطار كابول.
بالإضافة إلى ذلك، في ٢١ نوفمبر، أعادت الإمارات المتحدة فتح سفارتها في أفغانستان، والتي اتخذتها طالبان إشارة إلى العلاقات الإيجابية، مما يشير أيضًا إلى ميل ودفء أبو ظبي تجاه نظام طالبان.
لطالما لعبت الإمارات المتحدة دورًا غامضًا في أفغانستان، لكن انسحاب الولايات المتحدة الفوضوي من البلاد في أغسطس، مكن طالبان من الاستيلاء على الحكم، مما دفع أبو ظبي إلى تعزيز العلاقات واتخاذ موقف أكثر تكيفًا مع الحركة.
من الممكن أن يسرع التحول نحو الصين وروسيا، ويساهم جزئيًا في تقاربها مع منافستها السابقة تركيا عقب اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد في ٢٤ نوفمبر.
في حين أن العالم يركز على استيلاء طالبان على أفغانستان، وعلى الأزمة الإنسانية التابعة لذلك، رأت الإمارات أنها فرصة لتعزيز أوراق اعتمادها الإنسانية وبالتالي تعزيز مكانتها الدولية.
في سبتمبر، وفقًا لما نشرته وكالة أنباء الإمارات الرسمية “وام”، قامت أبو ظبي بتشغيل جسر جوي لإيصال الكثير من المساعدات إلى أفغانستان، قائلة أنها تهدف إلى “تقديم الدعم الكامل للشعب الأفغاني الشقيق”.
بينما ساعدت الإمارات في إجلاء العديد من الدبلوماسيين الغربيين المحاصرين في أفغانستان وسط تمرد طالبان، قامت أيضًا باقتراح استضافة مسؤولين أفغانيين رئيسيين، بما في ذلك الرئيس المخلوع أشرف غني، والذي يُعتقد أنه لا يزال مقيمًا على الأراضي الإماراتية.
لقد أثار الدور الكبير لدولة الإمارات في إجلاء مختلف المسؤولين والأفراد الثناء من مختلف القادة الغربيين، بما في ذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذلك رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون. بشكل عام، وفقًا لمسؤول إماراتي، لقد قامت دولة الإمارات بالمساعدة في إجلاء ما يقارب من ٢٨٠٠٠ شخصًا من أفغانستان منذ استيلاء طالبان على البلاد.
علاقات مرنة مع طالبان
سلكت الإمارات العربية المتحدة نهجًا ذكيًا في العلاقات مع طالبان. في عام ١٩٩٦، قامت بالاعتراف بطالبان إلى جانب المملكة العربية السعودية وباكستان. ثم في عام ٢٠٠١، عقب الحرب الأمريكية في أفغانستان، قطعت الإمارات العربية علاقاتها مع طالبان. وأشار ما حدث إلى رغبة الإمارات في أن تصبح لاعبًا براغماتيًا في وقت مبكر.
ثم استعدت أبو ظبي لحكومة أشرف غني النازحة الآن، حيث تم تعزيز ذلك في فبراير عام ٢٠١٧، بعد مقتل سفير الإمارات جمعة محمد عبد الله الكعبي في أفغانستان، وخمسة دبلوماسيين إماراتيين آخرين في أعقاب تفجير مدينة قندهار جنوب أفغانستان. وفي عام ٢٠١٨، وافقت كابول على قيام أبو ظبي بتدريب قوات الأمن الأفغانية لمواجهة طالبان.
في الوقت الحالي، وفقًا لاثنين من الدبلوماسيين الذين تحدثوا إلى “رويترز”، إنه مع توطيد حكم طالبان على أفغانستان والحديث عن حاجة الحكومات الغربية إلى قبول النظام الجديد، قامت أبو ظبي بالتواصل مع طالبان، وبالتالي استطاعت أن تحافظ على العلاقات معها.
وأضاف الدبلوماسيون أيضًا أن دولة الإمارات استضافت أعضاء من طالبان في السنوات الأخيرة، منهم شير محمد عباس ستانكزاي، والذي يعيش مع أسرته في إمارة الشارقة منذ عام ٢٠١٦ على الأقل.
مع عدم وجود خيار للجهات الفاعلة الدولية سوى قبول طالبان، واعتقاد بعض الحكومات الغربية مثل المملكة المتحدة أن الحركة “تغيرت”، تأمل الإمارات التشجيع على الاعتدال داخل الحركة، حيث أشاد وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش بـتأكيد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد “على العفو والتسامح بشأن الانتقام”.
من المحتمل أن يكون هذا جزءًا من آمال أبو ظبي الأوسع نطاقًا لدعم قوى أكثر “اعتدالًا” و”استقرارًا” في الدول الإسلامية، ومواجهة العناصر الأكثر راديكالية، على الرغم من أنها اتبعت هذه السياسة بنهج أكثر عدوانية في أماكن أخرى على المستوى الإقليمي لتقوية الأنظمة الاستبدادية.
الديناميكيات الجيوسياسية
نتج عن اجتماع أردوغان ومحمد بن زايد مؤخرًا استثمارات ثنائية مختلفة، ومن المتوقع أن يزيد التعاون الإقليمي بين أبو ظبي وأنقرة. وقد يؤثر ذلك أيضًا على مشاركتهم في أفغانستان، فقد سعى البلدين إلى لعب دور ما بعد الصراع في البلاد.
من ناحية، قامت تركيا بتشجيع طالبان على إقامة حكومة شاملة ودعم تعليم الإناث. ومن الناحية الأخرى، صرحت أنقرة بأنها ليست في عجلة من أمرها للاعتراف بنظام طالبان. ومع ذلك، في ١٥ أكتوبر، صرح أردوغان بأن تركيا مستعدة لإدارة مطار كابول في حال توصلت إلى اتفاق مع قطر.
لكن التقارب الإماراتي-التركي قد يدفع أنقرة إلى الابتعاد عن الدوحة في أي صفقة تتعلق بالمطار، وتأمل الإمارات أن تتمكن تركيا من تقديم المزيد من الدعم الأمني، بينما تستخدم هي نفوذها المالي لإدارة المطار بشكل مشترك.
يمكن للإمارات العربية المتحدة أيضًا استخدام علاقات تركيا الأقوى مع القوى الإقليمية الأخرى لإنشاء محور يمكن أن يعزز من مكانتها. بالإضافة إلى أن العلاقات الإيجابية لتركيا مع باكستان قد تكون عاملًا في تمكين الإمارات من ترسيخ مثل هذا التحالف الإقليمي، والذي قد يؤدي أيضًا إلى تهميش قطر.
اضف تعليقا