في ٦ ديسمبر، بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وكذلك نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، بجولة في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث كانت عمان وجهته الأولى.

وجاء في بيان الديوان الملكي، أن الزيارة جاءت بتوجيهات من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وذلك “حرصًا على استمرار التواصل بين قادة دول مجلس التعاون وتعزيز العلاقات الأخوية معهم”.

تأتي الجولة قبل الاجتماع السنوي لمجلس التعاون الخليجي المكون من ست دول هذا الشهر، ويقال إن المجلس يعطي الأولوية لإيران على أجندة دول مجلس التعاون الخليجي، خلال المناقشات مع قادة عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت.

وسبقت زيارات محمد بن سلمان لدول مجلس التعاون الخليجي، سلسلة من الاجتماعات الدبلوماسية في المنطقة. قبل حوالي أسبوعين، قام ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد، بزيارة أنقرة، والتقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتشير هذه الزيارة إلى عودة التطبيع في العلاقات بين الخصمين السابقين.

في ٦ ديسمبر، قام مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات طحنون بن زايد بزيارة طهران، والتقى بسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وفي اليوم التالي، قام أردوغان بزيارة الدوحة لحضور الاجتماع السابع للجنة الاستراتيجية العليا. تزامنت رحلة أردوغان إلى الدولة الخليجية مع زيارة محمد بن سلمان إلى الدوحة، والتي قد تتبعها زيارة من ولي عهد البحرين إلى قطر.

وتعد جولة محمد بن سلمان في دول مجلس التعاون أول زيارة له بعد اتفاق العلا، والذي مهد الطريق أمام الرياض لتطبيع علاقاتها مع الدوحة. ومع ذلك، باستثناء هذه المبادرة، كانت السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية شبه عاطلة عن إعادة الاصطفافات الإقليمية، والتي تضمنت تحركات جريئة من حلفاء المملكة العربية السعودية-الإمارات العربية المتحدة-مصر تجاه تركيا.

في حالة أبو ظبي، كانت الدولة صريحة للغاية فيما يتعلق بتعزيز علاقاتها مع إيران وإسرائيل. ويقوم بعض المراقبين بربط سلوك أبوظبي بالاستعدادات الجارية، وذلك لمواجهة حقبة ما بعد الولايات المتحدة في الخليج. في المقابل، يرى آخرون أنه رد فعل على قرار الرياض بالمصالحة مع قطر وإنهاء الحصار المفروض على الدوحة.

 شكل الحصار الرباعي المفروض على قطر في عام ٢٠١٧، والهجمات التي ترعاها إيران ضد منشآت النفط السعودية الاستراتيجية في عام ٢٠١٩ نقطتي تحول إضافيتين في التقشف الإقليمي للولايات المتحدة.

كلا التطورين زاد من عدم الثقة تجاه سياسات الولايات المتحدة كضامن أمني لمنطقة الخليج ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، فالوجود العسكري الأمريكي في الخليج لم يمنع دولًا أخرى من استهداف الدوحة ومحاولة الإطاحة بأميرها. وبالمثل، فهو لم يردع طهران عن الاعتداء على مصالح الرياض، ولم يعاقبها على الهجمات التي يُعتقد أن إيران تقف وراءها.

دفع هذان الوضعان الأساسيان العديد من دول الخليج إلى النظر إلى ما وراء دول مجلس التعاون الخليجي المحاصر، بحثًا عن الحلفاء الإقليميين، وذلك لتقديم مستوى آخر من الأمان. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد أظهرت الرياض مؤخرًا درجة من التناقض الاستراتيجي فيما يتعلق بخيارات سياستها الخارجية.

على مدار التاريخ، اعتمدت الرياض على دول مثل العراق وسوريا ومصر لتكون بمثابة دعائم إقليمية في أوقات الأزمات، ومع ذلك، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣، وقعت بغداد ودمشق بشكل أساسي تحت النفوذ الإيراني.

وفي حين أن مصر كانت خيارًا محتملًا، إلا أن الانقلاب العسكري عام ٢٠١٣ قوّض مكانة القاهرة الإقليمية ودورها.  أوضحت تجربة السنوات السبع الماضية أن القاهرة يمكن أن تكون عبئًا ماليًا وسياسيًا على المملكة العربية السعودية، وليس شريكًا يمكنه توفير الدعم الأمني ​​والعسكري في أوقات الأزمات.

في أعقاب اتفاق العلا، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى رؤية استراتيجي تأخذ في الاعتبار تراجع الولايات المتحدة في المنطقة، وضرورة وضع استراتيجية لمواجهة هذه التحديات.

وهذا يشمل إيجاد شريك أو شركاء إقليميين يمكنهم تزويد الرياض بمستوى آخر من الدعم الأمني ​​في حال لزم الأمر.  وفي الآونة الأخيرة، سعت المملكة إلى مساعدة اليونان لتقديم دعم أمني ضد الحوثيين، وهو ما ألحق الضرر بالرياض نظرًا إلى قوتها العسكرية ومكانتها في السياسة الخارجية.

من الناحية النظرية، لدى المملكة العربية السعودية أربعة خيارات للتطبيع مع إسرائيل وإيران وتركيا، أو اتباع استراتيجية “انتظر وسترى” لمدة ثلاث سنوات أخرى. على الرغم من أن الرياض تقوم بمحادثات ومناقشات مع إيران في العراق، إلا أنه لا يُتوقع حدوث تقارب كبير، نظرًا للموقف الإيراني وعدم وجود إرادة جادة لتقديم تنازلات من شأنها أن تساعد في تغيير التصور الشعبي بشأن أجندة إيران الإقليمية التوسعية.

علاوة على ذلك، فإن حالة عدم الثقة بشأن المفاوضات الأمريكية الجارية مع إيران ومصير خطة العمل المشتركة الشاملة، تعني أن الرياض يجب أن تضع خططًا لأنها قد تواجه سيناريوهات مختلفة. في حين أنه يمكن للولايات المتحدة وإيران التوصل إلى اتفاق، هناك دائمًا احتمال أن تتقدم إيران نحو امتلاك أسلحة نووية.

 في كلتا الحالتين، يبدو أن الرياض في وضع غير ملائم للرد بشكل حاسم. وبالنظر إلى هذه السيناريوهات، من المشكوك فيه ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستختار تطبيع علاقاتها مع إيران بدلاً من محاولة موازنة ذلك.

خلال رئاسة ترامب، اتخذ محمد بن سلمان بعض المبادرات السرية والثانوية تجاه إسرائيل، حيث سمحت الرياض للطائرات الإسرائيلية باستخدام مجالها الجوي أثناء توجهها إلى الإمارات. علاوة على ذلك، أكدت عدة تقارير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو زار المملكة العربية السعودية سرًا، والتقى بمحمد بن سلمان في نيوم، ثم استمرت وفود الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة في زيارة الرياض وتوفير قنوات مجتمعية للتطبيع.

في بعض الدوائر في الرياض، هناك تصور بأن تل أبيب يمكن أن تساعد المملكة العربية السعودية استراتيجيًا في مواجهة التهديد الإيراني، ويبدو أن هذا التصور مبالغ فيه للغاية بالنظر إلى أن إسرائيل تعتمد أيضًا على الولايات المتحدة لضمان أمنها.

بغض النظر عن هذه المسألة، فإن التطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة سيكون له سلبيات أكثر بكثير من الإيجابيات، فالتطبيع ينطوي على مخاطر تقويض صورة الرياض بشكل أكبر، وكذلك الدعم الشعبي في المنطقة، ولن تحدث فرقًا كبيرًا في الولايات المتحدة نظرًا لتوجه الإدارة الأمريكية الحالية.

أما بالنسبة للتطبيع مع تركيا، فعلى الرغم من أن جهود التقارب بين الرياض وأنقرة بدأت في أكتوبر ٢٠٢٠، إلا أنه لم يتم تحقيق تقارب كبير إلى الآن، وعلى عكس إيران وإسرائيل، لدى أنقرة الكثير لتقدمه للرياض، نظرًا لقدراتها العسكرية وشعبيتها الإقليمية وعمقها الاستراتيجي.

 تعمل تركيا بلا هوادة لإثبات نفسها كحليف موثوق به وذات مصداقية في نظر شركائها الإقليميين، من سوريا إلى قطر، ومن ليبيا إلى أذربيجان، أثبتت أنقرة أنها شريك ملتزم. كان تدخلها الدفاعي والعسكري نيابة عن حلفائها حاسمًا في الوضع الحالي المتمثل في التدهور الأمريكي والاضطراب الإقليمي.