العدسة_ عبد الله العلي

خطوات روسية متسارعة وتحركات باتجاه تشكيل قوى شعبية سورية بذريعة إجراء مصالحة تضم النظام وأغلب أطياف المجتمع السوري والمعارضة.

الخطة التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تهدف للإطاحة بالهيئة العليا للمفاوضات ونسف مسار مفاوضات جنيف من خلال التحضير لمؤتمر شعبي تحاول فيه موسكو حشد أكبر عدد ممكن وإقناع بعض القوى المحلية السورية للمشاركة في المؤتمر المزمع عقده في قاعدة حميميم الجوية جنوب شرق مدينة اللاذقية، حيث تشير التوقعات إلى عقده في 10 نوفمبر 2017 المقبل.

حميميم، هذه القاعدة التي لطالما عرفت باستخدام القوات الروسية لها للبطش بالشعب السوري وانطلقت منها المئات من الطائرات الروسية والسورية التابعة للنظام وقتلت الآلاف من أبناء الشعب، تنطلق منها روسيا مرة أخرى ولكن باتجاه مسار سياسي للتحايل على الشعب السوري.

التحركات الروسية

تجري التحضيرات والترتيبات لعقد المؤتمر بمشاركة ممثلي مناطق خفض التصعيد والنظام والمعارضة والطوائف السورية المختلفة.

وتحاول موسكو إضفاء طابع شعبي وصبغة موسعة للمؤتمر عبر مفاوضاتها لضم الأكراد والمسيحيين إلى المكون العام للمؤتمر الذي تسعى لجمع أكثر من ألف مشارك فيه، بهدف تجاوز المعارضة الحالية المتمثلة في الهيئة العليا للمفاوضات.

وبهذه الخطوة تستفيد موسكو من التقدم الذي أحرزه نظام الأسد على الأرض واستغلال الإحباط لدى الشعب الذي يتوق لأي حل يعيد لهم أجواء الدفء ولم الشمل الغائبة عنهم منذ سنين.

ويقود تلك الاجتماعات والتحضيرات للمؤتمر مبعوث الرئيس الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حيث عقد العديد من اللقاءات مع شخصيات دينية واجتماعية وسياسية ومدنية ورجال أعمال من الطائفة المسيحية في مدينة القامشلي كما عقد لقاءات مع قيادات مناطق الإدارة الذاتية.

وبحسب شبكة “روداو” الإعلامية فقد ناقش بوغدانوف مطالب الأكراد من نظام الأسد للوصول إلى اتفاق  حول مخرجات المؤتمر المزمع عقده في قاعدة حميميم ورؤيتهم المستقبلية للبلاد.

وتشير التوقعات إلى عقد المؤتمر في 10 نوفمبر القادم بمشاركة ما يقرب من 1200 شخص بينهم نحو 100 شخص سيمثلون جميع أقاليم فيدرالية شمال سوريا.

أهداف المؤتمر

يشير “بوتين” إلى إحراز تقدم إيجابي في عملية التسوية السورية بفضل التعاون الروسي مع دول الأزمة “إيران وأمريكا وتركيا والسعودية وقطر”، فيما يخص إنشاء مناطق “خفض التصعيد”.

ويرى الرئيس الروسي أن الخطوة التالية تتمثل في تشكيل ما يسمى بـ “مؤتمر شعوب سورية” وهي خطوة يهدف منها إجراء مصالحة بين حكومة الأسد والمعارضة “الشكلية” الجديدة التي يريد تكوينها.

وتخطط سوريا لتشكيل هيكل جديد يضم ممثلين عن الحكومة وفصائل المعارضة، وكذلك جميع الطوائف العرقية والدينية.

ويقول بوتين: “إذا تسنى القيام بذلك بدعم من الدول الضامنة، والقوى الإقليمية الكبرى، مثل السعودية ومصر، فإنها ستكون خطوة تالية إضافية ومهمة جداً على طريق التسوية السياسية، ثم وضع دستور جديد”.

ويهدف مؤتمر حميميم لبحث 5 نقاط رئيسية تتمثل في مناقشة الوضع السوري بشكل عام، والنقاش حول الدستور، وخفض التوتر، وتشكيل لجان تفاوضية لمشاريع المستقبل، والتمهيد لمؤتمر مصالحة موسع.

وتتضمن الخطط الروسية إجراء انتخابات محلية وبرلمانية تنتهي بانتخابات رئاسية في 2021، إضافة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بصلاحيات أوسع من الحكومة القائمة.

ووفقاً لصحيفة  الشرق الأوسط اللندنية فإن بوتين يريد استغلال قوة الوحدات الكردية المقاتلة على الأرض للضغط على نظام الأسد للقبول بالتفاوض على حل فيدرالي أو اتحادي للمناطق الكردية، خاصة وأن هذه الوحدات تضم أكثر من 70 ألف مقاتل وتسيطر مع فصائل عربية على ثلث مساحة سوريا.

 دوافع موسكو

تحاول موسكو الاستفادة من عدم اهتمام واشنطن بمسار مفاوضات جنيف وتركيز اهتمامها على محاربة تنظيم الدولة والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، فيما تعمل روسيا على ترجيح خيارها الجديد والانطلاق من الاتفاقات التي نجحت في إيجاد مناطق “خفض التصعيد” الأربعة نحو إقامة مجالس محلية بالإضافة إلى الإدارات الذاتية التي تتمتع بها بعض المناطق الكردية.

يأتي بعد ذلك عقد اجتماعات بين المجالس المنبثقة من هذه المناطق والحكومة في قاعدة حميميم بعد إقناع شخصيات معارضة من الخارج بالمشاركة في هذه الاجتماعات، لبحث مبادئ الحل السياسي وإعادة الثقة بين مختلف الأطراف.

ويعكس البيان الصادر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 21 أكتوبر الجاري، وجود تقارب في الرؤية بين واشنطن وموسكو بشأن الحل السياسي في سوريا.

وقال ترامب في بيانه: “إننا سننتقل قريبًا إلى تنفيذ مرحلة جديدة سنقوم في إطارها بدعم قوات الأمن المحلية وخفض مستوى العنف في جميع أنحاء سوريا وتهيئة الظروف الملائمة لإحلال سلام مستدام بطريقة لن تسمح للإرهابيين بتهديد أمننا الجماعي مرة أخرى”.

وأوضح ترامب أن بلاده، بالتعاون مع حلفائها وشركائها، ستؤيد المفاوضات الدبلوماسية من أجل إنهاء ما وصفه بالعنف وتمكين اللاجئين من العودة إلى وطنهم بصورة آمنة، وتوفر عملية انتقالية سياسية تستجيب لإرادة الشعب السوري”.

كيف تراه المعارضة

ترى هيئة المفاوضات العليا التابعة للمعارضة السورية أن موسكو تحاول نسف مصداقيتها والتملص من مسار جنيف وإفشاله، وأن محاولات عقد مؤتمر حميميم تهدف من ورائها تجاوز الهيئة العليا للمفاوضات ونسفها، برغم ادعاء روسيا الظاهري بتأييدها.

ويرى يحيى العريضي الناطق باسم المعارضة أن موسكو تستغل حالة الوجع والتعب التي أصابت الكثير من الشعب وتلعب بأحلامهم في السكينة والهدوء وإعادة الإعمار

ووصف مؤتمر حميميم بأنه شكل من أشكال المصالحات التي يجريها النظام في بعض المناطق السورية، ولكن على نطاق أوسع، مشيرًا إلى أن من يستجيب لهذه المصالحة فهو يقف في صف النظام، لأن المحصلة في النهاية هي إعادة إنتاج النظام ولكن بشكل مختلف.