قام مؤشر حرية الإنسان 2021 الصادر عن معهد فريزر بتصنيف دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة السادسة في العالم العربي، والسابعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أعلى من عمان والمغرب وتركيا والبحرين والجزائر والمملكة العربية السعودية وليبيا والعراق وإيران ومصر واليمن وسوريا.

يعتمد مؤشر حرية الإنسان (HFI) على 82 مؤشرًا متميزًا للحرية الشخصية والاقتصادية في سيادة القانون والأمن والسلامة والتنقل والدين، وتكوين الجمعيات والتجمع والمجتمع المدني والتعبير والمعلومات والعلاقات، وحجم الحكومة والنظام القانوني وحقوق الملكية والنقود السليمة وحرية التجارة الدولية والتنظيم.

ابتداءً من عام 2016، عمل الرجال الذين يديرون الإمارات العربية المتحدة بأعلى مستوى من الإيجابية، فقاموا بتثبيت وجه مبتسم عملاق على القبة التي تتوج مركز شرطة دبي، وأنشأوا أيضًا وزارة التسامح ووزارة السعادة، وبدأوا في تمويل الأبحاث، وكذلك تمويل مفكرين عالميين بارزين لدراسة علم نفس وعلم السعادة.

 لكن للإمارات وجه آخر، فبالنسبة للنساء اللاتي يعشن حياة من الدرجة الثانية، حكم على الناشطات بالسجن لسنوات بسبب منشوراتهن على موقع Facebook، إن الإمارات العربية المتحدة بالطبع ليست مكانًا سعيدًا، وربما كان من الممكن أن تفشل جهود الترويج للعلامة التجارية لولا جهود رجل واحد: الاقتصادي الشهير في جامعة كولومبيا وعضو في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم، جيفري ساكس. لقد قام ساكس بمساعدة الإمارات في نقل رسالتها إلى العالم، لقد تفوق على حملة السعادة، وألقى خطابًا تلو الآخر وربطهم بالقضايا العالمية الملحة، ووصف القيادات الإماراتية بالقيادة  “المثالية” و “الحكيمة”. ثم في مرحلة ما، جلس على خشبة المسرح في دبي مع اثنين آخرين من الاقتصاديين البيض ومذيع شبكة سي إن إن ريتشارد كويست، وساعد في قيادة حشد من الإماراتيين والمغتربين في جولة عنوانها “إذا كنت سعيدًا وأنت تعرف ذلك، صفق يديك”.

 تلقت منظمة غير ربحية بقيادة ساكس، وهي شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، المعروفة باسم (SDSN)، ثلاثة ملايين دولار على الأقل من الإمارات العربية المتحدة. تم استخدام النفقات لتمويل العمل على تقرير السعادة العالمي، وهو الترتيب السنوي لجودة الحياة في البلدان. كما تبرعت حكومة الإمارات العربية المتحدة بشكل منفصل بمبلغ 200000 دولار أمريكي لجامعة كولومبيا لأبحاث السعادة. وكذلك تؤكد سجلات الإنفاق في معهد الأرض، وهو معهد أبحاث في كولومبيا كان سابقًا يرأسه ساكس، أنه تلقى تمويلًا من الإمارات العربية المتحدة، لكن المتحدث باسم المعهد رفض الإفصاح عن المبلغ.

قد يكون من السهل رفض مشروع السعادة إذا لم تمنح الشرعية لحكومة قمعية. قدم ساكس في مؤشر السعادة الخاص بـ SDSN في كل مكان، بدءًا من Google وحتى “Morning Joe”، وداخل الأمم المتحدة، حيث قدم المشورة لثلاثة أمناء عامين متعاقدين، وقام بربط أعمال السعادة بأهداف الاستدامة الرسمية.

قال الباحث ماثيو هيدجز عما يقوم ساكس: “إنه تبييض”. في عام 2018، أثناء إجراء بحث لأطروحة حول الاستراتيجية الأمنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، اعتقل هيدجز من قبل الشرطة الإماراتية. وبحسب روايته، قال إنه أمضى سبعة أشهر في غرفة بلا نوافذ، مخدرًا بـ  كوكتيل مخدرات، وكان يسمع صراخًا عبر الجدران، قد استجوبه آسروه مرارًا وتكرارًا في وقت ما لمدة 15 ساعة متتالية، وبعد إجباره على التوقيع على اعتراف يقول إنه يعمل لدى MI6، جهاز المخابرات الخارجية البريطاني، أدين هيدجز بدون  محامي حاضر وحُكم عليه بالسجن المؤبد، ولم يُطلق سراحه إلا بعد أن مارست المملكة المتحدة ضغطًا دبلوماسيًا. قال هيدجز الذي  أصبح الآن باحثًا في الدراسات العليا في جامعة إكستر، إن ما حدث له “أشبه بكابوس”.

ساكس، البالغ من العمر الآن 67 عامًا، هو واحد من 17 من المشاهير المدافعين عن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والذين كلفهم الأمين العام بتعزيز الأهداف السامية مثل تعزيز الوصول إلى التعليم، ومكافحة أزمة المناخ، والقضاء على الجوع بحلول عام 2030. خارج الأمم المتحدة، تم تعيين ساكس  خبير في مجموعة مذهلة من الموضوعات، مثل هندسة الطاقة و Covid-19. 

 لكن لدى ساكس جانب آخر. ففي عام 2013، أشاد بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان لفوزه بثلاث انتخابات عامة متتالية، وقال إنه “في كل مرة يحصل على حصة أكبر من الأصوات الشعبية”، دون الإشارة إلى المخاوف المتزايدة بشأن قمعه للمعارضة. في الآونة الأخيرة، قلل ساكس من المخاوف بشأن حملة القمع الصينية في هونغ كونغ وشينجيانغ، بما في ذلك في حدث عبر الإنترنت تابع للحكومة الصينية تم استضافته في “بيت الضيافة الذي يتميز بزخارف تقليدية على طراز الأويغور”. وفي عام 2020، بعد 16 شهرً من تقطيع أوصال الصحفي جمال خاشقجي، سافر إلى الرياض للتحدث في منتدى استضافته شركة استثمار سعودية.

 في بعض الحالات، يتمتع ساكس بعلاقات طويلة الأمد مع القادة الذين يمتدحهم. لدى SDSN مراكز تابعة في الإمارات العربية المتحدة والصين، ويضم مجلس قيادة المنظمة غير الربحية مسؤولين من كلا البلدين، من بينهم نائب رئيس مؤسسة أبحاث التنمية الصينية، التي تقدم تقاريرها إلى مجلس الدولة الصيني. يشغل ساكس أيضًا منصبًا استشاريًا في جامعة تسينغهوا في بكين، ولا يظهر ذلك في سيرته الذاتية أو ملفه الشخصي العام على LinkedIn أو سيرته الذاتية المنشورة خارج الصين. ويقع هذا المنصب في معهد تم إنشاؤه لتعزيز أهداف السياسة الخارجية للصين داخل الأمم المتحدة.

 قال أرييه نيير، المدير التنفيذي السابق لاتحاد الحريات المدنية الأمريكي والمؤسس المشارك لـ هيومن رايتس ووتش: “كان لدي شعور دائمًا بأن ساكس ليس شخصًا مهتمًا بحقوق الإنسان، وأنه غالبًا ما كان مدافعًا عن الحكومات التعسفية”.  أشرف نيير على تمويل عمل ساكس في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أثناء عمله كرئيس لمؤسسات المجتمع المفتوح، حيث قال إنه منزعج من استعداد ساكس للعمل مع حكومة إثيوبيا.

لقد عارض ساكس هذه الإدعاءات، ووصف الدعم المالي لدولة الإمارات بأنه “مساهمة في جهود الأمم المتحدة لتعزيز الاستخدام العالمي لمؤشرات السعادة والرفاهية والأهداف في تصميم سياسة التنمية الوطنية”. وكتب لاحقًا: “إذا كنت تعتقد أنه من غير المناسب لـ SDSN قبول أموال من حكومة الإمارات العربية المتحدة للعمل الأكاديمي، أو أن أتحدث عن إزالة الكربون من الطاقة في اجتماع في المملكة العربية السعودية، فأنت حر في كتابة ذلك، لكنني أعترض”. 

 كتب أيضًا: “أتحدث كثيرًا وأكتب عن أهمية حقوق الإنسان وأهمية الإعلان العالمي وعمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة”، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة تم تبنيها في عام 1948، وهذه الوثيقة تكرس قيمًا مثل عدم التمييز والتحرر من الاحتجاز التعسفي. وقال أيضًا إنه لم يتقاضى أجرًا مقابل منصبه في تسينغهوا وأن شبكة SDSN لم تتلق أي تبرعات من الحكومة الصينية أو الشركات الصينية أو الأفراد الذين تربطهم علاقات وثيقة بالحكومة. وأضاف قائلًا “إن المجموعة تلقت 30 ألف دولار فقط من منظمة دولية غير حكومية مقرها في بكين مكرسة لإزالة الكربون لتمويل مساعدي البحوث”، وقال أيضًا “أنا فخور بتعاوني مع زملائي في جامعة تسينغهوا، وهي جامعة رائعة”، ووضح أن عمله في الصين بشكل عام يقوم على دافع الرغبة في السلام والتعاون العالميين.

 لكن نشطاء حقوق الإنسان يشكون من أن ساكس يتحدث بشكل أساسي عن الانتهاكات الأمريكية، بينما يقلل من تلك الانتهاكات في أماكن أخرى من العالم. منظمة SDSN لها مكاتب في نيويورك وباريس وكوالالمبور، وبؤر استيطانية أو شبكات في ست قارات، ويظهر ساكس نفسه باستمرار في الأحداث في جميع أنحاء العالم. في الأمم المتحدة، وقع في محاولة بقيادة الصين لإعطاء الأولوية لحقوق أكثر ليونة على الحقوق السياسية والمدنية.

 في يونيو 2020، عندما خرج الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى الشوارع للاحتجاج على مقتل جورج فلويد، أرسل رسالة بليغة إلى موقع SDSN على الويب، كتب فيها: “أشكركم، أيها الزملاء، على جهودكم اليومية من أجل العدالة العالمية. هذا العمل لا يتوقف أبدًا، ومن الواضح أنه أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى”. بعد ثلاثة أيام، ذكرت حكومة الإمارات العربية المتحدة أن ساكس انضم إلى القادة في الإطلاق الافتراضي لأكاديمية الرفاهية، وهو معهد يقوم بتدريب موظفي حكومة الإمارات العربية المتحدة على كيفية دمج السعادة في عملهم. قال معارف وزملاء سابقون لساكس إنه مدفوع برغبة حقيقية في فعل الخير في العالم. لكنهم يقولون أيضًا إن الاقتصادي الليبرالي الجديد السابق لم يفقد طمعه في السلطة أبدًا.