أصدرت مصر “الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” في سبتمبر/أيلول وهي خطوة اعتبرها قلة من المتفائلين تقدم إيجابي لدكتاتورية يقودها عبد الفتاح السيسي، وهو جنرال سابق معروف باحتجازه آلاف السجناء السياسيين.

على صعيد آخر، الكثير من الأصوات انتقدت هذه “الآلية”، واعتبر المشككون أن الأمر برمته هو مجرد “زخرفة” لصورة النظام، يهدف إلى تهدئة إدارة بايدن حتى تستمر المساعدات العسكرية الأمريكية في التدفق.

في الواقع، إذا حكمنا من خلال آخر الأخبار من مصر، فإن المشككين في نوايا النظام على حق: استراتيجية عبد الفتاح السيسي لحقوق الإنسان لم تقض على انتهاكات حقوق الإنسان، بل تساهم بشكل أو بآخر في انتهاك المزيد منها.

الأسبوع الماضي، حكمت محكمة مصرية على ثلاثة نشطاء بارزين بالسجن بتهمة “نشر أخبار كاذبة تنال من الأمن القومي”، حيث حُكم على علاء عبد الفتاح خمس سنوات – بعد أن أمضى معظم السنوات العشر الماضية رهن الاعتقال على خلفية قضية أخرى، كما حُكم كذلك على محاميه السابق، محمد الباقر، والمدون محمد إبراهيم، المعروف باسم “أكسجين” بالسجن أربع سنوات، فيما أُدينت شقيقة علاء عبد الفتاح، سناء سيف، بتهم مماثلة في مارس/آذار.

ما يثير القلق بشكل خاص بشأن هذه الإدانات والأحكام هو حقيقة أنها صدرت من قبل إحدى محاكم الطوارئ الخمس التي تم تفويضها بموجب حالة الطوارئ في مصر، وهي محاكم تفتقر إلى توفير الحماية الإجرائية العادية للمتهمين.

الجدير بالذكر أن السيسي أنهى حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/تشرين الأول، ولكن بموجب القانون المصري، استمرت المحاكمات التي كانت قد بدأت قبل ذلك التاريخ، وبحسب هيومان رايتس ووتش كان هناك 48 متهماً -على الأقل- يُحاكمون أمام محاكم الطوارئ قبل فترة وجيزة من انتهاء حالة الطوارئ.

العديد من المستهدفين لديهم صلات بحزب مصر القوية، وهو فصيل مناهض للسيسي يتكون من أعضاء سابقين في جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، والتي أطاح الجيش المصري بحكومتها عام 2013.

الأحكام التي صدرت ضد عبد الفتاح والباقر وأُكسجين تعرضت لانتقادات واسعة من قبل بعض المؤسسات في المجتمع الدولي، على سبيل المثال، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تشعر “بخيبة أمل” إزاء الأحكام الأخيرة.

إن التقدم الذي تم إحرازه في مصر مؤخرًا لا يتمثل إلا في “إصدار أحكام مخففة أو عقوبات أقل قسوة” للأشخاص الذين لم يكن يجب أن يتعرضوا لخطر الاعتقال على الإطلاق.

أُدين المدافع عن حقوق الإنسان حسام بهجت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتهمة نشر أخبار كاذبة وإهانة إحدى سلطات الدولة – حيث قام على تويتر بانتقاد مسؤول انتخابي سابق للنظام – لكن عقوبته كانت غرامة قدرها 650 دولارًا فقط، كما تم الإفراج عن زميله العضو في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، باتريك جورج زكي، في 7 ديسمبر/كانون الأول بعد اعتقاله منذ العام الماضي – على الرغم من أنه لا يزال يواجه تهماً بنشر أخبار كاذبة، ومن المقرر أن تنعقد جلسة لمحاكمته في الأول من فبراير/شباط المقبل.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هي واحدة من عدة منظمات مجتمع مدني متهمة -بصورة ملفقة- بأخذ أموال أجنبية بطريقة غير مشروعة في محاكمة طويلة الأمد، والمعروفة باسم القضية رقم 173.

يُذكر أن إدارة بايدن علقت الإفراج عن 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية حتى تنهي مصر هذه المحاكمات، وإطلاق سراح 16 معتقلاً سياسيًا لم يتم الكشف عن أسمائهم.

قد يكون هذا التساهل النسبي مع السيد بهجت والسيد زكي هو طريقة مصر للوفاء بشروط واشنطن – على الأقل جزئيًا، ومع ذلك، فإن إجراء استثناءات قليلة للحكم القمعي بشكل عام يعزز ببساطة افتقار النظام المصري إلى حكم يحترم سيادة القانون.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا