تبدو روسيا أكثر حرجًا من أي وقت مضى أمام تزايد الضربات الإسرائيلية على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا، التي طالت أماكن حيوية وحساسة ديسمبر/كانون الأول 2021.

ولا يعرف ما إذا كانت روسيا تقبل تبرير تل أبيب للضربات بـ”حماية الأمن القومي”، وسط إحجامها عن تفعيل منظومات الدفاع الجوي المنشورة على الأرض السورية لمنع الهجمات.

المفاجئ في الموقف الروسي هو ما جاء على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرينتيف، بقوله: إن قضية الضربات الإسرائيلية من المستحيل عمليًا إغلاقها.

وأضاف لافرينتيف في مقابلة على قناة “روسيا اليوم” 23 ديسمبر 2021، إن الإسرائيليين يصرون على ما يسمونه حق الدفاع عن النفس وحماية الأمن القومي، “وهذا يعني توجيه الضربات على جميع الأهداف التي تهدد أمن إسرائيل”.

لكن المبعوث اعترف بشكل غير مباشر بتمركز المليشيات الإيرانية داخل القطع العسكرية التابعة للنظام السوري، معتبرًا أن الضربات الإسرائيلية تصيب القطاعات الدفاعية السورية والبنى التحتية وهي غير مقبولة، وفقًا لقوله.

وأكد لافرينتيف دعوتهم إسرائيل للكف مرارًا عن القصف، لكون المشكلة لها حلول أخرى، ووضح قائلًا إنه “إذا كانوا يعتقدون أن هناك خطرًا، يمكننا أن نتخذ تدابير ونزيل الخطر إن كان موجودًا”.

وأفاد كلام مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بأن موسكو تقف عاجزة أمام ردع إسرائيل وكف هجماتها على مواقع إيران في سوريا.

ويعتقد كثير من المراقبين العسكريين أن إسرائيل ماضية في تدمير القدرة العسكرية التي بنتها إيران في سوريا على مدى العقد الأخير، مما يجعل مسار الضربات الإسرائيلية يدور في حلقة مفرغة بناء على آنية الأهداف الإيرانية وسرعة الرد بقصفها من قبل تل أبيب.

بمعنى أن أغلب القصف يأتي مفاجئًا وردًا،إما نتيجة إدخال طهران شحنات أسلحة من صواريخ وطائرات مسيرة، أو بدء مليشياتها ووكلائها المحليين بناء مواقع عسكرية جديدة تتعلق بتصنيع الأسلحة.

وفي هذا الإطار، قال المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف لجريدة صحفية، إن روسيا إلى الآن تظهر تراجعًا أمام إيران حول قدرتها على وقف الهجمات الإسرائيلية.

ومرد ذلك وفق الشريف وجود “سؤال جوهري حول مدى فعالية هذه الضربات الإسرائيلية في تحقيق أهدافها والتي لا يمكن تحديد نسبتها حتى لو قلنا هي بين 50 و70 بالمئة، لأن القصف سيستمر على أذرع إيران، طالما تتبع الأخيرة تكتيك التخفي العسكري في سوريا”.

واستدرك قائلًا: “هذا ما يجعل إيران إلى اليوم تتجنب إثبات وجودها على الأرض عبر ثكنات عسكرية ترفع عليها أعلامها، بل لا تزال تتغطى خلف قوات النظام الذي سيبقى هو الخاسر الأكبر في معادلة الصراع الإيراني الإسرائيلي على الأرض السورية”.

ورغم وجود آلية تنسيق لفض النزاعات بين روسيا وإسرائيل في سوريا، فهذا لا يمنع تل أبيب من القفز على ذلك الأمر، وقصف مواقع إيرانية أحيانًا دون إخطار موسكو بذلك.

لكن مع ذلك يرى كثير من المراقبين أن إسرائيل وروسيا نجحتا في منع الاحتكاك مع القوة الدفاعية الروسية التي يمتلكها النظام السوري.

وهذا ما لفت إليه الشريف بقوله: “لا يمكن لإيران أن ترد من سوريا على الهجمات الإسرائيلية، بل ستبقى طهران متمسكة بضابط الإيقاع الروسي في الفضاء السوري من ناحية التهدئة”.

وأضاف قائلًا: “بنفس الوقت لا تستطيع طهران إجبار موسكو على استخدام صواريخ الدفاع الجوي إس- 300 التي يمكنها أن تلاحق الطائرات الإسرائيلية أو الصواريخ إلى داخل المجال الجوي الإسرائيلي”.

ومضى يقول: “وهنا يكمن خيط رفيع يبرر للروس سكوتهم عن القصف ويبقي لهم مساحة من المناورة في مسألة التصدي، وخاصة أن تل أبيب تعتمد في قصفها على سوريا من أجواء لبنان والجولان والبحر المتوسط”.

ووفقا لموقع “واللا” العبري، فإن “إسرائيل نجحت في تدمير 75 بالمئة من الأسلحة الإيرانية في سوريا، وحققت أقصى درجات الردع ضد قوات طهران والنظام”.

ونقل الموقع في 8 ديسمبر 2021 عن مسؤولين إسرائيليين قولهم: “إن الأسلحة المدمرة كانت موجهة لمليشيات موالية لطهران ومجموعات إيرانية على الأراضي السورية وحزب الله اللبناني”.

وبين أن بعضها صنعت في إيران وجرى تهريبها إلى سوريا برًا وجوًا وبحرًا، وبعضها غير ضروري على الأراضي السورية نفسها.

كما أكد الموقع أيضًا وأكد في تقرير له نشر في 25 ديسمبر 2021، أن سلاح الجو الإسرائيلي قصف ودمر عشرات الأهداف التابعة لمليشيا حزب الله اللبناني في سوريا، والمثلث الحدودي مع الأردن، خلال الثلاث سنوات الماضية.

ونقل الموقع عن مصدر أمني رفيع في إسرائيل قوله إن هذه الأهداف شملت مخازن أسلحة، مشيرًا إلى أن ذلك الأمر أعاق بشكل كبير جهود حزب الله اللوجستية والعملياتية للتموضع وإنشاء قاعدة مسلحة في جنوب هضبة الجولان.

وأمام هذه المعطيات، فإن التوافق الروسي الإسرائيلي الكامل في سوريا حول الوجود الإيراني يبدو أنه بلغ مراحل متقدمة، ولا سيما أن إسرائيل أبلغت القيادة الروسية بأنها ستتصرف عسكريًا ودون أي حسابات أو أخذ الإذن من أحد حيال خرق اللاءات الثلاث التي وضعتها تل أبيب على الأراضي السورية.

وهي وفق ما ذكرها الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، العقيد فايزقائلًا “لا لجعل سوريا منطقة لعبور أي أسلحة لحزب الله، ولا لأي أبحاث لتطوير أي أسلحة تدمير شامل وصواريخ دقيقة في الأراضي السورية، ولا لأي تموضعات إيرانية مسلحة على جغرافيا البلاد”.

ولذا فإن ما يدلل على ذاك التوافق، ما ذكره رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، عقب أول لقاء جمعه مع بوتين في مدينة سوتشي الروسية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بتأكيده أنه وجد لدى الرئيس الروسي “أذنا صاغية بشأن احتياجاتنا الأمنية في سوريا”.

وزاد بينيت بالقول حينها، أنه “من المهم أن ندير الأوضاع الحساسة والمعقدة الموجودة بسوريا بسلاسة وبدون أي خلل”.

ولعل تصريحات بينيت أعطت مؤشرًا جديدًا على مضي المقاتلات الإسرائيلية في دك مواقع المليشيات الإيرانية، بغض النظر عن موقع التمركز وحساسيته بالنسبة للنظام السوري.

وهنا يدور الحديث عن تنفيذ إسرائيل في 7 ديسمبر 2021، ولأول مرة قصفًا على مرفأ اللاذقية التجاري، والذي تديره إيران، ويوصف بأهم مرفأ تجاري في سوريا على ساحل المتوسط، ولا يبعد سوى 15 كم من قاعدة حميميم الجوية الروسية.

وفي 28 ديسمبر أيضًا أعادت إسرائيل فعلتها. ونقلت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري عن مصدر عسكري قوله إن “العدو الإسرائيلي نفذ عدوانًا جويًا برشقات من الصواريخ من عمق البحر المتوسط غرب مدينة اللاذقية، مستهدفًا ساحة الحاويات في الميناء التجاري في اللاذقية”.

وأشارت الوكالة إلى أن القصف أدى إلى حدوث “أضرار مادية كبيرة”، واندلاع حرائق يجرى العمل على إخمادها.

وأشارت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية، في 7 ديسمبر، إلى أن الهدف من الهجوم الذي شهده ميناء اللاذقية هو ضرب أسلحة متطورة مهربة من إيران عن طريق البحر، تشمل صواريخ كروز أو طائرات مسيرة انتحارية.

ولم يتوقف القصف عند هذا الحد، بل عادت إسرائيل لقصف موقع حساس في البنية التحتية السورية، حينما أقدمت مقاتلات إسرائيلية من طراز “إف-16” بشن 8 ضربات بصواريخ مجنحة مستهدفة محيط مطار دمشق، في 16 ديسمبر، مما أدى إلى إلحاق أضرار بمستودع ومقتل شخص.

وعقب ذلك نشرت شركة أميركية مختصة بتغطية الأحداث في الشرق الأوسط، واسمها (Aurora Intel) صورًا فضائية تؤكد تعرض مطار دمشق لثلاث غارات على بعد 600 متر عن بعضها البعض.

بينما ذكر موقع The War Zone الأميركي المختص بالشؤون العسكرية، بأن صواريخ كروز التي أطلقتها طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي تسببت بإتلاف مدرج المطار، الذي يستخدم لنقل الإمدادات لدعم المليشيات الإيرانية والجماعات التابعة لها العاملة في سوريا ولبنان.

وبالتالي فإن الإشكالية الكبرى التي تواجه روسيا حول القصف الإسرائيلي على مواقع إيران في سوريا، هو تمسك إيران بالتموضع ضمن ثكنات قوات النظام والمناطق الحيوية.

وهذا ما دفع المحلل العسكري والإستراتيجي العميد عبد الناصر فرزات للقول في 11 ديسمبر، إن “ذلك يضعنا أمام وجود توافق دولي على تدمير البنية التحتية العسكرية السورية، بما يضعف في النهاية القدرة العسكرية لسوريا ويحقق التغيير الديموغرافي ويجعل من إسرائيل في النهاية هي الرابح الوحيد”.

وختم بالقول في تصريح تلفزيوني: “إن المرحلة حاليًا في سوريا وصلت بين إسرائيل وإيران إلى تنافس، لكنه بلغ حد الصدام”.

وهو ما يدفع تل أبيب إلى تقليم أظافر طهران في دمشق التي تريد مد النفوذ الفارسي في المنطقة، بينما إسرائيل هدفها السيطرة على خيرات المنطقة وتعبيد الشعوب، كما قال.

والضربات الإسرائيلية على مواقع إيران وبرامجها الصاروخية في سوريا، تنظر إليها تل أبيب على أنها أبطأت من ترسيخ طهران قدمها أكثر في هذا البلد.

 لذا لا تزال تحدث الضربات على إيران صدى في الداخل الإسرائيلي، لكونها تسير في طور منع طهران من بناء ترسانة أسلحة متطورة، من الممكن أن يصل مداها إلى تل أبيب.