أثارت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الكيان الصهيوني في منزل وزير الدفاع بيني غانتس عاصفة كبيرة لكليهما، ويبرر عباس ومساعدوه الزيارة بأنها كانت تحذيرًا أخيرًا لإسرائيل، وذلك قبل أن تنفجر الأمور بسبب عنف المستوطنين و  غياب أي أفق سياسي للفلسطينيين.

في خطوة جريئة أسفرت عن انتقادات حادة من جميع الأطراف، وافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس على دعوة من وزير دفاع الكيان الإسرائيلي بيني غانتس لزيارته في منزله جنوب تل أبيب يوم 28 ديسمبر. وأثار الاجتماع انتقادات موجهة لكل من غانتس من رئيس وزرائه، وعباس من مجموعة واسعة من القادة الفلسطينيين.

لكن حسين الشيخ، الفلسطيني الرئيسي المسؤول عن الاتصال بالإسرائيليين، أوضح في تصريح أن الهدف من الزيارة هو تحذير أخير موجه للكيان الصهيوني. وقال الشيخ: “أوضح الرئيس عباس لغانتس أننا نشهد الفرصة الأخيرة قبل وقوع الانفجار، وأنه بدون صيغة سياسية يمكن أن ينفجر الوضع بسهولة”.

 في حين أسفرت الزيارة عن إنقاذ مالي للحكومة الفلسطينية التي كادت أن تفلس، وكذلك حدث ارتفاع ملحوظ في حالات لم شمل العائلات والتصاريح لرجال الأعمال الفلسطينيين لدخول فلسطين المحتلة، وأصر الشيخ في مقابلته الصحفية على أن الجزء الأكبر من الاجتماع الذي استمر ساعتين ونصف، كان يركز على القضايا السياسية والحاجة إلى إحياء العملية السياسية.

يدعي الشيخ أن ما قاله عباس هو صورة طبق الأصل لما يقوله الأمريكيون لنظرائهم الإسرائيليين؛ “ما قلناه هو أيضًا ما يقوله الأمريكيون للإسرائيليين، فبدون عملية سياسية، كل الجهود في خطة اقتصادية وأمنية ستفشل”.

يقول حسين الشيخ إن الجهود الإسرائيلية، التي تدعي تحسين الظروف المعيشية، ما هي إلا جهود “تجميلية” لن تكون مفيدة. ويبدو أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس متفق مع هذا الكلام، وكان قد غرد بشكل إيجابي حول هذا الاجتماع قائلًا إن  “الولايات المتحدة سعيدة للغاية باستضافة وزير الدفاع غانتس مع رئيس السلطة الفلسطينية عباس في منزله في إسرائيل. نأمل أن تؤدي إجراءات بناء الثقة التي تمت مناقشتها إلى تسريع الزخم لزيادة تعزيز الحرية والأمن والازدهار للفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء في عام 2022 “.

لكن حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، قال إن مثل هذه الزيارة غير مقبولة سواء على صعيد الجبهة الشعبية أو على مستوى الفصائل، واصفًا إياها بأنها “استمرار” لمسار التعاون الفاشل مع المحتلين، وأضاف أنهم ضد هذه الزيارة من حيث المبدأ، بالإضافة إلى أن توقيتها يأتي بعد زيادة هجمات المستوطنين ضد شعبنا في الضفة الغربية، وقال إن هذه الهجمات يحميها جيش الاحتلال الصهيوني بقيادة المجرم غانتس.

 وقال بدران الذي يتخذ من قطر مقرًا له، إن الاجتماع يعزز التعاون الأمني ​​مع المحتلين. وأضاف أنه “هناك اعتداء شرس على سجنائنا ذكورًا وإناثًا، وهذه الزيارة تعزز التنسيق الأمني ​​مع المحتلين، وهي تغفل تمامًا عن المعارضة الموحدة من قبل شعبنا لهذا التنسيق”.

 وقال حسن عصفور، أحد قادة المعارضة المحسوب على زعيم فتح السابق محمد دحلان، لقناة الغد ومقرها لبنان، إنه يتعين على الفلسطينيين مقاطعة اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني المقبل، ومن يحضر ذلك الاجتماع فهو شريك في محاولة تهويد القضية الفلسطينية التي تم وضع أسسها في اجتماع رأس العين.

 وقال عصفور، أحد مهندسي اتفاق أوسلو، إن اللقاء “يساوي بين المقاومة الوطنية الفلسطينية والعنف الشعبي والإرهاب”. ومن المنتظر أن ينعقد المجلس المركزي في مارس المقبل.

لكن مراقبًا إسرائيليًا للصراع في الشرق الأوسط يقول إن الاجتماع يساعد في إعادة تقديم عباس للإسرائيليين كمصدر للاستقرار.

 قال عوفر زالزبرغ، مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد هربرت سي كيلمان في النمسا، إن الزيارة تأتي بعد سنوات طويلة من الإهمال شبه التام من قبل القادة الإسرائيليين. فأوضح قائلًا: “تبرز السلطة الفلسطينية من جديد بين الإسرائيليين كعنوان فلسطيني للتنسيق المدني والأمني. من السابق لأوانه القول ما إذا كانت الأطراف ستستفيد من هذا التحول للتغلب على العوامل العميقة التي كانت تمنع تقدمًا أكثر طموحًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين ذي الطبيعة السياسية، أو ما إذا كانت ستكتفي بخطوات أضيق موجهة نحو الاستقرار”.

 وعلى صعيد منفصل، أصدرت الخارجية الفلسطينية بيانًا قويًا دعت فيه المجتمع الدولي لتحمل مسؤولية حماية حل الدولتين. قال أحمد الديك، مدير عام وزارة الخارجية، لـ “المونيتور” إن صمت المجتمع الدولي على جرائم المستوطنين الإسرائيليين يصم الآذان، “ندعو اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) إلى عقد اجتماع وزاري فوري وطارئ للإعداد لمؤتمر سلام دولي على أساس الرؤية التي قدمها الرئيس عباس في الأمم المتحدة”.

 في حين أن اجتماع عباس وغانتس قد زعزع الأرض سياسيًا على جانبي الصراع، فمن الواضح أنه ما كان ليحدث لو لم تكن الحكومة الفلسطينية في ضائقة اقتصادية رهيبة. على الرغم من أن عباس كان يعلم مسبقًا أنه سيتعرض للانتقاد، إلا أنه مضى قدمًا في الزيارة. وما تمثله الزيارة هو ضعفه الشخصي والخيارات الصعبة التي تنتظره، حيث أغلقت إسرائيل الخيار السياسي مع موافقة الأمريكيين والعرب على إبقاء النقاشات في القضايا الاقتصادية والأمنية فقط.

 أفضل ما يمكن أن يفعله عباس في مثل هذه الحالة هو جمع أكبر عدد ممكن من الفوائد للفلسطينيين، والتأكد من تلبية الرواتب والأساسيات الأخرى الأساسية لإبقاء حكومته واقفة على قدميها.