منذ سنوات، يلعب مجرم الحرب الليبي، خليفة حفتر، دور المعطل للتحول الديمقراطي في ليبيا، بعد الثورة التي أطاحت برئيس النظام السابق، معمر القذافي. فقد عطل حفتر لسنوات استكمال المؤسسات الدستورية في ليبيا، وعقد انتخابات عامة يختار من خلالها الشعب سلطة تمثله وتخدمه لفترة معلومة، كما هو الحال في النظم الديمقراطية.

حتى إن حفتر، وبدعم من أنظمة الثورة المضادة في المنطقة كمصر والسعودية والإمارات، شن حربًا على العاصمة الليبية، طرابلس، بهدف إسقاط الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا. لكن التدخل التركي، الذي جاء في الساعات الأخيرة، ودعم أنقرة الذي قدمته لحكومة الوفاق الليبية حال دون سقوط العاصمة وسيطرة ممثل الاستبداد في ليبيا، خليفة حفتر.

لكن كما هو معلوم، فإن حفتر ليس وحده في عملية عرقلة ديمقراطية ليبيا. بل إن هناك شبكة مصالح تحيط به، تسانده على المستوى السياسي والقانوني، على رأسها، رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح. ومنذ الاتفاق الذي تم بموجبه استقالة حكومة الوفاق بقيادة، فايز السراج، وفوز حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي تتمثل مهمتها الرئيسية في الوصول إلى انتخابات عامة في البلاد، بات ظهور “حفتر” أقل وحضور “صالح” في المشهد الليبي في تنامي مستمر.

 

المرحلة تتطلب ظهور عقيلة صالح

وحيث إن الحل العسكري في ليبيا صار صعبًا بعد التدخل التركي، بسبب توازن القوى بشكل أو بآخر، باتت الساحة السياسية والدستورية هي المجال الذي يستطيع حفتر وزمرته من خلاله أن يتلاعبوا بالمسار الديمقراطي في ليبيا. لذلك توارى حفتر شيئًا ما، وأصبح قليل الاجتماع بالمسؤولين. وفي المقابل، أصبحت زيارات ولقاءات “صالح” مكوكية.

كما أصبح نشاط صالح في مجلس النواب في تنامي مستمر لعرقلة جهود قوى الثورة في الوصول إلى انتخابات عامة حرة ونزيهة.  وآخر هذه الخطوات هي دعوته لتشكيل لجنة صياغة مسودة دستور، بدل الذي أعدته “لجنة الستين” المنتخبة في 2017، الأمر الذي يُدخل البلاد في نفق سياسي جديد، من شأنه تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لأشهر طويلة.

فمنذ نحو أسبوع، وخلال جلسة لمجلس النواب، شدد عقيلة على ضرورة العمل على “تشكيل لجنة من 30 شخصًا من المفكرين لصياغة دستور توافقي، بدلًا من المضي في دستور مرفوض من شرائح عديدة”، حسب زعمه. وبذلك يفتح “صالح” ملف كتابة دستور جديد للبلاد، بدلًا من المضي قدمًا في الاستفتاء على الدستور بشكل مباشر. وبالتبعية، فإن ذلك سيؤجل الانتخابات لمدة غير محددة.

 

مشكلة جنسية حفتر الأمريكية مع الدستور

وقبل أن يكون لتصريح “صالح” بشأن الدستور الجديد تأثير سلبي، فإنه افتئات على الشرعية الدستورية التي مررت هذا المشروع للاستفتاء بأغلبية الثلثين. ففي فبراير/ شباط 2014، انتخب الليبيون 60 عضوًا في هيئة تأسيسية لصياغة الدستور، لقبت بـ”لجنة الستين”، وفي يوليو/ تموز 2017، اعتمدت اللجنة بأغلبية الثلثين مشروع الدستور. 

وبدلًا من إصدار مجلس النواب لقانون الاستفتاء وإحالته على المفوضية العليا للانتخابات، لبدء إجراءات التحضير للاستفتاء على الدستور، سعى لعرقلة الاستفتاء بكل السبل. ومن بين هذه العراقيل كان إصدار قانون الاستفتاء بشكل تخالف بعض مضامينه مشروع الدستور، بحيث اشترط حصول الدستور على أغلبية 50 بالمئة +1 في كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان)، وإلا فلن يتم اعتماده.

لكن الواضح أن الهدف الحقيقي لمجلس النواب الذي يترأسه “صالح” هو الحيلولة دون إقرار هذا الدستور بكل السبل المشروعة وغير المشروعة، ذلك أن الدستور يتضمن مادة تمنع مزدوجي الجنسية من الترشح لرئاسة الجمهورية الليبية. وهذا ما يعارضه حفتر لأنه سيدمر حلمه في الوصول لرئاسة ليبيا، بسبب امتلاكه جنسية أمريكية بجانب الليبية.

 

مصير مجهول وضبابية مقصودة

بدورها، عارضت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الدعوة التي أطلقها “صالح”، وبدا موقفها متوقَّعًا إذ تشكل دعوة عقيلة، انقلابًا على هيئة دستورية منتخبة أنجزت مهمتها، وتنتظر ثمار أكثر من 3 أعوام من العمل في ظروف صعبة. وأكدت الهيئة في بيان أن دعوة صالح إلى تشكيل لجنة أخرى لصياغة دستور توافقي، ستجر البلاد إلى مزيد من التأزم.

وقال رئيس الهيئة، الجيلاني أرحومة، إن “القول الفصل في المسار التأسيسي هو للشعب الليبي من خلال الاستفتاء فقط، بالتالي تصرف عقيلة هذا يمثل وصاية على الشعب الليبي”. وبدورها قالت عضو هيئة الدستور، نادية عمران، “إن كل ما يجري يصب في إطار المماطلة وإضاعة الوقت للاستمرار في السلطة، ومنع إقرار دستور وإجراء انتخابات استنادًا على نصوصه وبناء دولة القانون والمؤسسات”. وشددت على أن “ما قاله عقيلة صالح يمثل رأيه الشخصي فقط، وأنه لا يملك حقًا قانونيا لإصدار أي إجراء أو تغيير أي شخص”.

 

افتعال الأزمات لصالح حفتر

وبالرجوع قليلًا إلى الوراء، يتبين مقدار الجرم الذي يمارسه عقيلة صالح. حيث إن لجنة الستين التي أقرت مشروع الدستور الجاهز للاستفتاء كانت قد مُنحت عامًا لإنجاز مشروع الدستور، لكنها لم تستكمله إلا بعد مرور نحو 3 أعوام ونصف، وإلى اليوم لم يتم الاستفتاء عليه، الأمر الذي يؤكد الاعتقاد أن لجنة الثلاثين المقترحة قد تستغرق هي الأخرى سنوات لإعداد مسودة الدستور، حتى ولو منحت مهلة أسابيع أو أشهر لإنجازها.

ويتحدث كثير من الليبيين أن عقيلة صالح نفسه يرغب في افتعال الأزمات ليس لصالح حفتر فقط، بل لمصلحته الشخصية كذلك. حيث يسعى مجلس النواب إلى تمديد ولايته لأطول فترة ممكنة، من خلال اختلاق قضايا هامشية، بدل التركيز على إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.

وما يؤكد ذلك هو أن لجنة إعداد خارطة الطريق التابعة للبرلمان، لم تحدد حتى اليوم موعدًا للانتخابات، بعد فشل إجرائها في 24 ديسمبر الماضي، واستحالة إجرائها يوم الإثنين المقبل، كما اقترحت مفوضية الانتخابات.