العدسة_ مؤيد كنعان
مع استمرار البحث في دول الرباعية بمساعدة أمريكية وغريبة على حلول للخروج من أزمة قطر بأقل الخسائر لجميع الأطراف، يمكن التغاضي عن كل الاتهامات التي وجهتها تلك الدول للدوحة، غير أن ثمة أمرًا لا يزال يشكل أداة ضغط خليجية جيدة على قطر، وتتوقف فعاليتها على الموقف الأمريكي منها..
وعندما نقول الموقف الأمريكي، فإننا نتحدث عن موقف دولة المؤسسات الأمريكية، لا سيما وزارة الخارجية والبنتاجون، وليس الرئيس دونالد ترامب.
هذا الأمر هو مكتب طالبان في قطر، والذي تم إنشاؤه في 2013 بطلب من حكومة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وبتأييد الحكومة الأفغانية، وكانت مهمة هذا المكتب أن يعمل على إشراك ممثلي طالبان في محادثات لتحقيق السلام في أفغانستان.
مراقبون يرون أن الإنجازات الميدانية الحقيقية للمكتب، لا سيما خلال الشهور الماضية، لا تكاد تذكر، مع استمرار هجمات طالبان على الجنود الأفغان وبقايا الأمريكيين، لكن وجود المكتب كمتنفس تفاوضي وقت اللزوم هو أمر استراتيجي شديد الأهمية، كي لا تُسَدَّ أمام طالبان كل المنافذ، حتى أضيقها.
الحسابات الانتخابية لترامب
ما سبق كان الحسابات الاستراتيجية، لكن الحسابات الانتخابية للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لها رأي آخر، حيث يصرّ ترامب على محو كل شيء فعله سلفه أوباما، ومن ضمن ذلك إنجاز افتتاح مكتب لطالبان في قطر.
هذه الحسابات “الترامبية” كانت تكئة مهمة لدول الرباعية (دول الحصار) في مسألة التصعيد ضد قطر، في الأساس يرى محللون أن الأزمة الخليجية القطرية اندلعت فقط على أساس الحسابات الانتخابية الضيقة لـ “ترامب”…
وهو ما فسّر عدم تساوق مؤسسات الدولة الأمريكية مع الأزمة، بل ووقوف الخارجية الأمريكية في صف مناهض تمامًا للموقف السعودي الإماراتي المصري البحريني، وحديثها الأخير عن أن قطر فعلت ما عليها، ويجب رفع الحصار عنها.
ترامب
باراك أوباما
الأمير تميم
زعيم طالبان هيبة الله أخونزاده
ترامب يريد الإغلاق
في سبتمبر الماضي، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضغط على نظيره الأفغاني أشرف عبد الغني لإغلاق مكتب حركة طالبان في قطر، والذي كان قناة للحوار لأكثر من ستّ سنوات، وفقًا لعدة مصادر مطلعة على المناقشات بين البلدين.
ووفقا للصحيفة، ترى القيادة الأفغانية أن الوفد غير الرسمي لحركة طالبان والذى يبلغ قوامه 36 فردًا في الدوحة، ويطلق عليه الطالبان “مكتبه السياسي”، لم يقدم أي شيء لتسهيل محادثات السلام، وإنما يضفي فقط شرعية سياسية على الحركة.
وقالت المصادر إن ترامب يعارض بقاء مكتب طالبان بقطر لعدة أسباب، فهو يراه كمبادرة فاشلة من جانب سلفه باراك أوباما لم تؤدِّ إلى مفاوضات السلام التي كان يأمل بها.
وعندما جاء الأمير “تميم” إلى نيويورك، الشهر الماضي، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ظهرت تأكيدات بأن الأمير القطري قد تحدث مع “ترامب” عن مكتب طالبان.
ترامب أم المؤسسات؟
هنا يَكْمُن جزء مهم من الحكاية.. هل طلب ترامب من تميم إغلاق المكتب؟ وهل يملك تميم الرفض إذا كان الطلب صريحا على النحو السالف ذكره؟ أم أن المؤسسات الأمريكية المهتمة بهذا التطور والمعنية به (البنتاجون والمخابرات المركزية ووزارة الخارجية) قد أوعزت إلى الأمير القطري بتجاهل مطلب ترامب، وهو ما ظهر في عدم إغلاق الدوحة المكتب حتى الآن؟.
واقعيًا، يعلم الأمريكيون أن أية خطة لإحلال السلام في أفغانستان لن تنجح دون أن تكون “طالبان” جزءًا منها، لهذا فإن إغلاق مكتبها في الدوحة سيكون بمثابة سد لآخر منفذ هواء بسيط في العلاقة بين العالم وتلك الحركة.
مقاتلين طالبان
منافذ أخرى
بالإضافة إلى ذلك، يتوقع أن تبادر دول أخرى لاستضافة مكتب لـ “طالبان”، ولا ننسى أن الصين، على سبيل المثال، تتمتع بعلاقات جيدة جدا مع طالبان، ولا ننسى زيارة وفد من الحركة الأفغانية إلى الصين في يوليو 2016، بل وطلبها وساطة بكين في الأزمة الأفغانية.
هناك أيضا باكستان، التي لا تزال ملجأً فكريًا واستراتيجيا مهما لـ “طالبان”، وروسيا، التي يمكن أن تستضيف الحركة نكاية في واشنطن، وأيضا إيران التي أثبتت أنها ماهرة في هذا النوع من المكايدات كذلك..
من هنا فإن خيار قطر بالنسبة للأمريكيين يعد أفضل من الخيارات الأخرى.. وهذا ربما ما يدفع مؤسسات الدولة الامريكية إلى تبني هذا الموقف..
من ناحية أخرى، يوقن الأمريكيون أنه ليس من الجيد أن يتم تجريد قطر من كافة إمكاناتها الدبلوماسية في مناطق العالم الحساسة الآن، فهذه الإمكانات حافظت لواشنطن على تواجد وتموضع جيد من تلك الأحداث.
جسر دبلوماسي
يرى المحلل جورجيو كافييرو، مدير معهد دراسات دول الخليج والكاتب بمجلة ناشيونال انترست ومعهد الشرق الأوسط، أنَّ واشنطن استخدمت قطر كجسر دبلوماسي بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أو في الشرق الأوسط من جهةٍ والجهات الفاعلة غير الحكومية من جهة أخرى في بعض الأحيان، عندما لم يكن الاتصال المباشر قابلًا للتطبيق لأسباب سياسية أو قانونية.
وعلى سبيل المثال، والكلام لـ “كافييرو”، ساعدت الدبلوماسية القطرية خلال الحرب بين “إسرائيل” وحماس، عام 2014، على الوصول إلى موافقة الطرفين على وقف لإطلاق النار، الأمر الذي خدم المصالح الأمريكية، في الوقت الذي منع فيه القانون الأمريكي واشنطن من إشراك حماس في المفاوضات بشكل مباشر.
وفد حماس فى قطر 2014 – صورة أرشيفية
أيضًا، وفي العام نفسه، لعبت الدوحة دورًا محوريًا في إقناع جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة، بالإفراج عن “بيتر ثيو كورتيس”، وهو صحفي أمريكي احتجزته الجماعة كرهينة في سوريا، عام 2012، وقامت قطر بتنسيق المفاوضات التي أدّت إلى عملية “طالبان 5” لتبادل الأسرى، التي أمّنت الإفراج عن الجندي الأمريكي “بو بيرغدال” مقابل 5 من قادة طالبان تمّ الإفراج عنهم من سجن جوانتانامو.
في النهاية، فإن عدم استجابة القطريين لمطلب ترامب ورغبته في إغلاق مكتب طالبان، هو دليل جديد على أنّ الدوحة باتت تؤدّي بمهارة كبيرة في أحد أبرز أركان ملعب الأزمة بينها وبين دول الحصار، وأنها ستظلّ في تموضعها كجسر دبلوماسي بين القوى العظمى والجماعات المعارضة الصغرى، وهو أمر مهم في تحقيق توازن عالمي يمنع انفجارات ضخمة.
اضف تعليقا