خلال حملته الانتخابية، تعهد جو بايدن بأن الولايات المتحدة ستلقن الحكام المستبدين درساً قاسياً من خلال معاقبة المملكة العربية السعودية المتورطة في ارتكاب عدد لا حصر له من انتهاكات حقوق الإنسان.
في مناظرة عام 2019، ظهر بايدن وكأنه يدرك الخطر الذي يشكله ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لذلك قال تصريحه الشهير “سنجعلهم يدفعون الثمن، سنجعلهم منبوذين”، في إشارة للمملكة وحاكمها الفعلي.
شعارات جوفاء
قبل تولي بايدن الرئاسة، كان موقف بن سلمان لدى الإدارة القديمة [إدارة ترامب] قوي، كان مرحب به على كافة الأصعدة الرسمية، خاصة خلال عامي 2017 و2018، حين استطاع الأمير الشاب اقناع قادة الفكر الأمريكيين بأنه سيقوم بتحديث المملكة المحافظة الخانقة.
لكن ولي العهد سرعان ما أصبح أحد أكثر قادة العالم وحشية، كان اغتيال الكاتب الصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي عام 2018 خير مثال على أن محمد بن سلمان موجود للقمع لا للإصلاح، حتى قبل تلك الجريمة الوحشية، تراكمت تجاوزات محمد بن سلمان: اختطاف رئيس الوزراء اللبناني، واحتجاز وابتزاز أعضاء النخبة السعودية، تزايد القمع للمدافعين عن حقوق الإنسان؛ إذ تسارعت وتيرة اعتقال المنتقدين منذ ذلك الحين، بما فيهم ناشطات حقوق المرأة، بالإضافة إلى ذلك، فإن محمد بن سلمان مسؤول أيضاً عن جرائم حرب محتملة في الحملة العسكرية المستمرة في اليمن.
منذ توليه منصبه، قال بايدن إن “حقوق الإنسان ستكون مركز سياستنا الخارجية”، خطابه كان يبشر بأن سياساته ستكون متناقضة مع سياسات الرئيس دونالد ترامب وصهره، كبير مستشاري الشرق الأوسط غاريد كوشنر، الذين كانوا دائماً أبرز داعمي محمد بن سلمان من خلال الحفاظ على علاقة وثيقة معه (كان بينهم رسائل عبر واتساب بانتظام).
قال ترامب صراحة إن البيت الأبيض سيعطي الأولوية لمبيعات الأسلحة للسعودية، وبخلاف الإدارات السابقة، نادرا ما نطق بكلمات “حقوق الإنسان”.
بعد مرور عام على فوز بايدن، حافظ الرئيس الأمريكي الجديد على عدم الإشادة الصريحة بمحمد بن سلمان مثل ترامب، لكنه لم يفعل الكثير لوقف وحشيته.
قال نبيل خوري، الدبلوماسي الأمريكي السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط: “العلاقة مستمرة كما كانت من قبل… جاء بايدن بوعد بمراجعة العلاقة مع المملكة العربية السعودية بشأن مسألة اليمن وانتهاكات حقوق الإنسان، بدءًا من مقتل خاشقجي، لكن لم يتم اتخاذ أي خطوات عملية لذلك”.
نهج منتصف الطريق
منذ رئاسة روزفلت، كانت المملكة العربية السعودية شريكاً مهماً للولايات المتحدة، إنها منتج رئيسي للطاقة وموطن لأهم موقعين في الإسلام، وعلى مدى عقود، قدمت أمريكا ضمانات أمنية للمملكة، في المقابل، اعتمدت الولايات المتحدة على المملكة العربية السعودية كثقل موازن لإيران في الشرق الأوسط، وشريك استخباراتي ضد الجماعات الإرهابية، ومستثمر مهيمن لديه صندوق ثروة سيادية هائل لكن عناد محمد بن سلمان وضع العلاقة على المحك.
دانيال بنعيم، دبلوماسي بارز في الشرق الأوسط، انتقد النهج الأمريكي الحالي المتبع مع المملكة العربية السعودية رغم كل وعود وتعهدات بايدن، خاصة بعد تصريحات منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط بريت ماكغورك الذي أكد فيها أن “الإدارة تركز على العودة إلى السياسات السليمة التي يمكن التنبؤ بها وفن الحكم السليم”.
من ناحيته، يرى وزير الخارجية أنطوني بلينكين أن الشراكة مع المملكة العربية السعودية “شراكة مهمة وحيوية، ومن حيث التعامل مع بعض أهم التحديات التي نواجهها، والتي نقدرها كثيرًا”، في حين قال متحدث باسم وزارة الخارجية إنا لوزارة تدافع عن حقوق الإنسان بينما تعزز التعاون الأمني مع المملكة.
بشكل عام، استجابت إدارة بايدن لمحمد بن سلمان بنهج يُبقي مخاوف حقوق الإنسان خلف الأبواب المغلقة، وذلك لأن، كما يقول المستشارون، العلاقة مع المملكة العربية السعودية جزء لا يتجزأ من سياسة الولايات المتحدة.
بعد شهر من توليه منصبه، قطع بايدن علاقته بترامب برفع السرية عن تقرير أصدرته وكالات الاستخبارات عن خاشقجي، وأظهر بشكل لا لبس فيه أن محمد بن سلمان كان مسؤولاً عن مقتل الصحفي السعودي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.
كنتيجة للتقرير، أعلن بلينكن عن إصدار قانون جديد يُسمى “حظر خاشقجي”، والذي بموجبه سيمنع عملاء الحكومة الذين يستهدفون المنشقين من دخول الولايات المتحدة.
كانت خطوة جيدة، لكن بايدن لم يستكملها، وبالرغم من أنه تم تنفيذ الحظر الرسمي ضد 76 سعودياً، لكن ظل ولي العهد السعودي في مأمن من أي عقوبة.
يقول النقاد إن المساءلة الحقيقية كانت تعني وضع محمد بن سلمان على قائمة الممنوعين، وبالرغم من أن محمد بن سلمان لم يزر الولايات المتحدة منذ ترامب، إلا أن هذا يتعلق بسياسة ضمنية لإبعاده، وليس إعلانًا رسميًا بأنه محظور، خاصة وأن شقيقه، الأمير خالد، والذي ورد أنه شارك في عملية خاشقجي، قام بزيارة البيت الأبيض بهدوء في يوليو/تموز الماضي.
إبان حملته الانتخابية، قال بايدن إنه سيتوقف عن دعم الحرب في اليمن، والتي تسببت في مقتل أكثر من 375 ألف بحلول نهاية العام الماضي، في الحرب التي بدأت منذ عهد أوباما في 2014، بالرغم من ذلك لا تزال الإمدادات العسكرية الأمريكية تجد طريقها للسعودية، والتي بدورها تستخدمها ضد المدنيين في اليمن.
يود المدافعون عن حقوق الإنسان أيضاً أن يروا إدارة بايدن تتخذ إجراءات أكثر جرأة ضد المملكة الخليجية، مثل فرض عقوبات على محمد بن سلمان ودائرته الداخلية وإنهاء الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين.
اقترح النشطاء أيضاً العمل مع المجتمع الدولي لتجميد الأصول وفرض حظر سفر واسع النطاق، وحثوا الشركات الأمريكية على التوقف عن العمل مع صندوق الاستثمار العام التابع لمحمد بن سلمان.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا