يمارس الاحتلال الإسرائيلي إرهابًا متعمدًا على كل مخالف أو مكافح له أيًا كانت جنسيته، وذلك عبر رميه بتهمة “معاداة السامية”. ومعاداة السامية كلمة فضفاضة غير محددة المعنى، ولذلك يسهل على أتباع الاحتلال الإسرائيلي -سواء من الصهاينة اليهود أو صهاينة العرب- نعت كل من يعارض السياسات الإحلالية الإسرائيلية بأنه “معادٍ للسامية”.

كذلك، فإن التهمة غير واقعية، وخصوصًا عندما يتم إطلاقها ضد العرب. فالشعوب السامية هي الشعوب التي يعتقد أنها من نسل سام بن نوح (عليه السلام) والتي سكنت فلسطين والأراضي المجاورة مثل اليهود والكنعانيين والعموريين والمؤابيين والآشوريين والعرب والأراميين والكلدان والأنباط. 

وبالتالي، فإن العرب ذاتهم هم من الشعوب السامية، فكيف يُعادي العرب أنفسهم! لكن اليهود يحاولون إبقاء هذا المصطلح خاصًّا بهم، لأن ذلك يساعدهم على إبقاء فكرة الاضطهاد التي رسموها في عقول الآخرين حية ومتجددة مع الوقت.

 

تهمة جاهزة لكل معارض

وكما أن الأنظمة العربية المستبدة -خصوصًا في مصر والسعودية والإمارات- تستخدم تهمًا فضفاضة للعصف بمعارضيها كتهمة “تكدير السلم العام” و”السعي لتغيير نظام الحكم” و”معاداة الدولة”، فإن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم تهمة “معاداة السامية” ضد كل من يعارض الاضطهاد الصهيوني للشعب الفلسطيني. وآخر من نالته هذه التهمة الإسرائيلية هي منظمة العفو الدولية.

حيث أصدرت المنظمة تقريرًا مؤخرًا اتهمت فيه “إسرائيل” بممارسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، إن التقرير يوثق “كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية، تُشكّل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي”.

وأضافت: “يتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلًا عنصريًا وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها”، داعية المحكمة الجنائية الدولية إلى “النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.

كما أشارت كالامار إلى “الحكومات التي تواصل تزويد “إسرائيل” بالأسلحة وتحميها من المساءلة في الأمم المتحدة” مؤكدة أنهم يساندون نظام فصل عنصري يقوض النظام القانوني الدولي، ويفاقم معاناة الشعب الفلسطيني”.

 

خوف الاحتلال من الرأي العام العالمي

وما يؤكد أن الرأي العام العالمي هو عامل مهم بالنسبة لدولة الاحتلال، هو أنها لم تتحمل تقرير منظمة العفو الذي وصفها بأنها “دولة فصل عنصري”. وأصدرت وزارة الخارجية في حكومة الصهاينة بيانًا أعربت فيه عن رفضها القاطع لما زعمت أنه “ادعاءات كاذبة وردت في تقرير منظمة العفو الدولية”.

وادعت قائلة: “يقوم التقرير بإعادة تدوير الأكاذيب والتناقضات والمزاعم التي لا أساس لها من الصحة الصادرة عن منظمات الكراهية المعروفة بمناهضة إسرائيل، وكل ذلك بهدف إعادة بيع البضائع التالفة في عبوات جديدة”، ومضيفة أن التقرير ينفي “حق دولة إسرائيل في الوجود كدولة قومية للشعب اليهودي. صُممت لغته المتطرفة وتشويه السياق التاريخي لإضفاء الشيطنة على إسرائيل وصب الوقود على نار معاداة السامية”.

 

صهاينة العرب يرددون كلام أسيادهم

ورغم تفاهة تهمة “معاداة السامية” وعدم منطقيتها، إلا أن الصهاينة العرب المطبعين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي والمتحالفين معها بدأوا في ترديد هذا الادعاء الإسرائيلي بالفعل، وضد عرب مثلهم. ففي التاسع من يوليو/تموز من عام 2017، وجّه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية حينها، أنور قرقاش، رسالة إلى المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد بن رعد الحسين، حول “شبكة الجزيرة الإعلامية” القطرية.

واتّهم قرقاش في رسالته “الجزيرة” بـ”ترويج الخطاب المتطرف، والإقدام على العداء والعنف والتمييز، ومعاداة السامية، والدعم التحريري المستمر للجماعات الإرهابية، والترويج على الهواء للطائفية”. وادّعى قرقاش أن اعتراضات الإمارات العربية المتحدة المقدمة ضدّ “الجزيرة” هي رد على تحريض القناة.

علاوة على ذلك، شاركت في أول مؤتمر على الإطلاق للحكومة الأمريكية يركّز على مكافحة معاداة السامية على الإنترنت، الذي عقدته إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب. وشارك في المؤتمر عضو المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، علي النعيمي، جنبًا إلى جنب مع رئيس الحكومة الصهيونية في وقتها، بنيامين نتنياهو، والوزيرة الإسرائيلية، أوريت فركاش هكوهين.

 

ابن سلمان يتبنى رؤية الصهاينة 

كذلك، فإن المملكة العربية السعودية ورغم أنها لم تطبيع بشكل رسمي علني مع كيان الاحتلال، إلا أنها أخذت خطوات أوضحت من خلالها أنها تتبنى الرواية والرؤية الصهيونية، خصوصًا منذ صعود ولي العهد، محمد بن سلمان. فقد نشرت الديلي تليغراف تقريرًا، في أواخر عام 2020، لمراسل شؤون الشرق الأوسط، دافيد روز بعنوان “طفرة في التوجهات السعودية مع حذف معاداة السامية والتشدد الإسلامي من المناهج التعليمية”.

وأشار الصحفي الإنجليزي إلى أن البحث كشف أن الكتب المدرسية التي توزعها الرياض على أكثر من 30 ألف مدرسة في المملكة والخارج خلت من نصوص كانت موجودة في السابق تتضمن الترويج “لنظرية أن اليهود يسيطرون على العالم”، مضيفًا أن “تم استبعاد نصوص تتحدث عن معركة ملحمية في نهاية الزمان والتي “يقتل فيها المسلمون اليهود بعدما تتحدث الحجارة والأشجار”.

وقد علق معهد رقابة التسامح الديني والثقافي في التعليم المدرسي -وهو مركز دراسات مقره في الأراضي الفلسطينية المحتلة مختص بمتابعة الأنظمة التعليمية المختلفة والتغيرات التي تطرأ عليها- على التطورات في المناهج السعودية. حيث قال إنه “رغم أن السعودية ليست بين الدول التي طبعت علاقاتها رسميًا مع إسرائيل إلا أن التغيير الذي جرى في المناهج هو جزء من تغيرات وتوجهات أعم في المملكة تسمح بوجود مدخل لقبول علاقات دائمة مع اليهود والقبول بوجودهم في المنطقة”.