“لم أعد أعرف من أكون بعد الآن… هكذا دفعني تعذيب وكالة المخابرات المركزية إلى حافة الموت” – أبو زبيدة

 

أبو زبيدة، أو زين العابدين محمد حسين -51 عاماً (من عائلة فلسطينية تقيم بالسعودية)، معتقل منذ 20 عاماً داخل سجن غوانتنامو المُدار بواسطة الولايات المتحدة الأمريكية، دون تهمة واضحة حتى الآن، وهو شاهد حي على فظاعة ووحشية أساليب التعذيب المستخدمة من قبل CIA داخل مقار الاحتجاز المختلفة التي تنقل بينها.

اعتقل أبو زبيدة عام 2002، وبعد أربع سنوات نُقل إلى غوانتانامو -حتى الآن- ورغم طول مدة احتجازه، لا يزال يتذكر تفاصيل التعذيب الذي تعرضه له فور اعتقاله على يد CIA وبعد انتقاله لغوانتنامو.

خلال لقاءاته الشخصية بمحاميه، وفي كتاباته ورسوماته داخل المعتقل، سرد أبو زبيدة تفاصيل مروعة لأساليب التعذيب التي مورست ضده أثناء احتجازه في “المواقع السوداء السرية” لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تايلاند وبولندا ودول أخرى.

مما ذكر أنه في شهر واحد فقط، أغسطس/آب 2002، تعرض للتعذيب الوحشي بالماء المعروف باسم الإيهام بالغرق 83 مرة، وبحسب ما وصف، فهي شكل من أشكال الغرق، يُسمى “السرير المائي”.

نُشرت تفاصيل تعذيب أبو زبيدة لأول مرة عام 2019 في إصدار بعنوان “كيف تُعذب أمريكا” من قبل مركز السياسات والبحوث في كلية سيتون هول للحقوق حيث يعمل مارك دينبو، أحد محامي أبو زبيدة، كأستاذ فخري.

في هذا المقال، تنشر صحيفة الغارديان نسخة منقحة من تلك الرواية عن التعذيب الذي تعرض له أبو زبيدة، بكلماته ورسوماته:

وجدت نفسي مقيداً بالسلاسل في سرير فولاذي في غرفة بيضاء، وبمجرد ما بدأت في الاستسلام للنوم، تم إلقاء كمية صغيرة من الماء على وجهي لأستفيق بسرعة، حيث كان الجو باردًا وتم أخذي على حين غرة، نظرت حولي، ولكن لم يكن هناك أحد.

فجأة رأيت جسماً أسود يحمل خزان مياه يقف خلف قضبان الزنزانة، تم إلقاء الماء علي مرة أخرى، قلت، “مرحبا، ما خطبك؟” تبين أن هذا الجسم الأسود هو رجل يرتدي ملابس سوداء، وكان وجهه مغطى وعيناه مغطاة بما يشبه نظارات الغوص السوداء، أغمضت عيني من شدة التعب والإنهاك، لكن الحارس ذو الملابس السوداء عاود إلقاء الماء تجاهي مرة أخرى.

لقد مُنعت بشكل قاطع من النوم ولو لحظة، كلما أغمضت عيني أو غفوت، يقوم الحارس بإلقاء الماء تجاهي، رغم برودة الجو التي تسببت مع المياه في أن أرتجف بشدة.

كان الصوت مرتفعاً جداً داخل الزنزانة ولم أستطع تقريباً سماع أي شيء آخر، دخل شخصان وجلسوا على كرسيين قريبين من بعضهما البعض، كانا يحملان دفاتر وأقلام وبدأوا جولة من الاستجواب، عندما أدركوا أنني كنت أرتجف بشدة من البرد ولم أعد قادراً على التحدث، غطوا صدري بمنشفة وبدأوا في استجوابي مرة أخرى.

ضحكت وقلت: أولا أنا لست من القاعدة.

قالوا “لا تذهب إلى هناك”…. رددوا هذه العبارة ألف مرة قبل أن يوقفوا التعذيب.

خلال ذلك الوقت، وصلت إلى مستوى من الإرهاق النفسي والعصبي والجسدي، لدرجة أنني لولا حماية الله لكان من الممكن الإعلان رسمياً بأنني مصاب بالذهان.

في اليوم التالي خفضوا درجة الحرارة في الغرفة بشكل حاد، تناوبوا عليّ لحرماني من النوم، ودون أي طعام ولا شراب، مع تركي عاري بصورة كاملة.

تم تقييدي بالسرير لمدة ثلاثة، ربما أربعة أو أكثر، مرة واحدة فقط قاموا بتعديل وضعي قليلاً عندما أصبحت غير قادر على التحدث من الألم في ظهري وتيبس فخذي المصاب [أصيب أبو زبيدة أثناء القبض عليه عام 2002].

بعد فترة تقييدي بالسرير، أجلسوني على كرسي بلاستيكي وأنا عارٍ تمامًا وقيدوني بشدة بالسلاسل، كنت أتبول في علبة خاصة، لكن السلاسل كانت ضيقة جدًا لدرجة أنني وجدت نفسي في كثير من الأحيان أتبول بصورة عشوائية وعلى الضمادات التي كانت ملفوفة حول فخذي الأيسر المصاب.

في بعض الأحيان كانوا يتركونني لعدة أيام متتالية على الكرسي، حُرمت من النوم لفترة طويلة، لا أعرف كم المدة تحديداً، ربما أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر. شعرت وكأن هذه الحالة أبدية لدرجة أنني استسلمت للنوم على الرغم من إلقاء الماء علي من قبل الحارس الذي كان يهزني باستمرار لإبقائي مستيقظًا، لم أستطع النوم ولو لثانية واحدة.

لقد اعتدت على الاهتزاز تمامًا كما اعتدت على الماء الذي يلقي علي، لذلك تمكنت من النوم لثوان معدودة، ما جعلهم يلجأون للوقوف على قدمي لمنعي من النوم.

وجدت نفسي أثناء جلسات الاستجواب أنام لمدة ثانيتين أو ثلاث ثوانٍ، وقد بذلوا قصارى جهدهم لإيقاظي عن طريق سكب الماء علي، أحيانًا لا أستيقظ، فيجبرونني على السير على رجلي المصابة، فأسقط ثم يعيدونني إلى الكرسي ويستأنفون الاستجواب.

لا أعرف كم من الوقت الذي كنت فيه مقيداً بالسلاسل في الكرسي، أعتقد ستة أسابيع، ولكني لا أستطيع أن أكون دقيقاً، خلال ذلك الوقت، بدأوا في السماح لي بالنوم قليلاً بعد أن بدأت الهلوسة وأصبح كلامي وسلوكي مرتبكًا.

نصف ما كان يحدث لي كان نتيجة الانهيار والنصف الآخر كان نتيجة ترك نفسي أنام، كنت أرفض فتح عيني ليس لأنني أردت أن أتحداهم، ولكن لأنني كنت أتمنى أن أسمح لنفسي بالدخول في حالة النعاس هذه، كنت أرغب في النوم لثانية واحدة جميلة قبل أن يدركوا أنني نائم، كنت أنام لثانية واحدة، ثم أستيقظ لثانية أخرى، ثم أنام مرة أخرى وأستيقظ من جديد، لقد وقفوني، نمت مرة أخرى، تمشوا معي في الزنزانة، نمت بينما كانوا يسحبونني.

ثم جاء الطبيب وأعطاني حقنة ما، بدأ في توجيه إشارات إليهم دون أن يقول أي شيء كما لو كان يحاول إخبارهم: “إنه يحتاج إلى النوم، وإلا فإنه سيصاب بالجنون”.

بعد فترة، استبدلوا جهاز الضوضاء بالموسيقى الصاخبة والغناء، ابتسمت بمجرد حدوث ذلك، قلت لنفسي ربما كانت هذه علامة جيدة، لكن بعد يوم أصبحت واثقًا من أن هذه ليست علامة جيدة، بل علامة على اقتراب الكارثة، الموسيقى الصاخبة والغناء المزعج يؤلمان أذني، كان جهاز الضجيج مرتفعًا، ولكنه رتيب: بوم! بوم! بوم! كانت هذه الموسيقى الجديدة عبارة عن مجموعة ألحان: بوم، ثم زن، ثم ززز ، ثم إززززز.

 شعرت أن عقلي يتحرك صعودًا وهبوطًا، يسارًا ويمينًا، استمرت الأغنية من 5 إلى 10 دقائق وتم تشغيلها مرارًا وتكرارًا، بلا توقف لدرجة أنني خفت أن تنتهي بالصراخ، وجدت نفسي أخيرًا أصرخ معها، بمجرد أن تنتهي الأغنية بالصراخ الطويل، كنت أصرخ بنفسي، كنت أفعل ذلك دون وعي كما لو كان شخص ما ينهار، أردت أن أسد أذني بأصابعي، لكنني لم أستطع لأن يدي كانت مقيدة.

استمر الوضع أيامًا ثم بدأت في الهلوسة، كانت الاستجوابات طويلة وتناوبوا عليّ. حالما انتهى معي اثنان من المحققين بعد ساعات قاسية من الاستجواب، جاء اثنان آخران ليحلوا محلهما.

مع مرور الوقت، أنزلوني من الكرسي وربطوني بقضبان الزنزانة حيث يمكنني التحرك بما يكفي للنوم على الأرضية شديدة البرودة، كانت الأرض شديدة البرودة لدرجة أنني لم أستطع الاستلقاء تمامًا، كل ما أردت فعله هو وضع ظهري أو كتفي على الأرض رغم أنها كانت شديدة البرودة وقذرة جدًا.

توسلت إليهم أن يخبروني بأوقات الصلاة حتى أتمكن من الصلاة، لكنهم رفضوا وسخروا مني، قلت لهم: “افعلوا ما يحلو لكم بي، ولكن لا تسخروا من الأمور الدينية مثل أوقات الصلاة ولحيتي وتغطية الأعضاء التناسلية… هذه أمور دينية ولا يحق لهم الاستهزاء بها”، كانوا يضحكون ويقولون: “ليس لديك أي حقوق على الإطلاق ونحن يحق لنا أن نفعل لك ما يحلو لنا حتى نتمكن من الحصول على معلومات منك.”

ذات يوم جاءت ممرضة بينما كنت أتقيأ على الأرض، قيدني الحراس بالسلاسل إلى كرسي حتى لا أتمكن من تغطية أعضائي التناسلية، قالت لي: لماذا أنت عار؟ قلت: اسأليهم!

في وقت لاحق أعطوني ملابس خفيفة للغاية، قلت لنفسي: “الحمد لله، أنا أخيرًا قادر على تغطية أعضائي التناسلية”، حضر المحققون وبدأوا جلسة استجواب طويلة وقاسية للغاية صرخوا خلالها في وجهي: “المعاملة الجيدة لن تنجح معك… أعطيناك الملابس وأنت لم تتغير”، ثم جاء الحراس وأوقفوني على قدمي، وقاموا برفع يديّ عالياً، ثم غطوا رأسي، بعدها دخل رجل وراح يصرخ بصوت عال ويقطع ملابسي…. شعرت أنه كان يقطع جلدي.

من الصعب جدًا الوقوف لساعات طويلة على قدم واحدة، لا أتذكر كم من الوقت بقيت في وضعية الوقوف، ولكني أعلم أنني فقدت الوعي، أتذكر أنني استيقظت وجسدي ورأسي …. على الأرض ويدي مقيدتان إلى القضبان العلوية، شعرت وكأنهم مشلولون أو مقطوعون، كانت هناك علامات ورم زرقاء أو خضراء… كما تركت السلاسل آثاراً للدم.

جاء الحراس بعد أن لاحظوا لون يدي، هرعوا إلى الداخل ونزلوا بي إلى الكرسي، جاء المحققون واستؤنفت دائرة الاستجواب – البرد والجوع وقلة النوم والقيء الشديد الذي لم أعرف سببه، ربما البرد أو الضوضاء أو السائل المغذي الذي كان في بعض الأحيان هو طعامي الوحيد.

نحن نعيد الكرة مرة أخرى…. سألني المحققون أسئلة حول معرفتي ببعض العمليات [التي تمت] لم أقدم لهم أي معلومة، لم أكن أعرف شيئا…. أعطوا الأوامر للحراس بتقييدي مرة أخرى في وضعية الوقوف وتركوني معلقًا لساعات أو أيام، لم أعد أعرف.

 

يتبع…

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا