العدسة _ منذر العلي
يبدو أن السعودية تهرول حثيثة وبخطوات متسارعة نحو التطبيع الكامل مع الاحتلال الإسرائيلي، بخطوات سرية وأخرى علنية تتبرأ منها دائمًا، على نحو يدفع للتساؤل: متى ستعلن المملكة التطبيع بشكل رسمي؟.
الملف الشائك فتحه من جديد الأمير السعودي المثير للجدل تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، حيث كشف الناشط اليهودي جيفري ستيرن، عن مشاركته في لقاء عقد بمعهد الأمن القومي في مدينة نيويورك الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع مسؤول الاستخبارات الإسرائيلي السابق، “إفريم هيلفي”.
ونشر منتدى السياسة الإسرائيلية تغريدة له قال فيها إن الفيصل يتحدّث لأول مرة في كنيس بأمريكا، وبحث اللقاء برنامج إيران النووي وعلاقات إسرائيل بالدول العربية والحرب على تنظيم “داعش” إضافة إلى القضية الفلسطينية.
ونشر “ستيرن” في تغريدة له على تويتر، الأحد، أن تركي الفيصل تحدث برفقة “هيلفي” المدير السابق للموساد الإسرائيلي في معهد دراسات الأمن القومي بنيويورك.
ونقل ستيرن في تغريدته عن الفيصل قوله، “إنه بأموال اليهود وعقول العرب كل شيء يمكن تحقيقه”.
3 مشاهد تختصر القصة
وبعيدًا عن الممارسات التطبيعية للمعلنة لتركي الفيصل – والتي سنتعرض لها بشيء من التفصيل لاحقًا – فإنّ الصورة ربما لن تكتمل إلا بمشهدين آخرين تزامنًا مع هذا اللقاء غير المسبوق.
ففي 20 أكتوبر الجاري، شارك رئيس أركان الجيش السعودي الفريق عبدالرحمن بن صالح البنيان في مؤتمر كان نظيره الإسرائيلي “غادي آيزنكوت” أحد ضيوفه.
مؤتمر رؤساء أركان جيوش التحالف الدولي ضد “داعش” شمل “آيزنكوت”، على الرغم من أن إسرائيل لا تشارك رسميًا في عمليات هذا التحالف، ولم تُدع لمثل هذه اللقاءات من قبل، إلا أن الجنرال “جوزيف دانفورد”، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الذي يترأس المؤتمر، قرر تغيير القواعد ليتمكن نظيره الإسرائيلي من المشاركة فيه.
الفريق ” عبدالرحمن بن صالح البنيان “
” غادي آيزنكوت “
والرسالة التي أُريد توصيلها أن حضور المسؤول العسكري الإسرائيلي لا غرض منه سوى أن يلتقي نظيره السعودي، على اعتبار أن باقي الدول العربية المشتركة في التحالف تتمتع بعلاقات معلنة مع الاحتلال لا تحتاج لمثل هذا الأمر.
أما المشهد الثاني فكان بطله الأمير الشاب والملك المنتظر محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، حيث قال مسؤول إسرائيلي، رفض الكشف عن اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية إن المسؤول السعودي الذي زار إسرائيل سرا في شهر سبتمبر الماضي هو ابن سلمان.
كما أكد الصحفي الإسرائيلي أرييل كهانا الذي يعمل في أسبوعية “ماكور ريشون” اليمينية القومية، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في سبتمبر، أن ابن سلمان زار إسرائيل مع وفد رسمي، والتقى مسؤولين.
وكانت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية الناطقة باللغة العربية قالت في السابع من سبتمبر “إن أميرًا من البلاط الملكي السعودي زار إسرائيل سرا، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام”.
نفي ” السعودية ” للزيارة
وعلى الرغم من النفي الرسمي الذي أعلنته المملكة، إلا أنّه لم يبدد الشكوك حول قيام “ابن سلمان” بالزيارة فعلًا، خاصة بعدما كشفه المغرد السعودي الشهير “مجتهد” الذي يوصف بأنه قريب من دائرة صنع القرار بالمملكة.
“مجتهد” نشر في يونيو الماضي، تغريدة كشف فيها أن ابن سلمان يوجه بتنفيذ حملة إعلامية وتويترية (عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر) لتهيئة الرأي العام لعلاقات معلنة مع إسرائيل، وأنه رصد مكافأة للإعلامي والمغرد الذي يبدع في هذه الحملة.
متي يعلنوها صراحة؟
وهكذا يبدو أننا أمام 3 مشاهد متزامنة تختصر إلى حد كبير الصورة الكاملة لطبيعة العلاقة بين السعودية وإسرائيل، واللافت أيضًا أنها شملت مستويات ثلاث: سياسية (زيارة ابن سلمان)، وعسكرية (لقاء رؤساء الأركان)، واستخباراتية (لقاء تركي الفيصل).
هذه الصورة تجعل من القرار السعودي بالتطبيع أمرًا محتمًا، لكنها تثير التساؤلات في الوقت ذاته بشأن أسباب التأخير في إعلان هذا القرار على الملأ.
السعودية التي تحتضن الحرمين الشريفين أقدس أماكن لدى المسلمين حول العالم، تتمتع بقيمة روحية ومعنوية كبيرة، فضلًا عن تاريخها وجغرافيتها التي تجعل منها رمزًا مفترضًا لأمة الإسلام، التي لا تزال ترى في الاحتلال الإسرائيلي عدوًا.
” الحرمين الشريفين “
ولهذا كان التمهيد عبر خطوات عديدة، على نحو يدفع في نهاية الأمر إلى تيقن الشعوب العربية والإسلامية بأنّ التطبيع ليس عيبًا لكنه ضرورة مثل أكل الميتة، وتمتلك السعودية آلة فتوى تأتمر بأمر السلطان وتسخر النصوص الدينية لتنفيذ أهدافه وتبرير أفعاله، وليس أدل على ذلك من قضية قيادة المرأة للسيارة وغيرها من الأمور.
فعلى كل الأحوال، لابد من صياغة مبررات شرعية وواقعية، تجعل التطبيع مقبولًا شعبيًا، فبطبيعة الحال لا ترغب المملكة الطامحة إلى لعب أدوار إقليمية كبرى، في أن تهتز صورتها أمام العرب والمسلمين.
ويبدو أن الشاهد الأبرز في هذا السياق، البيان الذي صدر أواخر يوليو الماضي وقال إن العاهل السعودي الملك سلمان أجرى اتصالات هاتفية بالعديد من زعماء العالم أسفرت عن فتح الاحتلال الإسرائيلي أبواب الأقصى، بعد أسبوعين من الإغلاق.
حينها، انطلقت التحليلات التي ترجح أن يكون اتصال الملك بالاحتلال عبر وسيط، يأتي في إطار التمهيد لتطبيع رسمي بين السعودية وإسرائيل، وتهيئة الرأي العام السعودي والعربي والإسلامي لاحتمالية أن يكون هناك اتصال مباشر بين قيادات البلدين.
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو تلقف الأمر و”دعا المسؤولين السعوديين لزيارة المسجد الأقصى والاطلاع على الأوضاع على الأرض”، ليسوغ المبرر الذي يمكن أن تسوقه المملكة في حال الموافقة على العرض.
خريطة ” تيران و صنافير “
ومنذ تصديق مصر على اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة يونيو الماضي، بدت السعودية مضطرة إلى التنسيق مع الاحتلال على اعتبار أن مضيق تيران أصبح مياهًا دولية.
مبرر آخر أجادت السعودية في صياغته، ووجد أرضًا خصبة للانتشار وهو الصراع السني الشيعي بينها وبين إيران، من باب أن التعاون مع إسرائيل باعتبارها عدوًا لإيران سوف يصبّ في خانة مواجهة طهران والمد الشيعي في البلدان السنية.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أشار لدى وصوله للأراضي المحتلة بعد زيارته الرياض في مايو الماضي، إلى أنه لمس “شعورًا إيجابيًا” لدى السعوديين تجاه إسرائيل.
المحصلة أن عمليات جس النبض اشتدت للغاية خلال الفترة القصيرة الماضية، على نحو تتحين معه السعودية الجديدة، عندما يصل “ابن سلمان” إلى العرش رسميًا، الفرصة لإعلان جريء بالتطبيع، يساير خطوات أخرى صدمت المجتمع السعودي المحافظ، مثل السماح بالاختلاط وقيادة المرأة، وغيرهما.
اضف تعليقا