العدسة_ بسام الظاهر

“بلد الوساطات” هكذا يمكن توصيف الكويت التي دخلت في أكثر من محاولة للصلح بين عدة دول في المنطقة أطرافها جميعا خليجية بشكل ملحوظ منذ 2011.

4 وساطات بارزة تم الإعلان عنها، أو كشف بعض خيوطها منذ ذلك التاريخ، نجحت في 3 منها ولا تزال الأخيرة عصيَّة على الحل، وهي الخاصة بقطع علاقات دول (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) مع قطر في يونيو الماضي.

هذا الكم الكبير من الوساطات يرتبط بالكويت حصرا، بما يطرح تساؤلات حول ما الذي يؤهلها للقيام بهذا الدور؟.

وساطتان لقطر

الأزمة القطرية لا تزال قائمة حتى الآن، على الرغم من تدخلات الكويت من بدايتها لاحتوائها، وعدم تصعيدها بشكل كبير بما يضر بمصالح مجلس التعاون الخليجي.

الكويت بدأت جولة من المشاورات لتفعيل المصالحة بين الطرفين، وزار أمير الكويت صباح الأحمد الصباح السعودية قبل أيام، قبل إيفاد وزير الخارجية صباح خالد الحمد الصباح إلى الدوحة ولقاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.

ولكن يبدو أن الجولة الأخيرة كانت فاشلة تمامًا حتى الآن، خاصة مع تصريحات أمير الكويت في كلمته أمام مجلس الأمة (البرلمان)، إذ حذر من التصعيد المحتمل في الأزمة الخليجية خلال الفترة المقبلة.

وقال: “إن تصعيد الأزمة بما يمثله من دعوة صريحة لتدخلات وصراعات إقليمية ودولية، ستكون له نتائج بالغة الضرر والدمار على أمن دول الخليج وشعوبها”.

وأكد أن وساطة الكويت الواعية لاحتمالات توسع هذه الأزمة ليست مجرد وساطة تقليدية، مشددا “لسنا طرفا ثالثا، نحن طرف واحد مع شقيقين”.

وبدا أن الأزمة بلغت حدًّا من التعقيد وباتت عملية حلها صعبة للغاية، وهو ما ينذر بعدم انعقاد القمة الخليجية المقررة في الكويت ديسمبر المقبل، أو على الأقل تأجيلها.

الوساطة الحالية التي تخوضها الكويت لرأب الصدع الخليجي، ليست الأولى من نوعها، فسبقتها محاولة ناجحة خلال عامي 2013 و 2014، بعد أزمة سحب السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة.

وتدخلت الكويت حينها للوساطة ونجحت في حل الأزمة قبل انعقاد القمة الخليجية آنذاك، وتم الاتفاق على توقيع اتفاق الرياض التكميلي في العام نفسه.

وانتهت الأزمة تماما حينها وكانت أقل وطأة في التصعيد بين الجانبين من الحصار المفروض على الدوحة منذ يونيو الماضي، بإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية أمام قطر.

مصر والسعودية

وتدخلت الكويت في وساطة بين مصر والسعودية، بعد خلاف وتوتر في العلاقات نشبت خلال العام الماضي، على خلفية هجوم عبد الله المعلمي على مصر في الأمم المتحدة، بعد التصويت على مشروع قرار روسي حيال سوريا يخالف توجهات المملكة آنذاك.

ودخل البلدان في توتر ملحوظ في العلاقات بعد زيارة وصفت بـ “التاريخية” للملك سلمان بن عبد العزيز خلال شهر أبريل العام الماضي، وتم خلالها توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والتي تقضي بالتنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة.

وكان هذا جوهر الخلاف بين البلدين، خاصة وأن السعودية كانت تستعجل تسليم الجزيرتين، ولكن حدث سيناريو لم يتوقعه السسيسي بنشوب غضب شعبي وتظاهرات، وإقامة دعاوى قضائية للحيلولة دون تسليم الجزيرتين، وبالفعل صدر حكم من القضاء الإداري ببطلان التوقيع على الاتفاقية.

ونجحت وساطة الكويت حينها مع بعض دول الخليج، في إنهاء التوتر في العلاقات، والتي تمخضت عن لقاء ثنائي بين سلمان والسيسي على هامش القمة العربية في الأردن مارس الماضي، قبل أن يتم تسليم الجزيرتين بعد موافقة البرلمان وتصديق السيسي عليها.

وقال حينها نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله: “الكويت على استعداد للتدخل الإيجابي كعادتها، حيث إنها تسعى دائماً لتصفية الأجواء العربية، وامتصاص أي احتقانات قد تشوب العلاقات العربية، وبالتالي نحن متفائلون بمستقبل هذه العلاقات، وإن الرياح التي نشتهيها آتية لا محالة بعون الله”.

الإمارات وعمان

ودخل أمير الكويت صباح الأحمد الصباح في وساطة بين الإمارات وسلطنة عمان في 2011، على خلفية التوتر الشديد في العلاقات بين البلدين، بعد كشف الأخير ضبط شبكة تجسس إماراتية على أراضيها.

وأكدت وكالة الأنباء العمانية حينها، أن السلطان قابوس استقبل  أمير الكويت، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات وحاكم دبي، والفريق أول الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات.

وتبين وقت الأزمة، أن صباح الأحمد توجه إلى أبو ظبي أولا، ليلتقي رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ثم غادر إلى سلطنة عمان للتباحث مع السلطان قابوس، وعاد إلى أبو ظبي مجددا.

وكانت “مسقط” أعلنت نهاية يناير 2011 عن كشف شبكة تجسس إماراتية رُصِدت منذ نحو خمسة أشهر.

وأشارت المصادر العمانية حينذاك إلى أن تلك الشبكة كانت تستهدف رصد مناطق عسكرية وحكومية، وهو ما نفته الإمارات.

ويشير مراقبون إلى أن بعض العمانيين يتهمون الإمارات بشكل غير رسمي بالوقوف وراء أحداث “صُحَار” التي شهدت احتجاجات عارمة تطالب بإصلاح النظام السياسي وتحسين ظروف المعيشة.

ماذا يؤهلها؟

كل هذه الوساطات المعروفة والعلنية تشير إلى أن الكويت “بلد الوساطات”، ولكن ما الذي يؤهلها لهذا الدور، أو بالأحرى لماذا اختارت هذا الدور أو اختير لها؟.

أولا: لا توجد أطماع:

يبرز دور الكويت في الخليج والمنطقة العربية في محاولة حل الخلافات والنزاعات بين الدول والتدخل لإنهاء أي توتر في العلاقات، وهذا يأتي لعدم وجود أطماع لديها أوتطلع إلى ممارسة نفوذ داخل دول المنطقة.

ولا تمارس الكويت أي نفوذ إقليمي بالصورة التي باتت عليه دول الخليج مثل السعودية، وتحديدا بتحكم ولي العهد محمد بن سلمان بمقاليد السلطة، أو الإمارات التي تسخر المال لتنفيذ سياسات معينة وتعظيم مكاسبها، وأخيرا قطر التي تسببت محاولتها ممارسة نفوذ في المنطقة في حصارها من قبل الرباعي العربي.

وبالتالي فإن الكويت ليست في نِدِّيَّة مع أحد في هذه الأدوار التي تقوم بها بعض الدول، وهو ما يجعلها طرفًا مؤهلًا للعب الوساطة وليست في محل منافسة مع أحد.

ثانيا: مكانة أمير الكويت:

كما يبرز دور الكويت أن أحد العوامل الهامة في هذا الأمر هو مكانة أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، الذي يؤكد انه يكَرِّس كل جهده لمسألة أمن واستقرار الخليج خاصة مع كبر سنه الذي جعله محل تقدير من قبل كل الدول العربية.

ولم تدخل الكويت في أزمات مع دول المنطقة، ما يعزز  قدرة الصباح على تحييد دولته عن الصراعات التي تعصف بالمنطقة، أو الخلافات على بعض المكاسب.

وفي بعض الأحوال يكون اللجوء إلى الكويت، وهو ما ظهر من خلال الأزمة بين الإمارات وسلطنة عمان، كما أن الصباح لا يدخر جهدا في حل الخلافات بين الدول، وفي بعض الأحوال بلغت زياراته خلال الأزمة المشار إليها إلى 8 رحلات جوية خلال 24 ساعة.

ثالثا: علاقات جيدة:

وتبرز علاقات الكويت الجيدة بكل الأطراف وعدم وجود خلافات مع بعض الدول، أو بالأحرى عدم اتخاذ صف طرف على حساب آخر، وهو ما يجعلها طرفا حياديا يصلح أن يلعب دور الوساطة.

وأكد أمير الكويت أخيرا، وهو بصدد الحديث عن الأزمة القطرية، أنهم ليسوا منحازين لأي طرف، ولكنهم طرف واحد بين شقيقين.

الدول الكبرى

ولكن هل هناك نقطة محورية أخرى تؤهل الكويت لأن تلعب دور الوساطة، بخلاف الأمور الخاصة بأمير الكويت وإدارته للأزمات؟.

وهنا فإن الحديث يذهب إلى أن أحد أهم النقاط التي تدفع الكويت للعب هذا الدور علاقاتها القوية بأمريكا، والتي ربما تتحرك تحت غطاء أمريكي واسع، لكي تكون هى محورًا أساسيًّا في جمع شمل الحلفاء الخليجيين لأمريكا.

وهذا الأمر له وجاهته، في ظل العلاقات القوية بين أمريكا والكويت، منذ مساعدة الأولى في مواجهة الغزو العراقي للكويت في حرب الخليج، وهو أمر تدين الكويت فيه بالفضل لأمريكا والدول التي شاركت ضد صدام حسين.

ويدعم هذا الأمر زيارة أمير الكويت إلى أمريكا سبتمبر الماضي، لبحث تداعيات الأزمة القطرية، وسبل حلها، والضغط على كل الأطراف لتهدئة الأمر ومنع التصعيد.

وقبلها امتدح السفير الأمريكي في الكويت الدور الذي تلعبه الدولة الخليجية في المنطقة، بل والعالم أجمع، سواء إنسانيا أو سياسيا.

كما أن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون زار الكويت في جولته الخليجية في يوليو الماضي، من أجل دعم الوساطة الكويتية، وبدا أن أمريكا تغطى التحركات الكويتية في الأزمة الأخيرة خاصة مع رفض دول الحصار أي تدخلات خارجية.