يراقب العالم المفاوضات الجارية بين إيران من جهة، والقوى العظمى من جهة أخرى، حول المشروع النووي الإيراني. حيث أبرمت طهران عام 2015 اتفاقًا وصفه كثيرون بـ”التاريخي” بشأن برنامجها النووي مع كل من واشنطن (تحت قيادة الرئيس الأسبق باراك أوباما) وباريس ولندن وموسكو وبيكن وبرلين، الأمر الذي أتاح رفع عقوبات اقتصادية كانت مفروضة على طهران، في مقابل التزامها بالحد من أنشطتها النووية وضمان استخدام الطاقة النووية لأغراض سلمية.

غير أن الاتفاق بات في حكم الملغى، منذ أن قرر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب بشكل أحادي منه عام 2018. وبانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق فقد قوته بشكل كبير، رغم التزام باقي القوى الدولية به، ودعوتهم إدارة ترامب للعودة إليه. لكن الأخير كان معارضًا بشدة لأي اتفاق مع إيران، بل فرض عليها عقوبات قاسية، واستخدم سياسة أكثر شدة تجاهها، حتى وصل به الأمر لاغتيال أحد أبرز قادة النظام الإيراني علنًا، وهو قائد فيلق القدس، قاسم سليماني.

وفي خضم هذا التصعيد الأمريكي كان من المتوقع وربما البدهي ألا تلتزم إيران بالقيود التي فرضها اتفاق 2015 على برنامجها النووي. لذا عملت طهران على تخصيب اليورانيوم بشكل متسارع، حتى باتت قاب قوسين أو أدني من امتلاك قنبلة نووية، وفق ما كشفت عنه وزارة الخارجية الأمريكية قبل أسابيع.

حيث قال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في مقابلة مع في مقابلة مع تلفزيون إن.بي.سي، في الأول من فبراير/شباط 2021، إن إيران ربما تكون على بعد أسابيع من امتلاك مواد لسلاح نووي إذا واصلت خرق الاتفاق النووي. 

 

مفاوضات تحت ضغط الأنشطة النووية الإيرانية

ومنذ وصول جو بايدن إلى قيادة البيت الأبيض عمل على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران بشكل سريع. فمنذ 10 أشهر، تخوض طهران والقوى الموقعة على الاتفاق، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مفاوضات في مدينة فيينا (عاصمة النمسا) تهدف لتحقيق عودة كل من واشنطن وطهران إلى احترام كامل بنود الاتفاق.

لكن المفاوضات الجارية تتم تحت ضغط إيراني كبير، بسبب مسارعة طهران في نشاطاتها النووية. لذلك يشدد الغربيون على ضرورة الإسراع في التفاهم؛ نظرًا لتسارع الأنشطة النووية الإيرانية، وتقلّص المدة التي تحتاجها طهران لإنتاج كمية من اليورانيوم العالي التخصيب، تكون كافية للاستخدام في إنتاج سلاح نووي.

وقبل نحو يومين، أعلنت الخارجية الأمريكية أنها لا تستبعد إمكانية إبرام اتفاق لإحياء الاتفاق النووي الإيراني في غضون أيام إذا أظهرت طهران جدية بهذا الشأن. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن متحدث باسم الخارجية الأميركية، قوله إن تقدمًا كبيرًا أُحرز في مفاوضات فيينا الأسبوع الماضي، ولم يستبعد إمكانية إبرام اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في غضون أيام، إذا أظهرت إيران جديتها.

وشدد المتحدث أنه “لن يكون هناك اتفاق شامل ما لم يتم الاتفاق على أدق التفاصيل” مؤكدًا على أن أي تأخير على التفاهم بشأن العودة المتبادلة إلى تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني “من شأنه أن يعرض إمكانية العودة للاتفاق الى خطر جسيم”.

 

بعض الأوروبيين يعرقلون تقدم المفاوضات 

وفي مقابل ذلك، صرح كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، أن على شركاء بلاده بالمفاوضات “أن يكونوا واقعيين، وأن يتجنبوا التعنت وأن يستفيدوا من دروس السنوات الأربع الماضية”. بينما اعتبر مستشار الوفد الإيراني المفاوض بفيينا، محمد مرتدي، أن بعض الأوروبيين يعرقلون تقدم مفاوضات فيينا، بطرح قضايا لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وأكد أن القضايا التي لا علاقة لها بالاتفاق النووي لن تدخل بأي اتفاق، ويجب عدم إعاقة تقدم التفاوض.

ورغم أن هناك تقدم تم إحرازه في المفاوضات، حسب تصريحات المسؤولين عنها، إلا أنه من الواضح أن هناك بعض النقاط التي ما زالت عالقة دون حل حتى الآن. فقد أفادت وكالة “رويترز” عن 3 دبلوماسيين مطلعين على المفاوضات أن مسودة الاتفاق، التي يزيد طولها عن 20 صفحة، تنص على مجموعة من الخطوات، واجبة التنفيذ بمجرد إقرارها، بدءًا بمرحلة تتضمن تعليق إيران للتخصيب فوق 5 في المائة.

ويتضمن النص أيضًا إشارات إلى إجراءات أخرى، تشمل رفع التجميد عن نحو 7 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك الكورية الجنوبية، بموجب عقوبات أميركية، بالإضافة إلى إطلاق سراح سجناء غربيين محتجزين في إيران، وهو إجراء يشير إليه كبير المفاوضين الأميركيين روبرت مالي، باعتباره شرطًا لإبرام اتفاق.

 

تقارير محرفة تصنع الشائعات

لكن سرعان ما احتجت إيران على التقرير من دون الإشارة إلى “رويترز”، إذ كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، عبر حسابه في تويتر، إن “المعلومات المظللة تحت غطاء التقارير خطيرة”. وقال إن “الاتفاق النهائي للسماح بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي سيكون بعيدًا كل البعد عن التقارير المحرفة التي تصنع الشائعات”، مضيفًا أنه “مع اقتراب الأيام الأخيرة يجب أن نتوقع مزيدًا من التحريف”.

كذلك، قال مصدر إيراني مطلع لقناة الجزيرة القطرية إن التقرير الذي نشرته وكالة رويترز “غير دقيق ومضلل ويعتمد التحريف”. وبدوره، صرح المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا،  ميخائيل أوليانوف، أنه “مع اقترابنا من العودة للاتفاق النووي ينشط الرافضون لخلق بيئة غير صحية تحيط بالمفاوضات”.

إذن، فإن هناك اتفاقًا بين التصريحات الأمريكية والإيرانية حول إنجاز قدر كبير من المفاوضات، والاقتراب من توقيع اتفاق نووي جديد، بين إيران والقوى الدولية الكبرى. إلا أنه في الوقت ذاته، ما زالت هناك نقاط عالقة يتوقف توقيع الاتفاق عليها. وبطبيعة الحال، فإنه كلما كانت واشنطن وطهران أقرب إلى حسم نقاط الخلاف هذه، كان الإعلان عن توقيع الاتفاق الجديد أقرب.