في موقف مخالف لما هو عليه معظم دول العالم، امتنع النظام الإماراتي عن التصويت على اعتماد مشروع قرار وزعته الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي يرفض الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا. ورغم تصويت 11 دولة عضوًا في المجلس لصالح القرار، امتنعت الإمارات عن التصويت بالإضافة إلى الهند والصين فقط.
وبالطبع، فإن الموقف الإماراتي يصب في صالح روسيا التي تشن عملية عسكرية شاملة برًا وبحرًا وجوًا على أوكرانيا. حيث إن عدم تصويت الإمارات لصالح إدانة روسيا ساهم في خرق إجماع المجتمع الدولي على إدانة العدوان الروسي على كييف. وقد تكرر التصويت السلبي للإمارات، حيث عادت وامتنعت عن التصويت في مجلس حقوق الإنسان، الذي عقد جلسة طارئة، لبحث الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي محاولة لتبرير موقفها الشاذ، ادعت الإمارات على لسان المستشار الدبلوماسي لرئيسها، أنور قرقاش، أنها لا تريد “الانحياز” لأي طرف في الحرب. فقد قال قرقاش إن بلاده تحثّ على إيجاد حل سياسي للأزمة في أوكرانيا، وإن الانحياز إلى أي طرف لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف. وأضاف قرقاش: “موقف الإمارات راسخ إزاء المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض الحلول العسكرية، نؤمن بأن الاصطفاف والتموضع لن يفضي إلا إلى مزيد من العنف”.
وتابع قرقاش: “في الأزمة الأوكرانية أولوياتنا تشجيع جميع الأطراف لتبني الدبلوماسية والتفاوض لإيجاد تسوية سياسية تنهي هذه الأزمة”. وأضاف: “موقف الإمارات راسخ إزاء المبادئ الأساسية للأمم المتحدة والقانون الدولي وسيادة الدول ورفض الحلول العسكرية”.
وبدورها، أعربت الخارجية الإماراتية عن “قلقها بشكل خاص تجاه التداعيات المترتبة على المدنيين المتواجدين في أوكرانيا، وعلى المنطقة والمجتمع الدولي بأسره”. ودعت “كافة الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين دون عوائق”.
وفي البيان ذاته، دعت مندوبة الإمارات بالأمم المتحدة لانا نسيبة، خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي بشأن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، “إلى خفض التصعيد بشكل فوري وإنهاء الأعمال العدائية”. وزعمت المسؤولة الإماراتية استعداد بلادها للعمل مع أعضاء مجلس الأمن من أجل هذا الهدف. واعتبرت أن “نتيجة التصويت (على قرار إدانة الهجوم الروسي) هي مجرد تحصيل حاصل، ولكن يجب أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة أكثر من أي وقت مضى”.
اتصال قبل الحرب بيوم واحد
وبالطبع فإن تاريخ الإمارات الحافل بسفك الدماء والإفساد في كل الدول المجاورة لا يسعفها حينما تدعي الفضيلة، وتزعم أنها ترغب في السلام بين الدولتين المتحاربين. وقد أثبتت الأحداث ذلك بشكل واضح.
فقبل الغزو الروسي لأوكرانيا بيوم واحد كان وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، قد عقد مباحثات هاتفية مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف. وحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية، فإن الجانبين بحثا علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية بين الدولتين والمستجدات الدولية والإقليمية. وأكد الوزير الإماراتي قوة ومتانة علاقات الصداقة بين أبوظبي وموسكو، و”الحرص على تعزيز آفاق التعاون الإماراتي الروسي”.
إذن، فإن المصالح الإماراتية-الأوكرانية هي السبب وراء امتناع الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن الدولي ضد الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية.
حرب اليمن تكذب الإمارات
وفي الوقت الذي تدعي فيه الإمارات أنها من دعاة السلام، فإن جرائمها في اليمن تفضحها. فقد كشفت تقارير منظمات حقوقية، أن أبوظبي استغلت عضويتها في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن منذ عام 2015 لتمارس كافة أنواع الانتهاكات الإنسانية في اليمن. وتثبت الأحداث أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قد ورط السعودية في المستنقع اليمني ثم جند مرتزقة تعمل ضدها هناك.
وحسب الإحصاءات قدرت حصيلة القتلى المدنيين جراء الحرب المستمرة هناك منذ عام 2015 بعشرات الآلاف، أي أكثر بكثير مما تظهره الأرقام الرسمية، حسب تصريحات عضو الفريق الأممي المعني برصد انتهاكات حقوق الإنسان باليمن، ميليسا باركي، التي أكدت توثيق حالات تعذيب واغتصاب تورطت فيها الإمارات والقوات التي تدعمها.
حتى إن الانتهاكات التي ارتكبتها الإمارات كانت مخططة ومدبرة ويراد لها أن تكون دائمة، فقد كشفت صحيفة “لوموند” الفرنسية من قبل عن وجود سجن سري في قاعدة عسكرية أقامتها الإمارات منتصف عام 2017 على جزء من حقل للغاز جنوبي اليمن، متسترة بمجموعة توتال الفرنسية لتكون جزءًا منه. والسجن الإماراتي الذي كشفت عنه صحيفة “لوموند” الفرنسية يقع في قاعدة عسكرية أقامها الإماراتيون على جزء من حقل لاستخراج الغاز في مدينة بلحاف جنوب اليمن.
وقالت منظمات حقوقية إنه “حسب مصادر متاحة وشهادات، فإن السجن يؤوي منذ 2016 مليشيا قوات النخبة في شبوة، تحت إشراف الإمارات، والشهادات تتحدث عن معاملات غير إنسانية ومهينة تتمثل في الحرمان من الرعاية والتعذيب، ارتكبها جنود إماراتيون”. وأشارت إلى أن “الأشخاص المسجونين فيه متهمون بصورة عامة بالانتماء إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” بالاستناد “غالبًا إلى شبهات لا أساس لها أو إلى انتقام شخصي”.
الإمارات ترتكب جرائم حرب
وفي عام 2018، اتّهمت منظمة العفو الدولية دولة الإمارات والقوات اليمنية المتحالفة معها، بتعذيب محتجزين في شبكة من السجون السرية بجنوبي اليمن، مطالِبة بالتحقيق في هذه الانتهاكات، التي وصفتها بـ “جرائم حرب”. وقالت المنظمة حينها: “إن تحقيقًا أُجري بين مارس 2016، ومايو 2018، في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت بجنوبي اليمن، وثَّق استخدامًا واسع النطاق للتعذيب وغيره من أساليب المعاملة السيئة في منشآت يمنية وإماراتية، من ضمنها الضرب والصدمات الكهربائية والعنف الجنسي”.
إذن فإن الواقع الحالي الذي لا يزال ماثلًا أمام الجميع يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن ما يصرح به المسؤولون الإماراتيون عن احترامهم لسيادة الدول ومبادئ حقوق الإنسان، ما هي ادعاءات كاذبة لا أساس لها من الصحة.
كما تؤكد هذه الحقائق كذلك على أن دافع الإمارات للامتناع عن التصويت في مجلس الأمن ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، ينبع من دوافع سياسية ومصلحية بحتة، بعيدة كل البعد عن الجانب الإنساني المزعوم.
اضف تعليقا