إلى أي جانب ستنحاز دول الخليج… الولايات المتحدة الأمريكية أم روسيا؟… لو قامت روسيا بغزو أوكرانيا قبل سنوات، لكانت الإجابة بلا شك: الولايات المتحدة، كونها الحليف التاريخي لممالك الخليج الثرية، الذي طالما كان يوفر لها الدعم والحماية لفترة طويلة، لكن التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها الآونة الأخيرة قد تجبر هذه الممالك لتعزيز العلاقات مع روسيا من أجل تحقيق التوازن.
في الماضي، كان اختيار الأطراف في الأزمة الأوكرانية سيكون بلا تردد بالنسبة لممالك الخليج الثرية، التي تحميها الولايات المتحدة لفترة طويلة. لكن اليوم، يجبرهم تعزيز العلاقات مع روسيا على إيجاد توازن.
بينما أدانت الدول الغربية بالإجماع الغزو الروسي لأوكرانيا، التزمت دول مجلس التعاون الخليجي الصمت دون أي تعليق ينم عن موقفها، وهو ما أرجعه الخبراء إلى انشغالهم بقضايا أخرى ذات أولوية لديهم مثل الطاقة والتمويل والأمن، والتي تعد روسيا نفسها طرف مهم في هذه المسائل المصيرية.
في حوار لها مع وكالة فرانس برس، قالت آن جادل، مقررة معهد مونتين لشؤون السياسة الخارجية “هذه الدول لا تهتم فقط بتعزيز الروابط الاقتصادية، بل تسعى أيضاً لتعزيز العلاقات الأمنية بينها وبين موسكو”.
امتنعت الإمارات العربية المتحدة، الجمعة، عن التصويت مع الصين والهند في تصويت في مجلس الأمن الدولي على قرار اشتركت في إعداده الولايات المتحدة وألبانيا يطالب موسكو بسحب قواتها الأوكرانية، وبالطبع استخدمت روسيا حق النقض.
داخل دول مجلس التعاون الخليجي، امتنعت الكويت وقطر عن انتقاد روسيا منذ الغزو يوم الخميس، واكتفت بإدانة العنف، فيما التزمت السعودية وسلطنة عمان والبحرين الصمت حتى الآن.
حليف أيديولوجي
على مدى عقود، كانت الولايات المتحدة، التي تمتلك قواعد عسكرية في المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والبحرين، تمثل المدافع الأول عن دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة التهديدات المحتملة، خاصة وأن لكلا الجانبين خصم مشترك: إيران.
لكن العلاقات بين الرياض وأبو ظبي متوترة مع الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، بسبب تدهور أوضاع حقوق الإنسان في تلك البلدان، وكذلك اتفاقيات الأسلحة والصراع الدائر في اليمن.
اتهمت أجهزة المخابرات الأمريكية الرياض باغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قتل داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، وفي ديسمبر/كانون الأول 2021، هددت أبو ظبي الولايات المتحدة بإلغاء صفقة ضخمة لشراء مقاتلات إف-35 من الولايات المتحدة، بسبب اعتراضها على الشروط الأمريكية التي وصفتها بـ “المرهقة”.
من ناحية أخرى، حدت إدارة جو بايدن إلى حد ما من تدخلاتها العسكرية في المنطقة، كما أزالت المتمردين اليمنيين من قائمتها لـ “المنظمات الإرهابية”، الأمر الذي أغضب السعوديين الذين يقاتلونهم في حرب اليمن منذ حوالي سبع سنوات.
وبحسب السيدة جادل، فإن دول الخليج “تدرك أنها بحاجة إلى تنويع تحالفاتها للتعويض عن الانسحاب الملموس للولايات المتحدة في المنطقة”.
من جانبه، قال أندرياس كريج، باحث الشرق الأوسط في كينجز كوليدج لندن: “يُنظر إلى روسيا على أنها حليف أيديولوجي، خاصة وأن المطالب الأمريكية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان في دول الخليج تعد إشكالية بالنسبة إليهم”.
“البيض في السلة”
وقال كريج إنه على الرغم من التعاون الأمني المتزايد مع روسيا، فإن معظم دول مجلس التعاون الخليجي “ستضع بيضتها الأمنية في السلة الأمريكية”، حتى لو كانوا قد “بدؤوا في تنويع العلاقات في مجالات أخرى مع خصوم الأمريكيين”.
بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي خمس مليارات دولار في عام 2021، خاصة مع الإمارات والسعودية، بحسب أرقام رسمية.
وبصفتهم لاعبين رئيسيين في أسواق الطاقة، تحافظ معظم دول مجلس التعاون الخليجي على علاقات “المنتج والشريك” مع روسيا، خاصة وأن الرياض وموسكو يقودان تحالف أوبك +، حيث تُفرض رقابة صارمة على الإنتاج لدعم الأسعار.
قالت إيلين والد لوكالة فرانس برس إن “الدول العربية الأعضاء في أوبك في وضع صعب دبلوماسيا”، لأن الحفاظ على اتفاقية أوبك + التي تتحكم في الإنتاج “يتصدر أولوياتها بوضوح”.
وقالت “دول الخليج تخشى الإضرار بهذه العلاقة وتسعى للحفاظ على المشاركة الروسية في أوبك + (…) إذا انسحبت روسيا من التحالف، فمن المحتمل أن ينهار الاتفاق.”
وأضافت إيلين والد: “ربما يكون التزام الصمت بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا هو أفضل مسار للعمل في الوقت الحالي، لكن هذا الموقف العملي قد يصبح غير مقبول إذا تعرضت دول الخليج لضغوط من أجل التعليق من قبل القادة الغربيين”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اضف تعليقا