بعد الضبابية التي أحاطت بموقف المجتمع الدولي من التوتر في ليبيا، والذي نتج عن تكليف البرلمان لحكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا بدلًا من حكومة عبد الحميد الدبيبة، جاءت المبادرة الدولية بالتوازي مع التصريحات الأوروبية الداعمة لها، كتسوية للمسألة لصالح الدبيبة، وفقًا لما يراه كثير من المتابعين للشأن الليبي. 

وتتزايد المخاوف في ليبيا من انزلاقها مرة أخرى إلى الانقسام السياسي أو الحرب الأهلية بعد أن رفضت حكومة الدبيبة تسليم السلطة إلا لحكومة ناتجة عن انتخابات شعبية، مهددة باستخدام القوة في حال محاولة الاستيلاء على مقرها في العاصمة طرابلس، فيما أمرت الحكومة الجديدة القوات الأمنية بالاستعداد. 

ورغم كل هذا التصعيد، فإن الموقف الدولي، الذي عادة ما يحسم الأمور في ليبيا، لم يحدد بعد، باستثناء مصر وروسيا اللتين أعلنتا دعمهما لتحرك مجلس النواب لتنصيب باشاغا بدلًا من الدبيبة.

وفي خضم تسارع الأحداث، أعلنت المستشارة الخاصة بمنظمة لأمم المتحدة في ليبيا، ستيفاني ويليامز، في 4 مارس/ آذار، عن مبادرة لاحتواء الوضع عبر تشكيل لجنة مشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. (نيابي استشاري) على وضع الأساس الدستوري لإجراء الانتخابات في أسرع وقت، وهو ما اعتبره مراقبون “موقفًا لصالح الدبيبة”.

وتتلخص المبادرة في تشكيل لجنة مشتركة من 12 عضوًا موزعة بالتساوي بين المجلسين لإعداد قاعدة دستورية خلال 14 يومًا تبدأ من 15 مارس/ آذار تسمح بتنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن.

 

الدبيبة يعلن تأييده للمبادرة الأممية 

وتعليقًا على الدعم الدولي للمبادرة، قال الدبيبة في يوم إعلانها: “تابعنا بيان الدول الخمس بشأن الوضع بليبيا المتناغم مع بيان الأمم المتحدة ومستشارة البعثة والمتضمن أولوية المضي بالمسار الانتخابي”.

وأضاف في تغريدة عبر “تويتر” أن البيان “ينسجم مع خطة الحكومة للانتخابات في يونيو (حزيران) المقبل”، في إشارة إلى إعلانه قبل نحو أسبوعين عن خطة لإجراء انتخابات نيابية.

وفي 5 مارس، رحبت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بمبادرة الأمم المتحدة، وأعلنت دعمها الكامل لـ “للسيادة الليبية وللعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة بقيادة وملكية ليبية”. وفي بيان مشترك، أعربت الدول الخمس أيضًا عن دعمها “لجهود الوساطة التي تبذلها الأمم المتحدة للحفاظ على التداول السلمي للسلطة”.

 

استمرار حكومة الدبيبة حتى الانتخابات 

من جهتهم، رأى كتاب ليييون أن موقف الأمم المتحدة يصب في صالح حكومة الدبيبة، ومنهم الكاتب الليبي خطاب العرفي، الذي قال إن “تلك المبادرة في مجملها هي موقف واضح من المجتمع الدولي الذي تمثله وليامز، لاستمرار حكومة الدبيبة حتى إجراء انتخابات ليبية”، مضيفًا أن تغريدة وليامز، التي أعلن فيها عن هذه المبادرة، “بمثابة إعلان موقف معارض لخطوة مجلس النواب بخلق إدارة جديدة بتكليفه لباشاغا برئاسة حكومة جديدة”.

وبرر الكاتب موقف المجتمع الدولي في “دعم الدبيبة ضد باشاغا”، معتبرًا أن “حكومة الدبيبة جاءت نتاج حوار سياسي أجرته الأمم المتحدة، ومن الصعب أن تقر المنظمة الدولية بفشلها، كون استبعاد الدبيبة الآن يعني فشل ذلك الحوار”.

ونتيجة الخلافات بين المؤسسات الليبية، لم يتسن إجراء الانتخابات الرئاسية في 24 ديسمبر/ كانون الأول الماضي ، وفق خطة رعتها الأمم المتحدة. وحتى الآن، لم يتم تحديد موعد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية يأمل الليبيون أن تساهم في إنهاء الصراع المسلح الذي ابتلي به بلدهم الغني بالنفط لسنوات.

 

دعم مباشر أو غير مباشر 

من جهته، أشار الأكاديمي الليبي، حافظ البازوتي أن دعم الأمم المتحدة للدبيبة ربما جاء بطريق غير مباشرة، حيث قال إنه “بغض النظر عما إذا كانت المبادرة الدولية جاءت لدعم دبيبة أم لا، فإنها على الأقل ستطيل عمر الحكومة”.

وأضاف البازوتي أن “المبادرة تتلخص في إيجاد توافق بين الدولة والبرلمان، وإذا حصل توافق وتم تمرير خطوات النواب (تعديل الإعلان الدستوري وتكليف حكومة جديدة)، فإن هذا الأمر سيستغرق وقتًا وحتى ذلك الحين ستبقى حكومة الدبيبة قائمة”.

وأوضح أن “التوافق بين غرفتي البرلمان (النواب والمجلس الأعلى للدولة) يحتاج إلى شهرين على الأقل، وبعد هذا التوافق تخرج النتائج، ثم نحتاج إلى التحضير للانتخابات ما سيتغرق شهرًا آخر، وفي خلال كل تلك المدة ستكون حكومة الدبيبة في مكانها”، مضيفًا أنه “من المستحيل أن تتسلم حكومة باشاغا السلطة بسلام قبل اتفاق المجلسين”.

وتابع: “لن يكون هناك مجال لحكومة باشاغا للاستيلاء على السلطة بالحرب، لأن المجتمع الدولي حازم في تصريحاته عندما أعلن استعداده لمحاسبة من يستخدم العنف في الانتقال السياسي”.

وجاء في البيان المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أن “الخلاف على مستقبل العملية السياسية في ليبيا يجب حله دون اللجوء إلى العنف (..) نحن على استعداد لمحاسبة من يهدد الاستقرار بالعنف أو التحريض عليه”.

وهددت الدول الخمس: “الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها الذين يعرقلون استكمال ليبيا لعملية انتقالها السياسي، قد يتم وضعهم على قائمة العقوبات من قبل لجنة الجزاءات التابعة لمجلس الأمن”.

 

دعم ليس كاف

لكن المؤكد أن دعم الأمم المتحدة لحكومة الدبيبة ليس كافيًا لتجاوز الأزمة بشكل عام، ذلك أن الأمور على أرض الواقع أصعب من أن تحل بقرار فوقي من الأمم المتحدة أو أي دولة منفردة. فكل فصيل ليبي له أتباعه المسلحون، الذين يتحفزون للدفاع عن مصالحه. 

لذلك، فإن التفاوض بين الدبيبة وباشاغا يعد ضرورة في نظر كثيرين. وفي هذا السياق، أشاد السفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، بالاهتمام الذي أبداه باشاغا، خلال اجتماعهما قبل أيام في تونس. 

وهدف الاجتماع إلى الانخراط في مفاوضات عاجلة تيسرها الأمم المتحدة بهدف التوصل إلى تفاهم سياسي مع الدبيبة حول كيفية إدارة المراحل النهائية من فترة الحكم المؤقت هذه، والاستعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت ممكن. 

ونقل السفير عبر تغريدة فهمه أنّ “رئيس الوزراء الدبيبة مستعد للمشاركة في هذه المحادثات، وأن شكل ومكان المحادثات سيحدد من قبل الأطراف نفسها، بالتشاور مع الأمم المتحدة والشركاء الدوليين”.

وأضاف نورلاند أنه “في الوضع الحالي، مناصرة طرف ضدّ آخر ليس خيارًا مطروحًا: والموقف الوحيد الذي يمكن اختياره بشكل مبرّر هو المفاوضات السلمية”.