العدسة_ بسام الظاهر

خسمة أشهر تقريبا مرت على بدء الأزمة القطرية، وحصار الرباعي العربي للدوحة مطلع يونيو الماضي، ولا تزال آفاق الحل غائبة.

ورغم المحاولات المتكررة من عدة أطراف دولية وإقليمية، إضافة إلى جهود الكويت في الوساطة بين الطرفين لإنهاء الأزمة بشكل عاجل خوفا من تأثيراتها المحتملة على تصدع مجلس التعاون الخليجي.

أمريكا هى الأخرى مهتمة بحل الأزمة في أقرب وقت ممكن، خاصة مع رغبة في عدم تصعيدها تحت عنوان “لم الشمل” لحلفائها في الشرق الأوسط، لعدم تفتيت هذا المعسكر.

إلا أن دول الحصار بدا أنها تصر بشكل كبير على قائمة المطالب الـ 13 التي قدمتها للدوحة من خلال الكويت، قبل أن يتم رفضها من قبل قطر باعتبارها أمورًا تمس سيادة الدولة.

ولا يمكن في هذا الصدد إغفال وجود تناقضات في مواقف دول الحصار حيال حل الأزمة، على الرغم من عدم إبداء مرونة في حل الأزمة، وهو ما يطرح 3 سيناريوهات للأزمة خلال الفترة المقبلة.

“عادل الجبير” و “بن سلمان”

 

تناقض دول الحصار

قبل البدء في الحديث عن السيناريوهات المستقبلية للأزمة القطرية في ضوء مستجدات على الساحة الخليجية وزيارة وزير الخارجية الأمريكية، يجب أولا التطرق إلى مسألة التناقض في مواقف دول الحصار.

هذا التناقض حيال حل الأزمة يكشف وجود عدم رؤية محددة وواضحة للتعاطي مع المطالبة القطرية للحوار.

دول الحصار أصدرت قائمة بـ 13 مطلبا رئيسا من قطر، إلا أنه وأمام الرفض القطري تم التراجع عنها خاصة بعد انتقادات دولية لبعض ما جاء في هذه القائمة فيما يتعلق بالعمل الإعلامي والمطالبة بإغلاق الجزيرة وعدد من الصحف والقنوات الفضائية الأخرى.

وحددت دول الحصار 6 مبادئ على قطر الالتزام بها، وهى الالتزام بمكافحة التطرف والإرهاب بكافة صورهما، ومنع تمويلهما أو توفير الملاذات الآمنة لهما، وإيقاف كافة أعمال التحريض وخطاب الحضِّ على الكراهية أو العنف، والالتزام الكامل باتفاق الرياض لعام 2013، والاتفاق التكميلي وآلياته التنفيذية لعام 2014، في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي، والالتزام بكافة مخرجات القمة العربية الإسلامية الأميركية التي عقدت في الرياض في مايو 2017 .

كما نصت المبادئ على الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول أو دعم الكيانات الخارجة عن القانون، و مسؤولية كافة دول المجتمع الدولي في مواجهة كل أشكال التطرف والإرهاب، بوصفها تمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين.

ملمح آخر للتناقض داخل دول الحصار، هو قبول ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحوار مع قطر، خلال اتصال هاتفي أجراه أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، قبل أن يتراجع الأول عن هذا الأمر، دون سبب واضح.

ولكن تذهب بعض التقديرات إلى أن بن سلمان وافق على حل الأزمة لعدم وجود أي وسائل تصعيد ضد الدوحة، ولكن ربما هناك بعض الأطراف، مثل الإمارات ومصر، تصر على استمرار الضغط على قطر، بدافع خلافات بين الطرفين.

كما أن التناقضات برزت في بعض تصريحات المسؤولين في السعودية والإمارات على وجه التحديد، في نقاط متعلقة بإغلاق الجزيرة من عدمه، وطبيعة حل الأزمة داخل البيت الخليجي.

” وزراء خارجية دول الحصار “

 

عوامل جديدة

وأمام فشل سيناريو التصعيد من قبل دول الحصار ضد قطر، وهو ما تكشف خلال الأشهر الماضية، خاصة مع وجود رفض دولي وإقليمي لهذه الخطوة، لم يبق سوى سيناريوهين خلال الفترة المقبلة.

خرجت تصريحات من مسؤوليين في السعودية والإمارات تتحدث عن أن مسألة حل الأزمة القطرية مسألة وقت، وكان ملاحظا خفوت نبرة الهجوم والاشتراطات على الدوحة لتنفيذ مطالب الرباعي العربي.

محمد بن سلمان، خرج في تصريحات أخيرا، قائلا: “الأزمة مع قطر صغيرة جدا جدا جدا”، في هذا السياق تحدث قبله وزير الخارجية السعودية عادل الجبير.

الجبير دعا قطر إلى تغيير تصرفاتها واتخاذ خطوات معينة، مشيرا إلى أنه “إذا تم  تغيير سلوك قطر فسنكون أقوى في مجلس التعاون الخليجي، وسنكون قادرين على مواجهة إيران والإرهاب”.

وأكد أن “قطر تمثل قضية صغيرة بالنسبة للسعودية، وتوجد قضايا أكبر بكثير تتعامل معها بلاده، بما فيها التي تتعلق بإيران وسوريا والعراق”.

وفي السياق ذاته، قال وزير الصناعة البحريني إنه “من المرجح ألا يستمر الخلاف الدبلوماسي مع قطر لفترة طويلة” مضيفا: “أعتقد أن طبيعة المشكلة مع قطر لن تجعلها طويلة الأمد، وأن الخلاف سيحل إن آجلا أو عاجلا”.

أمير الكويت الشيخ ” صباح الأحمد الجابر الصباح “

 

التهدئة

التصريحات السالف ذكرها، تحتمل أن تكون مقدمة للتهدئة بين دول الحصار وقطر خلال الفترة المقبلة، في محاولة لتقريب وجهات النظر في إطار الوساطة الكويتية.

وتضغط الكويت في اتجاه رأب الصدع الخليجي، خاصة قبل القمة المقرر لها ديسمبر المقبل في الكويت، والتي ستكون في مهب الريح إذا لم يتم إنهاء الأزمة في الوقت المناسب وقبل انعقادها.

ولهذا السبب بدأ أمير الكويت صباح الأحمد الصباح، جولة جديدة من المشاورات لإحياء الوساطة بين الطرفين، عبر زيارة السعودية، وإيفاد وزير الخارجية للقاء أمير قطر في الدوحة.

وحذر أمير الكويت في كلمته أمام مجلس الأمة (البرلمان)، من خطورة تصعيد الأزمة الخليجية وانعكاساتها على التدخلات والصراعات الإقليمية والدولية، داعيا إلى الالتزام بالنهج الهادئ في التعامل معها.

“النهج الهادئ” الذي تحدث عنه أمير الكويت، ربما كان سببا في إطلاق مثل هذه التصريحات من مسؤولين في دول الحصار، وهو ما استدعى قطر إلى إصدار بيان لتنفيذ دعوة الصباح، لوقف أي إساءات وتجريح لرموز الخليج وعدم التصعيد الإعلامي.

وربما بدأت دول الخليج استشعار خطورة الأزمة وتصعيدها، واستمرار وتأثيراتها على مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع تصريحات أمير الكويت التي ربما أحرجت دول الحصار.

“تيلرسون” و “الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني”

 

تطبيع الحصار

ومن وحي النظرة المتفائلة في التهدئة بين طرفي الأزمة خلال الفترة المقبلة، إلا أن السيناريو الأكثر تشاؤما هو محاولة فرض دول الحصار “الأمر الواقع”.

ويدعم هذا التوجه زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى السعودية وقطر، خلال الأيام القليلة الماضية، الذي جاء في محاولة ضغط للقبول بالوساطة الكويتية.

تيلرسون عبر عن فشل هذه الجهود بشكل واضح وصريح إذ قال وهو في الدوحة، إن أطراف الأزمة ليست مستعدة للحوار.

وأضاف أنه لا يوجد “مؤشر قوي” على استعداد أطراف الأزمة للحوار، معربا عن قلقه من كون إيران المجال الجوي الوحيد المتاح لقطر؛ بسبب مقاطعة السعودية ومصر والإمارات والبحرين للدوحة.

وعلى الرغم من حديث وزير الخارجية الأمريكية، فإن التصريحات الهادئة من قبل المسؤولين في دول الحصار، ربما محاولة لفرض الأمر الواقع من خلال الإشارة إلى التعايش مع الأزمة القطرية، وعدم وجود أزمة لديهم في استمرار هذا الحصار.

وهنا فإن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أشار إلى “تطبيع الحصار“.

وقال: “إن هناك محاولات من قبل دول الحصار للادعاء بتطبيع الوضع الحالي”، مؤكدا أن أية إجراءات متخذة في هذا الشأن تكون ضد العلاقات الدولية، وأنه بأي حال من الأحوال لا يجوز تطبيع الأوضاع الإنسانية السيئة كفصل العائلات أو تطبيع قضية 26 ألف شخص متضرر بسبب الحصار.