كان عام 2019 هو العام الذي وقع فيه حدث تاريخي كبير في الولايات المتحدة، حين أظهرت لقطات فيديو القتل الوحشي للرجل ذي البشرة السمراء، جورج فلويد، على يد ضابط شرطة أبيض، في واقعة سببت صدمة حول العالم.
وأصبح شعار “حياة السود مهمة” هو صرخة الاحتجاج حيث تظاهر الناس عبر القارات حاملين اللافتات التي تندد بالعنصرية.
وفي عام 2020، انتشر فيديو مشابه في الهند، أظهر رجال الشرطة وهم يهاجمون مسلمين، حيث تعرض 5 منهم للإصابة، وتم تصوير الفيديو من قبل رجال الشرطة أنفسهم. وقد نجا من الهجوم أربعة من الضحايا، إلا أن أحدهم توفي متأثرًا بجراحه.
وفي عام 2021، تم نشر مقطع فيديو آخر مماثل على وسائل التواصل الاجتماعي، أثناء حملة إخلاء قسري للمسلمين البنغاليين في ولاية آسام من أراضيهم. وحينها قُتل رجل بالرصاص من مسافة قريبة، كما قفز مصور محلي كان حاضرًا في مكان الحادث على جسم الرجل المسلم قبل دقائق فقط من أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وبالطبع، فإن العالم الذي اهتز لمأساة جورج فلويد -وهي بالفعل تستحق- لم يبد أي اهتمام لما يحدث للمسلمين في الهند من كوارث يندى لها الجبين.
إعدام خارج نطاق القانون
ويتعرض المسلمون في الهند لجرائم تطهير عرقي، حيث تتم ملاحقتهم في الشوارع بحثًا عن علامات دينية إسلامية عليهم، كما يتعرض بعضهم للإعدام خارج نطاق القانون في وضح النهار لمجرد الاشتباه في حمل لحوم البقر. علاوة على ذلك، يُعرض المسلمون الهنود، الذين يتم بيعهم بالمزاد العلني على الإنترنت كأشياء قابلة للبيع، في واحدة من أكثر الأفعال المهينة التي يتعرض لها أي مجتمع من الأقليات في العالم في الوقت الحالي.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2021، تجمع حشد كبير من القادة الدينيين الهندوس اليمينيين والنشطاء المتطرفين، وأخذوا التعهدات على بعضهم البعض لجعل الهند “راشترا هندوسية” وتحريرها من المسلمين.
وخلال الحدث، تم إلقاء خطابات الكراهية ودعوات لممارسة العنف ضد المسلمين مع الطمأنة بالإفلات من العقاب، لدرجة أن رئيس منظمة مراقبة الإبادة الجماعية حذر من أن شيئًا مشابهًا للإبادة الجماعية في رواندا يمكن أن يحدث في الهند إذا لم يتم اتخاذ إجراء صارم من قبل حكومة ناريندرا مودي.
تدمير كل ما هو إسلامي
ولم تهدف السياسات القومية لحزب بهاراتيا جاناتا الهندي المتطرف إلى مهاجمة المسلمين كأفراد فحسب، بل تهدف أيضًا إلى مهاجمة الذاكرة الهندية الجماعية حول من المسلم؟ وماذا يمثل المسلم؟ حيث إنه مشروع نفسي يهدف إلى إعادة تشكيل عقول الناس بطريقة ترى المسلم عدوًا.
ويتضمن ذلك إعادة تسمية المدن، وتدمير العمارة الإسلامية المرئية، وتجريم علامات الهوية الإسلامية.
وبينما قام حزب بهاراتيا جاناتا بتكثيف حملته، فإن عملية تهميش المسلمين بشكل عام سابقة لذلك. فقد سلط تقرير لجنة ساشار الذي صدر في عام 2006 الضوء على مجموعة من التحديات التي يواجهها المسلمون في الهند وقدم عددًا كبيرًا من التوصيات لمعالجة الوضع.
وفي العديد من مؤشرات التنمية، وضع المسلمون الهنود في مرتبة أدنى من الطبقات الاجتماعية والقبائل المُجَدولة في قوائم التخلف.
معركة حول حرية لبس الحجاب
ومؤخرًا، تطالب الجماعات الهندوسية المتطرفة بفرض قيود على ارتداء الفتيات المسلمات للحجاب في الفصول الدراسية في المزيد من الولايات الهندية بعد أن أيدت محكمة حظر الحجاب في ولاية كارناتاكا. وقد رحب الوزراء الفيدراليون الكبار من حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي بقرار المحكمة العليا في كارناتاكا، الذي يدعم حظر الولاية الجنوبية للحجاب، والذي قال إنه يجب على الطلاب تجنب ارتداء الملابس الدينية في الفصول الدراسية.
وبمصاحبة ذلك، صدرت تصريحات عنصرية متطرفة من بعض الهندوس، من ذلك قول ريشي تريفيدي، أحد القادة الهندوس: “نحن أمة هندوسية ولا نريد أن نرى أي نوع من الزي الديني في المعاهد التعليمية في البلاد”، مضيفًا: “نرحب بحكم المحكمة ونريد اتباع نفس القاعدة في جميع أنحاء البلاد”.
علاوة على ذلك، قال قادة فيشوا هندو باريشاد (VHP)، وهي شركة تابعة لمنظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا، إنهم طالبوا بحظر الحجاب في ولاية غوجارات، مسقط رأس رئيس الوزراء، وسيكتبون قريبًا إلى ولاية أوتار براديش الأكثر اكتظاظًا بالسكان في البلاد، لاتباع الأمر ذاته.
وقال سكرتير VHP في ولاية غوجارات، أشوك رافال، إن “الحجاب ممنوع في قوات الدفاع والشرطة والدوائر الحكومية ، فلماذا الإصرار على الحجاب في المدارس والكليات؟” وبشكل غريب اعتبر المسؤول الهندي أن ارتداء الحجاب هو “محاولة لإثارة التوترات الطائفية”!
تهجير قسري للمسلمين
وهناك حوادث أخرى تعرض لها المسلمون فى ولايات أكثر خطورة من هذه الحوادث فقد قامت سلطات ولاية أسام شمال شرقي الهند بارتكاب جريمة التهجير القسري، لآلاف المسلمن في ولاية آسام فضلًا عن حوادث القتل المتعمد لبعض المزارعين من الأقلية المسلمة، وكالمعتاد وعلى الصعيد الشعبي فقد بدت حملات جماهير المسلمين حول العالم، إلى هاشتاج قاطعوا البضائع الهندية، فالحادثة ليست فردية كما يحاول البعض تسويقها، خاصة وأن بعض وسائل الإعلام الهندوسية ذكرت صراحة أن تزايد المسلمين في آسام يمثل خطرًا على الهندوس وأن نحو 20 ألفًا من الأقلية المسلمة وجب تهجيرهم من بيوتهم قانونًا بعد قرار السلطات بذريعة أنها أقيمت فوق أراض مملوكة للدولة.
وتأتي هذه الممارسات العنصرية بالرغم من أن عدد المسلمين في الهند، يصل إلى 200 مليون مسلم، مما يجعلهم أكبر أقلية مسلمة في العالم، وأن عددهم يضاهي عدد المسلمين فى دولة باكستان المجاورة، لكن مع ذلك يتعرضون للكثير من الممارسات القمعية من الهندوس المتطرفين كما ذكرنا.
وفي هذا الجو الذي يسيطر اليمين المتطرف فيه على حكومات العديد من دول العالم، فإن مستقبل المسلمين الهنود لا يبدو مطمئنًا.
اضف تعليقا