لم تكن زيارة رئيس النظام السوري، مجرم الحرب، بشار الأسد إلى إمارات الشر، في نهاية الأسبوع الماضي مفاجأة، على الرغم من أنها سببت -على ما يبدو- فقد توازن لدى بعض المراقبين القابعين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الواقع، فإن زيارة بشار جاءت بمثابة تتويج لسلسلة من الأحداث التطبيعية مع النظام السوري التي تعود إلى عام 2018، عندما أقر وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية بأنه كان من الخطأ الفادح طرد سوريا من جامعة الدول العربية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. ثم بعد ذلك إعادة فتح سفارة الامارات في العاصمة السورية دمشق، تلتها زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى الأسد أواخر العام الماضي.
وللتوضيح، فقد حافظت الإمارات على علاقة منفتحة نسبيًا مع نظام الأسد حتى خلال ذروة الحرب، حيث كانت الرحلات الجوية المنتظمة توفر ملاذًا لدائرة الأسد المقربة، يندر أن توفره أية دولة أخرى على مستوى العالم. كما أصبحت الدولة الخليجية المقر شبه الدائم لشقيقة الأسد بعد اغتيال زوجها آصف شوكت، المسؤول الحكومي البارز.
وبعد نجاة بشار من الإطاحة به، بفضل الدعم الإيراني والروسي المفتوح، ازدهرت العلاقة بين سوريا والإمارات علنًا خلال السنوات القليلة الماضية، في تحد لرؤية الولايات المتحدة لنظام مجرم الحرب السوري.
في أوائل مارس/ آذار، زار حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، جناح سوريا في معرض إكسبو دبي 2020 الموجود على الأراضي الإماراتية، وغرّد عن أهمية سوريا للعالم العربي وللحضارة، مؤكدًا أنه يجب حمايتها. كما أنه ابن راشد قد تحدث بإعجاب واضح في مذكراته عن بشار الأسد، زاعمًا أن شاب يرغب في تطوير دولته، بالإضافة إلى تسليطه الضوء على أهمية سوريا لجميع العرب.
مصالح تجارية
وبالرجوع للتاريخ القريب يتضح أن من أهم أسباب مساعدة الإمارات لبشار الأسد، ودعمها إياه في إبادة شعبه، والقضاء على حكم الجولة الديمقراطية، هي المصالح المالية البحتة. حيث ساعدت مدينة دبي في دفع العلاقة بين سوريا والإمارات، فقد اعتمد صعود دبي كمدينة سياحية على مساهمات الطبقات المتوسطة والعليا في سوريا.
ولعب رجال الأعمال والسياسيون السوريون – مثل إبراهيم الحسيني ويوسف ياسين ومعروف الدواليبي، وآخرين – دورًا رئيسيًا في الصعود المبكر لكل من المملكة العربية السعودية والإمارات كدولتين نفطيتين. وظلت العلاقات التجارية والتجارية نشطة على الرغم من الحرب في سوريا وحتى قبل إعادة الافتتاح الرسمي لسفارة الإمارات في دمشق، وذلك من خلال اجتماعات غير رسمية عبر وسطاء في دبي.
وقد يفسر هذا سبب عدم استغراب مطالبة الإمارات علنًا بإلغاء عقوبات قيصر الأمريكية، التي تفرض عقوبات على الأطراف التي تتعامل مع سوريا. كما قدمت الإمارات مساعدات طبية وساعدت في تسهيل إعادة التأهيل الإقليمي لنظام بشار، بينما كانت دول الخليج عاملاً مهمًا في مرونة القطاع المصرفي السوري.
وفقًا للاقتصادي السوري عامر الحسين، فإنه على الرغم من “البرودة” في العلاقات السورية الإماراتية بين عامي 2012 و 2018، إلا أن العلاقة اليوم لا تزال قوية، “بسبب تحركات العديد من العائلات التجارية والسياسية الرئيسية إلى الإمارات، والسياسات الإماراتية التي سمحت للعديد من الشركات العائلية بمواصلة العمل من دبي والإمارات الأخرى”.
وأضاف “الحسين” أنه اليوم، ومع إنهاء الصراع، يمكن للإمارات أن توفر قناة لاقتصاد النظام السوري في التجارة الإقليمية والعالمية”، بينما ستساعد أيضًا في إعادة إعمار ما خربه بشار من البنية التحتية في البلاد.
الإمارات تتفادى العقوبات الأمريكية
علاوة على ذلك، يبدو أن ولي عهد أبو ظبي، والحاكم الفعلي للإمارات، محمد بن زايد، قد تشجع على التقارب علنًا مع بشار بسبب الانشغال الأمريكي بالحرب الروسية-الأوكرانية، وقبل ذلك بسبب التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وتبدو رؤية الإمارات للمنطقة، في محاربة قيام أي دولة ديمقراطية أقرب إلى رؤية الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، منها إلى رؤية واشنطن. فالإمارات ترى أن ثورات الربيع العربي تشكل تهديدًا، وأنه يجب دحرها.
وعلى الرغم من هذا التقارب الروسي-الإماراتي في الرؤية، وعلى الرغم من كل التوترات التي كانت تختمر بين الإمارات وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، سيكون من الخطأ استنتاج أن أبو ظبي تعتزم الابتعاد عن شراكتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. ففي نهاية المطاف، واشنطن وليس موسكو، هي الضامن الأمني للإمارات، وهو ما يؤكده دور الولايات المتحدة في الدفاع عن الدولة الخليجية من هجمات الصواريخ والطائرات المسيرة التي شنها الحوثيون في وقت سابق من هذا العام.
التطبيع يحمي الإمارات مؤقتًا
كذلك، بفضل تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني تتمتع الإمارات بقدر هائل من النفوذ في واشنطن. ومن المرجح أن يمكّنها هذا النفوذ من مواصلة التحالف عن كثب مع روسيا فيما يتعلق بسوريا وليبيا والملفات الحساسة الأخرى في العالم العربي، مع البقاء أيضًا كونها بلد يمكن للأثرياء الروس فيه وضع ثروتهم والفرار من لدغة العقوبات الغربية.
وعلى هذا يمكن القول إن التطبيع وغزو روسيا لأوكرانيا ساهما في جعل الإمارات تستقبل الأسد بشكل علني لأول مرة منذ الثورة السورية. ذلك أنهما مكنا الإمارات من الهروب من أي ضغط أمريكي. وما يؤكد ذلك هو تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، بعد سؤال وجه له، حول زيارة الأسد إلى الإمارات.
حيث قال المسؤول الأمريكي إن واشنطن “تشعر بخيبة أمل شديدة ومقلقة من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على بشار الأسد ، الذي يظل مسؤولاً ومسؤولاً عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين قبل الحرب، والاعتقال التعسفي والاختفاء لأكثر من 150 ألف رجل وامرأة وطفل سوري “. وبعدها اكتفت واشنطن بهذا التصريح فقط.
اضف تعليقا