في منتصف الطريق على طول مدرج مطار دبي الرئيسي، كانت محطة صغيرة تقوم بأعمال نشطة -بصورة ملحوظة- هذا الشهر، إذ عج المطار بالكثير من الرحلات الجوية التي تحمل على متنها في العشرات من الروس – وكثير منهم من بين أغنى الشخصيات في الدائرة المقربة من فلاديمير بوتين.

يبدأ الأمر بترحيب قصير لكبار الشخصيات يليه ركوب سيارة ليموزين، ثم العيش بسلام على أراضي الإمارة الخليجية.

هؤلاء الضيوف ليسوا مواطنين عاديين، بل هم من الأوليغارشية الروس: رجال أعمال ومليارديرات روس مقربين من بوتين ولا يهتمون كثيراً بغزو موسكو لأوكرانيا أو محاولات معاقبة بوتين، بل تبنوا عن طيب خاطر عوامل تمكينه.

ربما أكثر من أي مكان آخر في العالم، فإن الأوليغارشية، وغيرهم من الروس الذين حصلوا على أموال، مرحب بهم في دبي، إلى جانب ثرواتهم، التي تتدفق إلى الإمارات العربية المتحدة بكميات غير مسبوقة – غالبًا عبر وسائل سرية.

لم تحذ الإمارات حذو الحكومات الغربية في استخدام العقوبات انتقاما لغزو أوكرانيا، بل أبلغ المصرفيون ووكلاء العقارات وتجار السيارات والمراسي عن وجود طلب غير عادي على المنازل والسيارات الفارهة وغيرها من العقارات المميزة مع استقرار التدفق في نظام ملكي غني بالنفط رسم مساره الخاص مع “روسيا بوتين” ولا يخشى كشف التوترات الصارخة مع الولايات المتحدة في القيام بذلك.

قال مصدر استخباراتي إقليمي لصحيفة الأوبزرفر إن المعاملات- من مبيعات العقارات النخبة إلى عقود الإيجار- تتم إلى حد كبير باستخدام العملات المشفرة، لكن بعضها كان تحويلات مباشرة من كيانات مالية روسية مرتبطة بأباطرة أعمال خاضعين بالفعل لعقوبات دولية.

تقوض مثل هذه التحركات العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على حلفاء القادة الروس وتمثل إغراءً قويًا للفئة التالية من رجال الأعمال الروس الذين يخشون المصير نفسه.

يبلغ وكلاء العقارات في دبي عن واحدة من أكبر الأسواق الصاعدة على الإطلاق حيث يقتنص المستثمرون الروس شققاً “غير مرئية”، إما بشرائها مباشرة أو دفع إيجار عام مقدماً، وهو ما علق عليه آلان بينتو، مستشار التأجير في شركة Espace Real Estate في مرسى دبي، قائلاً “إنه أمر لا يصدق”.

وأضاف “يقوم عدد كبير من المستثمرين الروس بشراء وحدات سكنية… لقد تلقينا عددًا هائلاً من المكالمات… يقومون بتحويل أموالهم عبر التشفير… لديهم وسيط يقوم بذلك نيابة عنهم ثم يتم تحويل الأموال إلى الملاك “.

تنتشر الشائعات على نطاق واسع بين سماسرة العقارات في دبي بأن الملياردير والمالك السابق لنادي تشيلسي لكرة القدم، رومان أبراموفيتش، متواجد حالياً في الإمارة، إذ أن إحدى طائراته تعتبر من الزوار المنتظمين للقاعدة الجوية، كما تم إرساء يخت خاص به في مياه الخليج القريبة.

تخضع ممتلكات أبراموفيتش للتدقيق في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في إقليم سانت بارتس الفرنسي في منطقة البحر الكاريبي، حيث يمتلك أكبر عدد من المنازل الفاخرة في خليج جوفيرنور، بالقرب من مجمعات مملوكة للأوليغارشية.

يُعتقد أن أبراموفيتش موّل مشاريع ترقية كبيرة للمرافق العامة، بما في ذلك الطرق ومواقف السيارات، وفاز بتأييد السلطات المحلية في الدولة الخليجية.

قال وكيل عقاري باع عقارين فاخرين تصل قيمتهما إلى 20 مليون دولار إلى مستثمرين روس في الأسابيع الثلاثة الماضية: “سيكون الأمر كذلك في دبي…. إنهم يعرفون كيف يتعاملون مع السلطات المحلية ويجعلون أنفسهم جيرانًا جيدين مرغوب بهم”.

قال بينتو: “كثير من المستثمرين الجدد يلتزمون الصمت حالياً… لن يشتروا أبدًا بشكل مباشر، فهم يدفعون الشركات للقيام بذلك نيابة عنهم.”

بينما تستمر طائرات الأوليغارشية في التنقل بين موسكو ودبي، كذلك تستمر الرحلات الجوية التجارية بين البلدين. ليس هناك ما يشير إلى تباطؤ تدفق الأموال بين المدينتين، ولم يكن هناك رد فعل محلي يُذكر على التحرك الذي تم اتخاذه في وقت سابق في مارس/آذار من قبل هيئة مراقبة الجرائم المالية العالمية، وهي مجموعة العمل المالي، لوضع دولة الإمارات العربية المتحدة على قائمتها “الرمادية”، مما يعني أن مصدر بعض النقود في الإمارات يمكن اعتباره مبهمًا ومشبوهاً.

بين المصرفيين وسماسرة النفوذ وكبار رجال الأعمال العالميين، لطالما عُرفت الإمارات العربية المتحدة بكونها بيئة متقبلة للاستثمار الذي يثير العديد من التساؤلات.

يمكن الحصول على تصريح إقامة وحساب مصرفي في غضون 30 يومًا بعد تسجيل الشركة، كما يمكن الحصول الإقامة الدائمة بشراء فيلا فاخرة بقيمة حوالي 1.5 مليون دولار.

كان بنك غولدمان ساكس من بين أوائل البنوك الأمريكية التي أعلنت إغلاق أعمالها في روسيا، لقد كان لديه حوالي 80 موظفًا في موسكو قبل النزاع، نصفهم تقريبًا ينتقل الآن إلى دبي، فيما ينتقل إلى دبي عدد صغير من القوة العاملة في موسكو البالغ قوامها 160 فردًا، مما أدى إلى إنهاء العمليات هناك، وبالطبع من المفهوم أن سهولة توافر تأشيرات دبي لعبت دورًا في اختيار الانتقال.

قال بينتو أيضاً إن بنك روتشيلد الخاص، الذي ورد أن وحدته لإدارة الثروات قررت التوقف عن قبول عملاء روس جدد، ينقل أيضًا بعض موظفيه المقيمين في روسيا إلى الإمارات.

زعمت حكومة الإمارات العربية المتحدة أنها اتخذت تدابير مهمة لتنظيم تدفق الأموال، لكن قبولها السريع للثروة الروسية في وقت التدقيق العالمي على قياصرة بوتين الماليين يشكك في صحة ومصداقية هذا الادعاء، في وقت أصبحت فيه العلاقة بين الإمارات وواشنطن متوترة بصورة كبيرة، حيث يقترب القادة الإماراتيون من الصين، التي تبرز كمحور محتمل لنظام مالي بديل، فضلاً عن كونها منافسًا جيوسياسيًا.

يتم طرح نظام الدفع الصيني عبر الحدود “Cips “، كبديل لنظام Swift – وهو تطور يمكن أن يغير طبيعة التمويل العالمي ويخفف من تأثير العقوبات على روسيا.

في حين أن مثل هذه الخطوة لا تبدو مرجحة دولياً – على الأقل على المدى القصير، لم يخجل القادة الإماراتيون من إظهار استيائهم من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يعتقدون أنه ابتعد عن شراكة إستراتيجية طويلة الأمد، في وقت كان فيه بوتين يبدي أنه على استعداد لاحتضانهم.

وسعت الحرب في اليمن الصدع، في يناير / كانون الثاني، أعلنت قوات الحوثيين مسؤوليتها عن هجوم على ما يبدو بطائرة مسيرة في أبو ظبي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وتركت ألسنة اللهب تتصاعد من موقع لتخزين النفط.

قال أحد المغتربين في دبي المطلعين على موقف الحكومة: “لقد كانوا مستائين بشكل خاص بشأن اليمن، خاصة أنهم لم يتلقوا مكالمة هاتفية من بايدن بعد أن تعرضت أبو ظبي لطائرات بدون طيار وصواريخ أطلقها الحوثيون”.

قال جوليان بارنز داسي، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “في ظاهر الأمر، يبدو أن الإمارات العربية المتحدة تعتقد أن بإمكانها تجاوز العقوبات الأمريكية، لكن قد يكون من السابق لأوانه استيعابها”.

وتابع “من الصعب معرفة مدى تناسبها مع الإحساس الإماراتي الأخير بالتحوط، وما إذا كانوا يتطلعون بنشاط إلى إرسال رسالة إلى واشنطن مفادها أنهم محبطون من الموقف الأمريكي بشكل عام ويسعدهم المضي قدمًا في طريقهم الخاص”.

 

للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا