أسعار المواد الأساسية مثل الزيت والقمح ارتفعت بشكل كبير خلال الفترة الماضية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، كما شهدت أرفف المحال التجارية نقصاً ملحوظاً في عدد كبير من المواد الغذائية في بلدان مثل لبنان والصومال ومصر.
فيما يلي نظرة على أبرز الآثار السلبية التي تسببت فيها الحرب الروسية-الأوكرانية على تلك البلدان:
لبنان
حين يجلس مسلمو لبنان على مائدة الإفطار الأول في رمضان هذه الليلة (03 أبريل/نيسان) سيصطدمون بالواقع الذي يقول أن الوجبة التي أمامهم كلفت أكثر بكثير مما كانت عليه قبل ستة أسابيع.
البلد الشرق أوسطي، الغارق بالفعل في أزمة اقتصادية ويكافح التضخم قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، يجد نفسه الآن في صراع مع ارتفاع أسعار القمح وزيت الطهي.
في حديثها لـ طومسون رويترز، قالت منى أمشة، من بيروت “في عام 2021، عندما كانت الأسعار مرتفعة بالفعل، كنت أستخدم نفس الزيت لطهي عدة أطباق…. الآن، لا يمكنني حتى فعل ذلك”.
المخاوف بشأن واردات القمح – أكثر من 60٪ منها تم استيرادها العام الماضي من أوكرانيا – حادة بشكل خاص لأن احتياطيات لبنان محدودة بعد الأزمة التي شهدتها البلاد في صيف 2020، حين أدى الانفجار الهائل الذي مزق ميناء بيروت في آب/أغسطس 2020 وقتل أكثر من 200 شخص إلى تدمير صوامع الحبوب الرئيسية، نتيجة لذلك، يُعتقد أن البلاد لديها ما يكفي من القمح لتعيش حوالي ستة أسابيع فقط.
قالت الحكومة إنها تحاول تأمين واردات جديدة من الهند والولايات المتحدة وكازاخستان، وبالطبع، فإن كل ذلك يستلزم سفر الحبوب لمسافات أطول بكثير على طرق الشحن باهظة الثمن بشكل متزايد.
بالرغم من ذلك، قال وزير الزراعة عباس الحاج حسن: “لا أزمة قمح في لبنان اليوم”.
من ناحية أخرى، بدأ النقص بالفعل في الظهور على أرفف المحال التجارية، وتم تقنين توزيع مادة الطحين على المخابز والأفران، فضلاً عن ارتفاع الأسعار الملحوظ منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، بحسب ما قال بوجار هوشا، المدير القطري لمنظمة “كير انترناشونال”.
وأضاف: “في الفترة من 24 فبراير/شباط إلى 21 مارس/آذار، شهدنا زيادة عامة بنسبة 14٪ في أسعار المواد الغذائية”. وتابع “بالنسبة للخبز، على سبيل المثال، بلغت الزيادة 27٪ بالنسبة للخبز، وبالنسبة للسكر الأبيض بلغت 72٪، أما بالنسبة لزيت عباد الشمس بلغت النسبة 83٪ … كما تتصاعد المخاوف بشأن تكلفة الوقود الضروري لتزويد الكهرباء والمياه”.
شرائح المجتمع المختلفة معرضة للتأثر بمثل هذه التغييرات، أكثرهم عرضة هم اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان والبالغ عددهم 1.5 مليون، يعيش معظمهم في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية.
فر الكثيرون من القصف الروسي في وطنهم ويستعدون الآن للشعور بالآثار غير المباشرة لحروب أخرى يقودها فلاديمير بوتين.
يقول هوشا: “حين يكون الحديث عن الفقر، أحاول دائماً استخدام تشبيهات تتعلق مستوى سطح البحر…إذا كان هناك لبنانيون يعيشون تحت خط الفقر، فعلينا دائمًا أن نتخيل اللاجئين السوريين تحت مستوى 20 تحت سطح البحر عن خط الفقر هذا.”
أدى قرار بعض الدول بمنع الصادرات إلى تفاقم المشكلة، طلب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الأسبوع الماضي من الجزائر إعفائها من الحظر المفروض على صادرات السكر منتصف مارس/آذار، حول هذا يقول هوشا إن مؤسسته حاولت شراء زيت نباتي من تركيا لكنها لم تتمكن من القيام بذلك.
وتابع “إذن، قد تكون الأشهر القليلة المقبلة صعبة، والآمال في الشهر الفضيل منخفضة بالتأكيد… سيكون هذا أحد أصعب رمضان التي واجهها لبنان …. اعتقدنا أنه كان العام الماضي… اعتقدنا قبل عام من ذلك.. لكن بالتأكيد هذا سيكون صعبًا بشكل خاص”.
الصومال
أسوأ جفاف منذ أربعة عقود؛ انتشار الجوع لدرجة أن المجاعة يمكن أن تتطور في غضون أشهر وتصل لمستويات كارثية؛ تجدد أعمال العنف من قبل الإرهابيين الذين يسعون للإطاحة بالحكومة الهشة، وحتى قبل دخول الدبابات الروسية إلى أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، كان لدى الصومال يعيش في وضع اقتصادي صعب.
والآن، مع الغزو الذي يشل سلة الخبز في العالم، يتعين على الدولة الواقعة في شرق إفريقيا مواجهة تحدٍ آخر: الارتفاع الهائل في أسعار السلع الأساسية.
في حواره مع وكالة فرانس برس هذا الأسبوع، قال التاجر محمد عثمان “قبل أسبوع، كان سعر عبوة زيت الطهي حجم 20 لتراً تبلغ 25 دولارًا، واليوم وصلت إلى حوالي 50 دولارًا [38 جنيهًا إسترلينيًا]، في حين كان سعر لتر البنزين 0.64 دولار واليوم يبلغ حوالي 1.80 دولار – إنه أمر جنوني”.
في الصومال، حيث يُعتقد أن حوالي 1.4 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، كما يعتمد أكثر من 4 ملايين شخص على المساعدات الغذائية الطارئة، سيكون لارتفاع الأسعار تأثير كارثي.
وعلى الرغم من الدولة لا تعتمد بشدة على واردات القمح مثل بعض البلدان، إلا أن الصومال لديها العديد من الأسباب الأخرى للخوف من التأثير المتتالي للحرب في أوكرانيا.
يقول بيتروك ويلتون، المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن معظم المساعدات الغذائية التي تقدمها الوكالة في الصومال تمت من خلال التحويلات النقدية، والتي كانت شديدة التأثر بتقلبات السوق.
وأضح “أي تأثير كبير على القوة الشرائية للأشخاص الذين نخدمهم بسبب التغيرات المفاجئة في الأسعار هو مصدر قلق حقيقي، لا سيما في سياق هذا الجفاف الشديد للغاية”.
بدأ الجفاف الذي يجتاح البلاد منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020، وحذرت الأمم المتحدة من أن الصومال قد يميل إلى المجاعة هذا العام إذا لم تكن الأمطار المتوقعة في الأسابيع القليلة المقبلة كافية.
في عام 2011، وهي المرة الأخيرة التي شهد فيها الصومال مجاعة، يُعتقد أن ما يقرب من 260 ألف شخص قد لقوا مصرعهم.
قبل غزو أوكرانيا، كانت أسعار المواد الغذائية ترتفع بالفعل بسبب الجفاف، مع نفوق الماشية أو انخفاض جودتها، وانخفاض إنتاج محاصيل الحبوب مثل الذرة الرفيعة لأقل بكثير من المتوسطات طويلة الأجل، يقول ويلتون: “إن الآثار على المدى المتوسط للأزمة الأوكرانية هي مجرد سبب إضافي لكارثة قريبة”.
وأضاف ويلتون أن برنامج الأغذية العالمي في الصومال على وشك استلام آخر شحنة من المواد الغذائية – شحنة من البازلاء الصفراء – غادرت ميناء أوديسا قبل أن يضطر إلى الإغلاق… “بعد ذلك، ليس لدينا حاليًا أي رؤية بشأن الشحنات المتوقعة الأخرى… لذا نعم، هناك قلق حقيقي من أن ندرة بعض هذه السلع القادمة إلى الصومال والمنطقة قد تؤدي إلى ارتفاع الأسعار “.
مصر
لعقود من الزمان، تمكن عشرات الملايين من المصريين من الذهاب إلى المخبز المحلي، وشراء الخبز المدعوم ببضعة قروش فقط، الخبز أساسي جدًا في طريقة الحياة المصرية لدرجة أنه يُعرف باسم “العيش”، حرفياً يعني “الحياة”.
ومع ذلك، يواجه هذا السعر الثابت خطر الارتفاع الكبير، حيث تسعى الحكومة للرد على ارتفاع تكاليف القمح الناتج عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، معرضة بشكل خاص لصدمة ارتفاع الأسعار هذه، ويشهد المستهلكون بالفعل زيادات كبيرة في تكلفة السلع غير المدعومة.
في العام الماضي، استوردت مصر أكثر من 70٪ من قمحها إما من روسيا أو أوكرانيا، وفقًا للأمم المتحدة، لذا فإن التحدي الأول للدولة هو البحث عن موردين بديلين بعيدًا عن البحر الأسود.
هذا الأسبوع، قال وزير الزراعة الفرنسي، على سبيل المثال، إن بلاده “ستقف إلى جانب مصر للتأكد من حصولها على القمح الذي تحتاجه في الأشهر المقبلة”.
لكن هناك مشاكل مع معظم البدائل، كان القمح من فرنسا يعتبر في الماضي رطبًا جدًا -لا يناسب نوعية القمح المستخدمة في مصر بصورة كبيرة-، كبار المصدرين الآخرين مثل أستراليا أو كندا يجلبون معهم تكاليف إضافية كبيرة بسبب النقل، خاصة في وقت ارتفاع أسعار الوقود.
من جانبه، دعا وزير التموين المثري، علي المصيلحي، المصريين في مقابلة الشهر الماضي، إلى عدم القلق، قائلاً إن مخزونات البلاد كافية لمدة أربعة أشهر على الأقل، وأن هناك “إرادة سياسية ورؤية للحفاظ على احتياطي القمح”، وأضاف، وفقًا لبلومبرغ، أن الحصاد المحلي من المتوقع أن ينتج مليون طن أكثر مما كان متوقعًا.
ومع ذلك، مع ارتفاع متوسط سعر طن القمح المستورد بنحو 100 دولار الآن عن العام الماضي، يتوقع الكثيرون أيضًا أن تتخذ الحكومة إجراءات بشأن الرغيف المدعوم.
كان البرنامج بالفعل هدفًا قبل غزو أوكرانيا؛ حيث أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي العام الماضي: “ليس من الواقعي أن أبيع 20 رغيفًا بنفس سعر السيجارة … هذا يجب أن يتوقف”، الآن يبدو أن مثل هذه الخطوة لا مفر منها.
لكن في بلد يعيش فيه حوالي ثلث السكان تحت خط الفقر، يبقى أن نرى ما إذا كانت الحكومة مستعدة للتداعيات الاجتماعية. حول هذا، حذرت كريستالينا جورجيفا، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، في نهاية الأسبوع الماضي قائلة “عندما ترتفع الأسعار، ولا يستطيع الفقراء إطعام أسرهم، سيكونون في الشوارع… شيء واحد نعرفه عن الأزمات والاحتجاجات في مكان ما، إنها لا تبقى مكانها، بل تنتقل من مدينة لأخرى”.
للاطلاع على النص الأصلي من المصدر اضغط هنا
اقرأ أيضاً: الغارديان: دبي مأوى الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات
اضف تعليقا