العدسة .. مؤيد كنعان

لم يعد يشعر المصريون في السعودية بالغربة، ولم يعد السعوديون ينظرون للمصريين من برج ذهبي، فالأحوال تقاربت، مع فارق قيمة العملة واحتياطيات النفط، وباتت حالة التماهي بين ولي عهد المملكة وحاكمها الفعلي محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واضحة للعيان، بدأت ملامحها بالتماهي الأمني، حينما أوفدت مصر عددا من قيادات جهاز الأمن الوطني وضباطه المشهورين بسوء السمعة إلى المملكة لتدريب السعوديين على تقنيات الاستجواب والاستنطاق، ودورات في “علم الاعتقال”، تمهيدا لانطلاق عمل جهاز أمن الدولة السعودي، الذي صدر قرار بتشكيله في يوليو الماضي.

“هوجة” الاعتقالات التي شهدتها المملكة بعد إنشاء هذا الجهاز بأسابيع جملت نكهة السيسي أيضا، اعتقالات لم تفرق بين متشدد ووسطي، بل على العكس ركزت على الوسطي، طالما لا يزال يمتلك فكرا استقلاليا، وتركت غيره، ما دام يسبح بحمد الحاكم، ثم توالت لتشمل قضاة وإعلاميين وشخصيات عامة وحتى نساءً.

غضب “العلاوة”

مساء السبت 28 أكتوبر الجاري كان عدد كبير من مستخدمي موقع “تويتر” في المملكة ينتقدون تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، التي أثار فيها قلق السعوديين، بعد تلميحه إلى استمرار توقفها، وتأكيده أن ذلك يوفر 3% من فاتورة الرواتب.

وكان “الجدعان” قد قال في حوار مع وكالة “بلومبيرج” على هامش مبادرة مستقبل الاستثمار أن خفض فاتورة الرواتب سيظل هدفا، موضحًا أن ذلك لن يتحقق من خلال تقليص رواتب الموظفين، وإنما عبر تعيين أعداد أقل بدلا من المتقاعدين سنويا.

وفي يونيو الماضي، صدر أمر ملكي سعودي يقضي بإعادة جميع البدلات والمكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين التي تم إلغاؤها أو تعديلها أو إيقافها إلى ما كانت عليه، وبأثر رجعي، إشارة إلى أن دخل الدولة يشهد تحسناً طيباً، يسمح بعودة البدلات والمكافآت بأثر رجعي.

ورغم صدور الأمر، وتأكيده في سائل الإعلام السعودية، فإن وزارة المالية هناك ظلت صامتة تماما، دون أن تخرج لتتحدث عن ضوابط الصرف المنتظر، ولم يهتم السعوديون كثيرا، لأن موعد صرف العلاوة في الأساس هو في شهر محرم، واستمر صمت “المالية” لأسابيع.

وفي سبتمبر، وبعد بداية العام الهجري بأيام قليلة، خاطبت بضع وزارات حكومية في السعودية، المؤسسات والشركات التابعة لها، للاستعداد لصرف العلاوة السنوية للموظفين عن العام الهجري الجديد.

«نيوم» و «قناة السويس الجديدة»

لكن عند صرف رواتب شهر المحرم، فوجئ الجميع بأنه “لا علاوة”، والمفارقة أن السعوديين تلقوا هذه الصفعة بالتزامن مع إعلان ولي العهد محمد بن سلمان عن تخصيص 500 مليار دولار لمشروع “نيوم”، وسط مظاهرة إعلامية صاخبة لتلميع المشروع الذي فوجئ به السعوديون ولم يروا منه أي شيء بعد.

تكاد هذه اللقطة تتطابق مع الـ “زفة” الإعلامية في مصر التي تزامنت مع افتتاح السيسي مشروع تفريعة جديدة لقناة السويس، والتي عرفت إعلاميا وسياسيًّا باسم “قناة السويس الجديدة”، حيث أُجبر المواطنون على نسيان آلامهم بسبب الارتفاعات الجنونية لأسعار السلع والخدمات، والتهليل للمشروع الضخم الذي سيغير وجه مصر، ويجلب لها الذهب والفضة والثروات من جميع أنحاء العالم، ولا ينسى أحد تصريحات الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، الذي قال – حينها – إن أرباح مصر من المشروع ستتجاوز 100 مليار دولار سنويا، لدرجة أن إعلاميين طالبوا المواطنين بالاستعداد للرخاء.

مربع التوحد

الجديد الآن أن حالة غضب حقيقية تم رصدها بين أوساط المواطنين السعوديين، الذين وجدوا أنفسهم محاصرين بين الآتي:

أولا: قرارات اقتصادية صعبة، كان أبرزها فرض ضرائب جديدة، مثل ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، وأخيرا استمرار المماطلة في صرف العلاوات والحوافز.

ثانيا: تصعيد أمني وعمليات اعتقال طالت مختلف شرائح المجتمع، لإشاعة جو من الخوف من المعارضة أو التذمر.

ثالثا: خطاب إعلامي ممنهج يتبني التخويف من المعارضة والتذمر، باعتبارهما أعمالا إرهابية تستهدف إسقاط الوطن.

رابعا: وضع أمني متدهور على الحدود الجنوبية للمملكة، وسط أنباء عن نجاح الحوثيين في شن هجمات داخل العمق السعودي توقع ضحايا في صفوف الجنود، تقريبا هي نفس الحالة التي تشهدها منطقة سيناء المصرية، مع فوارق طفيفة للغاية.

الوضع السابق تماما هو ما يتم في مصر، لتصبح الحالة السعودية والمصرية مستنسخة، مما يؤكد أن غرفة العمليات للبلدين صارت واحدة أو تدار بأسلوب واحد، والسؤال هنا: هل اقتنع “بن سلمان” بمنهج السيسي في الحكم، بعد أن رأى استكانة المصريين التامة حيال كل ما حدث ويحدث، منذ مجيئه للسلطة في يونيو 2014، وحتى الآن، أم أن طرفا ثالثا يرى فيه “بن سلمان” و السيسي قدوتهما هو الذي ينظم كل تلك الأمور؟

15 سبتمبر و 11 نوفمبر

لا يجب أيضا إغفال التنويه على ما أطلق عليه حراك 15 سبتمبر في المملكة، والذي تشابه تماما مع دعوة التظاهر في مصر يوم 11 نوفمبر 2016، حيث اشتركا في الغموض حول الجهة الداعية أو المنظمة، وتلقف وسائل الإعلام لها وتضخيمها لصنع فزاعة توحي بأن شيئا كبيرا سيحدث، وبالتالي يزداد اهتمام الرأي العام بين خائف ومترقب ومُمَنٍّ للنفس بثورة، وفي اليوم الموعود لا يحدث أي شيء فيصاب الجميع بالإحباط، ويترسخ لدى الكل أنه لم يعد أحد قادرا على السلطة، مهما فعلت.

الاختلاف الوحيد الآن، هو أن السيسي يستقبل أياما أقل كثيرا مما استدبر، ورغم أنه يحاول انتزاع مدة رئاسية جديدة، إلا أن موقف الشركاء والحلفاء والرعاة الإقليميين والدوليين لا يزال غامضا، بينما يستعد “بن سلمان” للإطباق على السلطة كاملة، بتنصيبه ملكا مرتقبا للسعودية كي يبدأ مع الشعب هناك سنوات من “تجربة السيسي الملهمة”.