محللون يكشفون الأسباب الحقيقة لتعهد ولي العهد السعودي بعودة الاسلام المعتدلة للمملكة.

اعتبر محللون أن تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعودة المملكة إلى ما وصفه بـ”الإسلام الوسطي”، كانت بمثابة خطوة استباقية مدروسة مسبقا من الأمير، لقطع الطريقة على الجهات المتشددة فى المملكة للاعتراض أو إعاقة خططه الانفتاحية غير المسبوقة على المجتمع السعودي.

وقال محللون إن هذه الخطوات الانفتاحية تتمثل فى رفع الحظر عن أمور ظلت من السمات البارزة للمملكة لعقود على سبيل المثال السماح للنساء بقيادة السيارة ، أو حظر سمات أخري مثل عدم إغلاق المحال التجارية وقت الصلاة .

وفى هذا الصدد، رأي مأمون فندي، مدير معهد الاستراتيجية العالمية في لندن فى تصريحات لـ”وكالة أسوشيتيد برس” الأمريكية، “أن ما يقوم ولي العهد السعودي به يعد إجراءات ضرورية ولازمة، لأي نوع من الاصلاح الاقتصادي”

وقال: إن الاصلاح الاقتصادي يتطلب “أخلاقيات بروتستانتية جديدة” إذا كان الأمير يريد تطبيق نسخة جديدة من الإسلام فى المملكة، مشيرا إلى أن هذه النسخة السعودية الجديدة من “الإسلام المعتدل” يمكن فهمها بأنها تستجيب للإصلاحات الاقتصادية، بحيث لا تغلق المحال التجارية فى أوقات الصلاة، أو تطرد النساء من الحياة العامة .

وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أنه _ بعبارة أخري _ تتطلب الإصلاحات الاقتصادية فى المملكة، إصلاحًا اجتماعيًا بالتوازي لكي تلقى نصيبها من النجاح .

وأضافت، أن الكلمات الطنانة مثل ” إصلاح ” و”شفافية” و”مساءلة” – والتي استخدمها الأمير فى الترويج لرؤية 2030- لا تعني أن المملكة تتجه نحو مزيد من الليبرالية والديمقراطية والتعددية وحرية التعبير، حيث إنه من غير المنتظر أن تمنح الحكومة تراخيص لدور العبادة لغير المسلمين، أو ترفع القيود المفروضة على مواطنيها الشيعة .

وذكرت الوكالة أن ولي العهد الذي قد يصبح قريبا ملك السعودية ، يرسم مسارًا جديدًا، أكثر حداثة لبلد ظل يتبع المنهج المحافظ لعقود، حيث لم يكن هناك حفلات موسيقية، أو عروض أفلام، وكان هناك نساء يتم القبض عليهن إذا حاولن قيادة السيارة .

ولفتت إلى أنه منذ أن أطلقت يد ولي العهد – بدعم من والده الملك سلمان –  دفع ولي العهد البلاد نحو الكثير من التغييرات التي من الممكن أن تكون بمثابة إعلان عن بداية حقبة جديدة لأحد حلفاء الولايات المتحدة الأكثر أهمية فى المنطقة.

واتسمت التغيرات وفقا للوكالة، بإبعاد المملكة عن التشدد العقدي والقيود الاجتماعية التي ظلت لعقود موجودة فى المملكة، فقد رجعت المملكة لتقيم الحفلات الموسيقية، وتعرض الأفلام مرة أخرى، ويعتقد أنه كان القوة الدافعة وراء قرار الملك برفع حظر القيادة عن المرأة، الذي يدخل حيز التنفيذ العام المقبل .

ونبهت أن الأجندة الإصلاحية التي يتبناها بن سلمان تنهي التحالف الذي طال أمده بين السلطات الحاكمة والمؤسسات الدينية فى المملكة ، لتحرير المملكة من القيود وإدخالها فى الرأسمالية العالمية ، لجذب المستثمرين الدوليين وربما السياح غير المسلمين.

رؤية 2030

وأوضحت الوكالة، أن الأمير السعودي الشاب، استحوذ على العناوين الرئيسية للصحف العالمية، من خلال تعهده بعودة المملكة إلى الإسلام المعتدل، وقال: ” نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب”.

وفى خطته “رؤية 2030” والتي تهدف إلى فصل الاعتماد شبه الكامل علي البترودولار، أعد الأمير رؤية لدولة متسامحة، دستورها الإسلام، طريقها الاعتدال .

وخلال التصريحات عن الإسلام المعتدل ظهر الأمير محمد بن سلمان، على خشبة مسرح خلال مؤتمر للمستثمرين فى العاصمة الرياض، هذا الأسبوع، لإرسال رسالة إلى الجمهور العالمي.

وقال خلال تواجده بالقاعة الكبري بفندق ريتز كارلتون: إن “70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورا”.

وتابع: “نريد أن نعيش حياة طبيعية، حياة تترجم ديننا السمح وعاداتنا وتقاليدنا الطيبة، وهذا أمر أعتقد أنه اتُخِذت (في إطاره) خطوات واضحة في الفترة الماضية، وأننا سوف نقضي على بقايا التطرف في القريب العاجل”.

وأضاف: “نحن نمثل القيم المعتدلة، والحق إلى جانبنا في كل ما نواجهه، ولذا فلا أعتقد أن هذا الأمر سيكون مصدر قلق”.

إيران والوهابية

وذكرت الوكالة أن  تصريحات بن سلمان حظيت بحفاوة عالمية، تصدرت الصفحة الأولي لصحيفة الجارديان البريطانية .

وفى تصريحات موسعة للصحيفة، قال الأمير: إن الملوك السعوديين لم يعرفوا كيفية التعامل مع ثورة 1979 فى إيران التي جلبت للسلطة قيادات دينية شيعية لا تزال موجودة حتي اليوم .

يذكر أنه في نفس العام وقعت حادثة حصار مكة لمدة 15 يوما من قبل أتباع جهيمان العتيبي، ونفذه مجموعة معارضة للانفتاح الاجتماعي الذي جري فى الوقت، واعتبروه رؤية غربية وليست إسلامية .

ورد حكام آل سعود على أحداث 1979 بتمكين المتشددين، وللحماية من تداعيات الثورة الشيعية فى طهران، دعمت الحكومة الرامية للعمل على انتشار الوهابية التي طبقت المملكة منذ85 عاما وتصديريها إلى الخارج ،

وتابعت الوكالة أن المتشددين لجئوا إلى الاستناد إلى السنة والآراء المتعصبة لتبرير العنف ضد الآخرين، ومن أجل استرضاء هذه الشريحة المحافظة الكبيرة من السكان فى الداخل ، اغلقت المملكة دور السينما، ومنعت النساء من الظهور على شاشات التلفاز الحكومية وشجعت الشرطة الدينية .

وظائف للشباب

وأردفت الوكالة: الآن الكثير من الأمور تتغير فى ظل عهد ولي العهد لأنه يكتسب مزيدا من القوة، وربما يصبح وريثا للعرش، فهناك خطط لبناء متنزهات “6 فلاجز”، ووجهة سياحية شبه مستقلة فى البحر الأحمر، حيث من المرجح ألا يتم فيها تطبيق قواعد صارمة على ملابس النساء، وحصلت النساء على مزيد من الحق فى ممارسة الرياضة، وتم تقليص الشرطة الدينية ، وتخفيف القيود المفروضة على الفصل بين الجنسين .

وأوضحت أنه على عكس الملوك السابقين، مثل الملك عبدالله، الذي كان يدعم عملية انفتاح تدريجي ، وحذرة، يتحرك الأمير محمد بن سلمان بسرعة .

وذكرت أن أكثر من نصف مواطني المملكة حوالي 20 مليون أقل من 25 عاما، وهذا يعني أن الملايين من الشباب السعوديين سيدخلون القوى العاملة فى العقد المقبل، لافتة أن الحكومة تحاول على وجه السرعة العمل على خلق فرص عمل، والقضاء على كافة انواع المظالم والاعتراضات التي أثارت انتفاضات فى بلدان عربية أخرى عندما تفشت فيها البطالة.

حقوق الانسان

ولفتت الوكالة إلى أن الأمير لم يذكر أية مخاوف تتعلق بحقوق الانسان ، حيث تم اعتقال عشرات من الشخصيات البارزة فى خطوة تهدف لردع من تسول له نفسه الحديث أو توجيه انتقادات تخالف خطة الأمير.

وأشارت إلى بعض هؤلاء المتعتقلين، الذين يعتقد، على نطاق واسع، أنهم من منتقدي السياسة الخارجية للمملكة التى تشمل مقاطعة قطر، وزيادة التوتر مع إيران، والغارات الجوية على اليمن التي قتلت عشرات المدنيين، والتي تواجه بإدانة حادة من قبل جماعات  حقوق الانسان فى واشنطن.

وفى نفس الوقت يواجه الأمير محمد جمهورا سعوديا لا يزال محافظا دينيا، وهذا يعني أنه لا يزال بحاجة إلى دعم كبار العلماء فى الدولة لاعتبار إصلاحاته تدخل ضمن إطار الدين ومسموح بها دينيا .

هؤلاء الرجال الذين تحدث الكثير منهم فى الماضي ضد النساء العاملات و الراغبات فى قيادة السيارة، ويبدوون غير راغبين أو غير قادرين على الانتقاد العلني لخطوات الأمير ، فى ظل نظام ملكي يملك فيه الملك القول الفصل فى معظم الأمور، وأظهر الجمهور أنه يرحب بالتغيرات .