منذ تولي السيسي سدة حكم مصر، تتواصل أخبار اقتراض مصر سواء من دول الخليج أو صندوق النقد الدولي بصورة أكبر من العهود السابقة.
هل تستفيد الدولة المصرية أو يستفيد الشعب المصري من تلك الديون، أم تتذرع بها الحكومة لفرض التقشف وسياسات مالية صارمة على المواطن المصري؟!
والأهم من ذلك، إلى متى ستظل مصر تلجأ للاستدانة عند كل أزمة اقتصادية تواجهها؟ هل سنرى مصر الخديوي إسماعيل من جديد؟
ديون لسداد الديون
تشير المؤشرات إلى أن مصر تتجه نحو أزمة كارثية، بيد أن إجمالي الديون السيادية لمصر من المتوقع أن تصل مع نهاية العام الحالي 2022 إلى 391.8 مليار دولار أمريكي، بعد أن كانت عند مستوى 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017، وبالتالي فإن نسبة ديون مصر تبلغ 0.6% من إجمالي الديون التجارية في العالم.
إذا ما قورن رقم هذا العام بالعام الماضي الذي كان 348.4 مليار مع نهاية العام 2021، فإن الديون السيادية سوف ترتفع بواقع 43.4 مليار دولار، فضلاً عن أن مصر ستقترض 73 ملياراً جديدة هذا العام وهذا يعني أن نحو 30 ملياراً من الديون الجديدة ستذهب للوفاء بديون سابقة وسوف تتراكم الديون بشكل أكبر.
إذاً فإن مصر تقترض من أجل أن تسدد ديون القروض الأولى ولن تعود القروض الجديدة على مصر بأي نفع سوى أنها ستتراكم عليها بفوائد عالية.
زمن الخديوي إسماعيل
حين اعتلى الخديوي إسماعيل عرش مصر سنة 1863م اضطر إلى دفع تعويضات أربعة ملايين جنيه كغرامة فرضها إمبراطور فرنسا “نابليون الثالث”، وهو ما عجزت عنه ميزانية الدولة حينئذ، وحين اقترب افتتاح حفل قناة السويس في عام 1869م لجأ إسماعيل إلى الاقتراض، فاستطاع أن يأخذ قرضاً مقداره 11.890.000 جنيه من بنك أوبنهايم، بشروط قاسية وعمولات عالية لم يدخل فعليا منها الخزانة المصرية سوى 7.195.384 جنيها، أي أن نسبة القرض كانت 61%.
بعد ذلك حلت بخزانة مصر خسارة فادحة نتيجة شروط هذا القرض، بل وخصص لسداد أقساطه السنوية إيرادات الجمارك وعوائد الكباري وإيراد الملح ومصايد الأسماك، وقُدّر دخل هذه الموارد بمليون جنيه في السنة، وكان من شروط هذا القرض أن يكف إسماعيل عن الاستدانة لخمس سنوات.
لم يكتف إسماعيل بهذا بل أنفق الجزء الأكبر من هذا القرض على نزواته الخاصة، حيث أتم بناء قصوره في عابدين والقبة والعباسية والجيزة وسراي مصطفى باشا في الإسكندرية وأنفق منه على حفل افتتاح قناة السويس التي تناولتها كبرى الصحف العالمية، وبلغ إنفاقه على ذلك الحفل مليونا ونصف مليون جنيه.
وهنا نجد وجه التشابه بين الخديوي إسماعيل وعبد الفتاح السيسي في إهدار المال العام وإيقاع الدولة في دوامة الديون، حيث أن عدد كبير من المؤرخين قالوا إن حفل افتتاح قناة السويس أحدث فراغاً كبيراً في الخزانة المصرية، وبدأت مظاهر الضيق والارتباك تبدو على وزارة المالية لقرب المواعيد المضروبة لأداء أقساط الديون، ولم يكن في خزائنها ما يفي بذلك، فاضطر الخديوي تحت وطأة المشكلة، وبطريقة سرية، أن يستدين من أحد معارفه 300 ألف جنيه، وقبلت وزارة المالية أن تخصم البنوك سنداتها بفائدة 14% لمدة ثلاثة أشهر وهذا ما يفعله السيسي الآن مع دول الخليج.
بيع الأصول
لم يكتف السيسي بإسقاط مصر في دوامة الديون، بيد أنه اتجه لسياسة بيع الأصول وأي شئ يدر عليه الأموال، فقد تواردت أخبار من جانب المشترين للأصول المصرية وسط حالة من التعتيم الإعلامي المصري كان آخرها صندوق الثروة السيادي في أبو ظبي “القابضة”، الذي اعتزم الاستحواذ على حصص في شركات الأسمدة والشحن المصرية، ضمن استثمارات تصل إلى 2 مليار دولار في مصر وهي تدعم العديد من الشركات العريقة المصرية مثل شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة وشركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع، إضافة إلى بنك cib وشركة هيرمس القابضة وشركة فوري والعديد من شركات الإتصالات من قبل.
مصير لبنان
كل ما يفعله السيسي بمصر لا ينذر بأي خير للمحروسة حيث انتاب عدد من الاقتصاديين مشاعر الخوف من أن يكون مصير مصر مماثل لمصير لبنان مؤكدين أن لبنان لن تكون الأخيرة حيث أن أموال الخليج تأخر أمر الإفلاس فقط لأسابيع أو شهور لكن الأمر شبه محتوم، في ظل ديون متراكمة ومؤشرات كارثية على الاقتصاد المصري.
خلاصة القول.. مصر مهددة بالإفلاس كمصير لبنان وكذلك تحت تهديد العودة إلى الخلف حتى زمن الخديوي الذي أغرقها بالديون، فالسيسي مستمر في سياسة إغراق البلاد دون رقيب أو أحد يأخذ على يده.
اضف تعليقا