“أبناء زايد نجحوا في شرائه”.. هكذا انتقدت صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية، علاقة حكام دولة الإمارات العربية المتحدة برئيس وزراء بريطانيا السابق، توني بلير، في يونيو 2014، مؤكدة أنه يعمل لصالح أبوظبي في الكواليس.

وتزامنت هذه الانتقادات لبلير مع أوج صعود الثورة المضادة برعاية اللوبيات السياسية والإعلامية المدعومة إماراتيا في دول الربيع العربي، لاسيما مصر، التي لم يكد الانقلاب العسكري على أول رئيس مدني منتخب بها يكمل عامه الأول.

واعتمد اللوبي الإماراتي في ذلك على شبكة واسعة من أشباه بلير، ومنهم الوسيط الدولي السابق في ليبيا، برناردينوليون الذي عينته الإمارات رئيسًا للأكاديمية الإماراتية الدبلوماسية مقابل 35 ألف جنيه إسترليني شهريا، لتنفيذ أجندتها داخل ليبيا.

 ليون

شراء ليون

وكشفت وثيقة مسربة من البريد الإلكتروني الخاص بليون إلى وزير خارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، بتاريخ 31/12/2014 أن الأول تعمد عدم دعوة الأطراف الليبية للحوار حسب الاتفاق، إضافة إلى “تشاوره مع محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا السابق المقيم في الإمارات”، وذلك بعد أقل من 5 أشهر على عمله كوسيط دولي داخل ليبيا.

في ذات التوقيت كانت شبكة أخرى تابعة للوبي الإمارات تقطف ثمار عملها في الشرق الأوسط، بقيادة القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية، محمد دحلان، الذي نسج وحلفائه الإماراتيين خيوط إمبراطورية إعلامية تمثل القاهرة أحد أهم أذرعها (طالع تقرير العدسة).

دحلان وبن زايد

لعب دحلان دورا بارزا في إجهاض “الربيع العربي” ودعم مساعي أبوظبي لاكتساب النفوذ في واشنطن، بالتنسيق مع دينامو اللوبي  الإماراتي العالمي، وسفير أبوظبي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، خاصة مع الذعر الذي أصاب حكامها من امتداد موجة التغيير إلى ديارهم، ولذا تصاعد إنفاقهم على جماعات الضغط السياسي الأمريكية من 2011 إلى 2017 بمقدار يفوق الضعف تقريبا.

وامتدت مؤامرات هذه الشبكة إلى حد الضلوع في تنفيذ أجندة صهيونية بامتيار بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما فضحه رئيس الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر، الشيخ رائد صلاح، حين لفت إلى شراء الإماراتيين منازل في القدس بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية (فيديو).

رائد صلاح

المناضل، الذي يقبع بالسجون الإسرائيلية حاليا، نوه إلى أن فادي السلامين (أحد المقربين من محمد دحلان) أحد أبرز من يقوم بعمليات الشراء الإماراتية في القدس ومحيطها، بذات الطريقة التي اشترت بها أبوظبي “بلير” و”ليون”.

ووفق هذه المعلومات فإن قناة “الغد العربي” وشبكة الأذرع الإعلامية التي يديرها دحلان ليست سوى جزء من الإدارة المركزية للوبي الإماراتي حول العالم، التي يقودها العتيبة.

وقد كشفت الرسائل الإلكترونية، التي سربها موقع “ذي إنترسبت”، عن بريد العتيبة الشخصي، الكثير من الأسرار، أهمها أن شبكة “الإعلام الدحلاني” الناطقة بالعربية على علاقة وثيقة بأخرى “عبرية” يديرها “العتيبة” في واشنطن.

اللوبي والآيباك

فاللوبي الإماراتي، السياسي والإعلامي، فاعل للغاية في العاصمة الأميركية، ويعتمد على تكوين “شبكة تمويل” لدراسات ومقالات ووثائقيات تلفزيونية تحمل البعد الثقافي في ظاهرها، وتضمر في طياتها شن حملات سياسية هدفها الترويج لسياسات خارجية تتبناها أبوظبي وحلفائها.

وهنا تبرز علاقة تلاقي المصالح بين اللوبي الإماراتي ونظيره الصهيوني، خاصة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك)، والتي أكدتها رسائل “العتيبة” المسربة عبر “ذي إنترسبت”.

يوسف العتيبة

تكشف الرسائل تطور العلاقة بين الإمارات العربية المتحدة ومركز دراسات موالٍ لـ”إسرائيل” ومقرب من تيار المحافظين الجدد، يعرف باسم “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” Foundation for Defense of Democracies (FDD)، عبر قنوات سرية.

ويمول المؤسسة ملياردير مقرب من تل أبيب، يدعى: شلدون أدلسون، الذي يعد حليفًا مقربًا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأحد أبرز المؤثرين في الساحة السياسة في الولايات المتحدة.

وبحسب التسريبات، فإن كبير مستشاري المؤسسة، جون هانا، أرسل إلى العتيبة مقالاً صحفيًا يشير كاتبه إلى أن الإمارات ومؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مسئولتان عن الانقلاب العسكري الفاشل الذي شهدته تركيا، معلقا: “نحن نتشرف بأن نكون إلى جانبكم”.

كما تضمنت التسريبات تفاصيل جدول أعمال مقترح لاجتماع بين مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ومسؤولين من الحكومة الإماراتية، كان المفترض انعقاده بين 11 و14 من يونيو الماضي.

جون هانا

وورد ضمن قائمة الحضور اسم “هانا”، بالإضافة إلى جوناثان شانزر، نائب رئيس المؤسسة، إضافة إلى ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، شخصيا، واشتمل على الخوض في نقاشات معمقة حول طرق التعامل مع قناة الجزيرة القطرية بوصفها “أداة لزعزعة الاستقرار في المنطقة”، بحسب التصنيف الإماراتي.

ودأب “شانزر” على تبني الحملة الإماراتية المحمومة ضد قطر من زاوية دعمها المزعوم للإرهاب، حتى نقلت وسائل الإعلام الدولية عنه وصفه للدوحة بأنها “صراف آلي” للجماعات المتطرفة.

مؤتمر غينزا

ويعد مؤتمر “منظمة غينزا” الأميركية، المتخصصة بالأمن القومي الأميركي، أحد أهم أمثلة الفعاليات التي سلطت أذرع اللوبي الإماراتي، ومنها  (FDD) الضوء عليها، حيث استضاف عدداً من السياسيين الأميركيين المعروفين بتأييدهم لإسرائيل بإحدى قاعات الكونغرس الأميركي، في مايو الماضي، بهدف التحريض ضد دولة قطر، والتأكيد على دعمها لجماعات التطرف والإرهاب في العالم.

هذه الجماعة تشمل، وفق التعريف الإماراتي، كلا من: الإخوان المسلمين وداعش والقاعدة، وكل حركات الإسلام السياسي والجهادي.

المبعوث الأميركي الأسبق إلى الشرق الأوسط، السفير دينيس روس، كان أحد أبرز المشاركين في المؤتمر، وهو ليس الوحيد في قائمة من “اشترتهم” أبوظبي بشبكة علاقات محكمة يديرها “العتيبة”، وتضم مسئولين سابقين وحاليين بالكونغرس والبيت الأبيض، إضافة إلى عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين والكتاب وشركات العلاقات العامة.

دينيس روس

و”العتيبة” هو ابن أول وزير نفط إماراتي، وعينه ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، مستشاراً للعلاقات الدولية، وتحديداً للعلاقات مع الولايات المتحدة، ليصبح بعد ذلك ذراعه اليمنى ومسؤولاً عن الشؤون الدفاعية لدولة الإمارات، الأمر الذي ساعده على بناء صداقات مع جنرالات الجيش الأميركي.

تركز جميع هذه المؤسسات في عملها على شيطنة الصورة الذهنية لـ “أعداء الخارج” وفق التعريف الإماراتي، وهم: قطر وجميع حركات الإسلام السياسي حول العالم، وليس في الشرق الأوسط فقط.

وفي هذا الإطار تدعو فعاليات اللوبي الإماراتي المسئولين في واشنطن إلى التخلي عن قاعدة العديد الأميركية الجوية في قطر، باعتبارها أحد أهم عوامل القوة التي تستند إليها الدوحة في مواجهة محيطها “المقاطع” لها، في ظل أنباء عن تحضيرات إماراتية – سعودية لهجوم عسكري على الدوحة في حال تلقي أي ضوء أخضر أمريكي.

شبكة العتيبة

وهنا يبرز اسم الجمهورية “إيمي ليتل توماس”، الموظفة السابقة في إدارة جورج بوش الابن، التي عينها “العتيبة” مسؤولة عن التشريفات في السفارة الإماراتية بواشنطن، لينجح خلال سنوات قليلة في نسج علاقات صداقة وطيدة مع طيف واسع من السياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال بالعاصمة الأمريكية.

دهاء العتيبة جعل شبكة علاقاته عابرة للانحيازات الحزبية في أمريكا، فرغم رصد تقديمه أكثر من 3 ملايين دولار لصندوق “مؤسسة كلينتون الخيرية” قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، التي مثلت هيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية بها، إلا أن علاقات قوية ظلت تربطه بالجمهوريين، وخصوصاً جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي فيما بعد، دونالد ترامب، وكبير مستشاريه.

كوشنر

كان العتيبة من أوائل الشخصيات العربية التي التقاها كوشنر في واشنطن بعد إعلان نتيجة الانتخابات، ونشرت مجلة “بوليتيكو” مقالاً أوردت فيه أنه دائم الاتصال بالسفير الإماراتي عبر الهاتف والبريد الإلكتروني.

وترتبط الإمارات حاليا، بفضل علاقات العتيبة، بعقود سارية مع 13 مجموعة ضغط على الأقل، وفقًا لبيانات وزارة العدل الأميركية، وتهيمن عليها مجموعة “كامستول”، تليها مجموعة “هاربر”.

دعم الإسلاموفوبيا

ومن هنا يمكن قراءة حركة الأموال الإماراتية التي رصدها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) لدعم 33 مؤسسة تشكل نواة حركة الإسلاموفوبيا (مكافحة الإسلام) في الولايات المتحدة، وتنفق سنويا على الأقل 60 مليون دولار في هذا الغرض.

وبحسب مدير عام المجلس، نهاد عوض، فقد حاولت تلك المؤسسات تمرير 81 مشروع قرار ضد الإسلام، من خلال المجالس النيابية والتمثيلية في أمريكا؛ لتحريم العمل ببعض أو جميع مظاهر الدين الإسلامي، ومنها ارتداء النساء للحجاب أو إطلاق اللحية، أو حتى الدفن وفقا لتعاليم الشريعة الإسلامية أو عقود الزواج الإسلامية، باعتبار أن هذه المظاهر “خطر على الأمن القومي الأمريكي”.

نهاد عوض

وتنشط هذه المؤسسات بالمدن الرئيسية في أمريكا، مثل واشنطن ونيويورك، علاوة على الولايات المحسوبة على المحافظين أو المحافظين الجمهوريين، ولها تأثير واسع بإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، دونالد ترامب.

وعلى مدى السنوات السبع الماضية، لم تكن فعاليات اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة مختلفة عن تلك التي ينظمها نظيره الإماراتي، حتى وصفها مراقبون بأنها زواج إسلامي – يهودي على الطريقة الكاثوليكية !