“الشائعات” بمصر.. حقيقة أم أنها العدو الوهمي للسيسي؟!
العدسة: محمد العربي
21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر فقط، هكذا اعلن رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي خلال افتتاحه عدد من المشروعات قبل ايام، ورغم ان الرقم أثار ردود أفعال ساخرة من نشطاء التواصل الاجتماعي، فقد أثار أيضا حرب شرسة بدأت أجهزة الدولة المصرية في شنها، كل حسب طريقته، إلا ان هناك أيضا أصواتا تبدوا في المشهد عاقلة طالبت بالنظر إلى الظاهرة من عدة أوجه، أبرزها أنه إذا كانت هناك 21 ألف شائعة فإن هذا معناه وجود 21 ألف معلومة غائبة.
حروب الجيل الخامس
وطبقا لتعريف اللواء سمير فرج مدير إدارة التوجيه المعنوي الاسبق بالقوات المسلحة فإن هذه الشائعات تأتي ضمن حروب الجيل الخامس للأرهاب، وحروب الجيل الرابع من المعلومات التي تواجهها مصر، داعيا الدولة المصرية بكل مؤسساتها أن تواجه هذه الحرب الخطيرة والشرسة.
إلا أنه وبعيدا عن صناعة الوهم التي يمارسها النظام المصري بخلق عدو مفترض ليحمله مسئولية فشل سياساته وإجراءاته فإن الشائعات بمصر أخذت أشكالا متدرجة خلال السنوات الماضية، بعضها تتحمل مسئوليته اللجان الإلكترونية التابعة للأجهزة الأمنية المصرية، والبعض الآخر يتحمله حالة عدم الانضباط المعلوماتي الذي خلفه متصفحو مواقع التواصل الإجتماعي والذين عينوا أنفسهم إعلاميين وصحفيين من حقهم نشر المعلومة وتداولها بصرف النظر عن مصداقيتها.
وتشير تصريحات صحفية متعددة لمديرة الإعلام ورصد الشائعات بمركز معلومات واتخاذ القرار بمجلس الوزراء الدكتورة نعايم سعد زغلول، أن هناك شائعات كثيرة لم يلتفت إليها المركز وبالتالي لم يتم رصدها، مقابل شائعات أخري تمثل خطورة علي أمن المجتمع منها: “تسريح 2 مليون موظف من العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وإضافة مادة لرغيف الخبز للحد من الزيادة السكانية، وبيع صندوق مصر السيادي أصول وممتلكات الدولة دون رقابة، وإجراء حذف عشوائي للمواطنين من بطاقات التموين”.
إلا أن خبراء الإعلام يؤكدون أن أية شائعة لابد لها من أصل موجود عملا بالمثل الشعبي “مفيش نار بدون رماد”، وبالتالي فإن نفي الحكومة في حد ذاته لا يعد تصحيحا للمعلومة، خاصة وأن الأجهزة الأمنية كثيرا ما تلجأ لمثل هذا الأسلوب لجس نبض الجماهير قبل اتخاذ قرار ما.
أوامر سيادتك
وانطلاقا من المقولة العسكرية ” أوامر سيادتك” فقد تعاملت الجهات الحكومية المعنية وغير المعنية بتصريحات السيسي بحملات مضادة فورية، حيث أعلن البرلمان المصري أنه بصدد إصدار تشريع يجرم الشائعات ويحاكم مروجوها علي منصات التواصل الإجتماعي، ولم يحدد البرلمان العقوبات التي يمكن أن يشملها التشريع المرتقب، إلا أنه إذ ضم عبارة “تهديد الأمن القومي” فإن العقوبة يمكن أن تصل لحد الإعدام كما هو الحال في باقي القوانين التي أصدرها خلال السنوات الاربع الماضية.
ومن جهتها لم تدخر وزارة الأوقاف جهدا، حيث صرح وزيرها أن أعطي تكليفاته لإدارة الوعظ والإرشاد أن يكون عنوان الخطبة الموحدة في الأسابيع القادمة، هو دور المجتمع في مواجهة الشائعات، والتأكيد علي موقف الشرع بتحريمها لما تمثله من خطر علي استقرار احوال العباد والبلاد.
وفي نفس الإطار وسعت دار الإفتاء المصرية من نشاطها عبر مرصدها لمواجهة التظرف، وعبر الفتاوي التي تصدرها وتكون محل تقدير من المواطنين، للتأكيد علي خطورة الشائعات علي أمن المجتمع، ومخالفة الشائعة للتعاليم الإسلامية، كما أصدر مفتي الديار شوقي علام فتوى شرعية أكد فيها أن الإسلام حرَّم نشر الشائعات وترويجها، وأنه توعَّد فاعل ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، مرجعا أسباب الشائعة لسببين رئيسيين وهما: “أهمية الموضوع”، و”قلة انتشار المعلومات الصحيحة عن هذا الموضوع”.
أما الإعلام التابع للأجهزة الأمنية فلم يكن بحاجة لتوجيه إضافي حيث وسع هو أيضا من حملاته المدافعة عن السيسي وحكومته وتحميل الأخطاء والكوارث لأعداء الوطن من الإخوان المسلمين ومؤيديهم وكذلك من المغيبين الذين تستخدمهم هيئات ومؤسسات دولية تريد النيل من استقرار مصر.
بينما دعت الهيئة الوطنية للصحافة لاتخاذ خطوات جادة لتوقيع ميثاق شرف إعلامي يضمن إعلاء المصلحة الوطنية العليا، وتبني رسالة التعاون والبناء والسلام، ودعم العلاقات بين البلدين والابتعاد تمامًا عن أية محاولات لتعكير صفو العلاقات، مطالبة المؤسسات الصحفية بتحري أقصى درجات الدقة والمصداقية، والتصدي الفوري للشائعات ودحضها وتوضيح حقيقتها للرأي العام، منعًا للتشويش والبلبلة ونشر أجواء القلق والتوتر.
هوس الحروب المتقدمة
ويري مختصون أن السيسي الذي كثف تحذيراته من خطورة حروب الجيل الرابع، كان صادقا في نواياه، حيث تعد هذه النوعية من الحروب أحد هواجس الرجل منذ أن كان رئيسا للمخابرات الحربية والاستطلاع، ثم وزيرا للدفاع، وطبقا لشهادات استمع إليها “العدسة” من مسئولين سابقين عملوا مع السيسي خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، فإن السيسي كثيرا ما حذر من خطورة حروب هذا الجيل، وعندما سأله أحد المسئولين المدنيين عن سبب تخوفه، رد السيسي بأنه الإعلام والتكونولوجيا الحديثة في الاتصال، مشيرا إلي أنها وسائل تستطيع أن تدمر دول وأنظمة قوية.
ولذلك لم يكن عجيبا أن يُكثِر الرجل من تحذيراته من هذه النوعية من الحروب بعد أن قام بانقلابه الشهير في يوليو 2013، وكانت أولي خطواته بعد بيان الإنقلاب بدقائق هو وقف البث عن 6 قنوات فضائية مؤيدة للرئيس مرسي، بل إن الرصاصة الأولي التي أطلقها في فض اعتصام رابعة كانت موجهة لطبق البث الفضائي الذي كان ينقل اعتصام رابعة للعالم، ولم يكن غريبا علي الرجل أيضا أن يكون عدد من الإعلاميين والصحفيين المؤثرين لدي جماعة الإخوان علي رأس المعتقلين والمتهمين في القضايا التي صنعها السيسي ضد معارضيه.
ويري الخبراء أن سيطرة السيسي الكاملة علي الإعلام المسموع والمقروء والمرئي كان بهدف أن يمسك زمام الأمور بيديه ولا يترك الفرصة لمعارضيه، إلا أنه لم يهنأ بخطته في ظل الوسائل الإعلامية المناهضة له خارج مصر والتي لعبت دورا كبيرا في عدم القناعة الدولية بالسيسي حتي الآن.
وطبقا للخبراء أنفسهم فإن الأجهزة الأمنية المصرية وخاصة المخابرات العامة، لديه فرع كامل لبث الشائعات، وهو ما اصطلح عليه نشطاء التواصل الإجتماعي باللجان الإلكترونية، بينما أطلقت عليه أجهزة الإعلام الحكومية الجيش الإلكتروني، وقد أسس هذا الفرع وزير الإعلام المصري اللأسبق صفوت الشريف خلال فترة عمله بجهاز المخابرات مع مؤسسه صلاح نصر، ويتمركز هذا الفرع في مكانين الأول بكوبري القبة مقر المخابرات العامة والثانية في العباسية، وقد لعب هذا الفرع دورا فاعلا لمحاولة تفريق المتظاهرين عن ميدان التحرير خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، ببث شائعات من عينة هروب المساجين الخطريين من السجون واقتحامهم للمنازل واغتصاب النساء، وكذلك شائعة تصفية كل من الدكتور محمد مرسي وعصام العريان وسعد الكتاتني أثناء اعتقالهم بسجن أبو زعبل حسب الشائعة، وشائعة ثالثة بتصفية المهندس خيرت الشاطر في سجن مزرعة طرة، وهي الشائعات التي كان الغرض منها الضغط علي الإخوان للإنصراف من ميدان التحرير والقيام بأعمال عنف تجهض ثورة يناير 2011.
حقائق وشائعات
ويري الفريق الذي تعامل مع تصريح السيسي بعقلانية وموضوعية أمثال الكاتب الصحفي أنور الهواري والفقيه القانوني نور فرحات، وخبير الاقتصاد الدولي إبراهيم نوار، أن هناك تغييب واضح للمعلومة هو الذي أدي لانتشار الشائعة وحسب وصف فرحات فإأن وجود هذا القدر من الشائعات معناه غياب نفس القدر من المعلومات، إلا أن آخرين ذهبوا في تعاطيهم مع تصريحات السيسي لأبعد من ذلك، حيث تساؤلوا عن التصريحات من نوعية أن قناة السويس الجديدة سوف تدر علي مصر دخلا بقيمة 100 مليار دولار في العام، وأن مصر سوف تكون من أعظم دول العالم بنهاية 2016، وان مصر بدل مصدرة للطاقة، والتفريط في تيران وصنافير بدعوي عدم مصريتها، وسيطرة القوات المسلحة علي مفاصل الاقتصاد المصري، وغيرها من التصريحات والإجراءات التي صدرت عن السيسي، متسائلين هل هذه التصريحات تدخل أيضا في باب الشائعات أم أنها محصنة بتحصين قائلها.