“الشائعات” بمصر.. حقيقة أم أنها العدو الوهمي للسيسي؟!

العدسة: محمد العربي

21 ألف شائعة خلال ثلاثة أشهر فقط، هكذا اعلن رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي خلال افتتاحه عدد من المشروعات قبل ايام، ورغم ان الرقم أثار ردود أفعال ساخرة من نشطاء التواصل الاجتماعي، فقد أثار أيضا حرب شرسة بدأت أجهزة الدولة المصرية في شنها، كل حسب طريقته، إلا ان هناك أيضا أصواتا تبدوا في المشهد عاقلة طالبت بالنظر إلى الظاهرة من عدة أوجه، أبرزها أنه إذا كانت هناك 21 ألف شائعة فإن هذا معناه وجود 21 ألف معلومة غائبة.

حروب الجيل الخامس

وطبقا لتعريف اللواء سمير فرج مدير إدارة التوجيه المعنوي الاسبق بالقوات المسلحة فإن هذه الشائعات تأتي ضمن حروب الجيل الخامس للأرهاب، وحروب الجيل الرابع من المعلومات التي تواجهها مصر، داعيا الدولة المصرية بكل مؤسساتها أن تواجه هذه الحرب الخطيرة والشرسة.

إلا أنه وبعيدا عن صناعة الوهم التي يمارسها النظام المصري بخلق عدو مفترض ليحمله مسئولية فشل سياساته وإجراءاته فإن الشائعات بمصر أخذت أشكالا متدرجة خلال السنوات الماضية، بعضها تتحمل مسئوليته اللجان الإلكترونية التابعة للأجهزة الأمنية المصرية، والبعض الآخر يتحمله حالة عدم الانضباط المعلوماتي الذي خلفه متصفحو مواقع التواصل الإجتماعي والذين عينوا أنفسهم إعلاميين وصحفيين من حقهم نشر المعلومة وتداولها بصرف النظر عن مصداقيتها.

وتشير تصريحات صحفية متعددة لمديرة الإعلام ورصد الشائعات بمركز معلومات واتخاذ القرار بمجلس الوزراء الدكتورة نعايم سعد زغلول، أن هناك شائعات كثيرة لم يلتفت إليها المركز وبالتالي لم يتم رصدها، مقابل شائعات أخري تمثل خطورة علي أمن المجتمع منها: “تسريح 2 مليون موظف من العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وإضافة مادة لرغيف الخبز للحد من الزيادة السكانية، وبيع صندوق مصر السيادي أصول وممتلكات الدولة دون رقابة، وإجراء حذف عشوائي للمواطنين من بطاقات التموين”.

إلا أن خبراء الإعلام يؤكدون أن أية شائعة لابد لها من أصل موجود عملا بالمثل الشعبي “مفيش نار بدون رماد”، وبالتالي فإن نفي الحكومة في حد ذاته لا يعد تصحيحا للمعلومة، خاصة وأن الأجهزة الأمنية كثيرا ما تلجأ لمثل هذا الأسلوب لجس نبض الجماهير قبل اتخاذ قرار ما.

أوامر سيادتك

وانطلاقا من المقولة العسكرية ” أوامر سيادتك” فقد تعاملت الجهات الحكومية المعنية وغير المعنية بتصريحات السيسي بحملات مضادة فورية، حيث أعلن البرلمان المصري أنه بصدد إصدار تشريع يجرم الشائعات ويحاكم مروجوها علي منصات التواصل الإجتماعي، ولم يحدد البرلمان العقوبات التي يمكن أن يشملها التشريع المرتقب، إلا أنه إذ ضم عبارة “تهديد الأمن القومي” فإن العقوبة يمكن أن تصل لحد الإعدام كما هو الحال في باقي القوانين التي أصدرها خلال السنوات الاربع الماضية.

ومن جهتها لم تدخر وزارة الأوقاف جهدا، حيث صرح وزيرها أن أعطي تكليفاته لإدارة الوعظ والإرشاد أن يكون عنوان الخطبة الموحدة في الأسابيع القادمة، هو دور المجتمع في مواجهة الشائعات، والتأكيد علي موقف الشرع بتحريمها لما تمثله من خطر علي استقرار احوال العباد والبلاد.

وفي نفس الإطار وسعت دار الإفتاء المصرية من نشاطها عبر مرصدها لمواجهة التظرف، وعبر الفتاوي التي تصدرها وتكون محل تقدير من المواطنين، للتأكيد علي خطورة الشائعات علي أمن المجتمع، ومخالفة الشائعة للتعاليم الإسلامية، كما أصدر مفتي الديار شوقي علام فتوى شرعية أكد فيها أن الإسلام حرَّم نشر الشائعات وترويجها، وأنه توعَّد فاعل ذلك بالعقاب الأليم في الدنيا والآخرة، مرجعا أسباب الشائعة لسببين رئيسيين وهما: “أهمية الموضوع”، و”قلة انتشار المعلومات الصحيحة عن هذا الموضوع”.

أما الإعلام التابع للأجهزة الأمنية فلم يكن بحاجة لتوجيه إضافي حيث وسع هو أيضا من حملاته المدافعة عن السيسي وحكومته وتحميل الأخطاء والكوارث لأعداء الوطن من الإخوان المسلمين ومؤيديهم وكذلك من المغيبين الذين تستخدمهم هيئات ومؤسسات دولية تريد النيل من استقرار مصر.

بينما دعت الهيئة الوطنية للصحافة لاتخاذ خطوات جادة لتوقيع ميثاق شرف إعلامي يضمن إعلاء المصلحة الوطنية العليا، وتبني رسالة التعاون والبناء والسلام، ودعم العلاقات بين البلدين والابتعاد تمامًا عن أية محاولات لتعكير صفو العلاقات، مطالبة المؤسسات الصحفية بتحري أقصى درجات الدقة والمصداقية، والتصدي الفوري للشائعات ودحضها وتوضيح حقيقتها للرأي العام، منعًا للتشويش والبلبلة ونشر أجواء القلق والتوتر.

هوس الحروب المتقدمة

ويري مختصون أن السيسي الذي كثف تحذيراته من خطورة حروب الجيل الرابع، كان صادقا في نواياه، حيث تعد هذه النوعية من الحروب أحد هواجس الرجل منذ أن كان رئيسا للمخابرات الحربية والاستطلاع، ثم وزيرا للدفاع، وطبقا لشهادات استمع إليها “العدسة” من مسئولين سابقين عملوا مع السيسي خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي، فإن السيسي كثيرا ما حذر من خطورة حروب هذا الجيل، وعندما سأله أحد المسئولين المدنيين عن سبب تخوفه، رد السيسي بأنه الإعلام والتكونولوجيا الحديثة في الاتصال، مشيرا إلي أنها وسائل تستطيع أن تدمر دول وأنظمة قوية.

ولذلك لم يكن عجيبا أن يُكثِر الرجل من تحذيراته من هذه النوعية من الحروب بعد أن قام بانقلابه الشهير في يوليو 2013، وكانت أولي خطواته بعد بيان الإنقلاب بدقائق هو وقف البث عن 6 قنوات فضائية مؤيدة للرئيس مرسي، بل إن الرصاصة الأولي التي أطلقها في فض اعتصام رابعة كانت موجهة لطبق البث الفضائي الذي كان ينقل اعتصام رابعة للعالم، ولم يكن غريبا علي الرجل أيضا أن يكون عدد من الإعلاميين والصحفيين المؤثرين لدي جماعة الإخوان علي رأس المعتقلين والمتهمين في القضايا التي صنعها السيسي ضد معارضيه.

ويري الخبراء أن سيطرة السيسي الكاملة علي الإعلام المسموع والمقروء والمرئي كان بهدف أن يمسك زمام الأمور بيديه ولا يترك الفرصة لمعارضيه، إلا أنه لم يهنأ بخطته في ظل الوسائل الإعلامية المناهضة له خارج مصر والتي لعبت دورا كبيرا في عدم القناعة الدولية بالسيسي حتي الآن.

وطبقا للخبراء أنفسهم فإن الأجهزة الأمنية المصرية وخاصة المخابرات العامة، لديه فرع كامل لبث الشائعات، وهو ما اصطلح عليه نشطاء التواصل الإجتماعي باللجان الإلكترونية، بينما أطلقت عليه أجهزة الإعلام الحكومية الجيش الإلكتروني، وقد أسس هذا الفرع وزير الإعلام المصري اللأسبق صفوت الشريف خلال فترة عمله بجهاز المخابرات مع مؤسسه صلاح نصر، ويتمركز هذا الفرع في مكانين الأول بكوبري القبة مقر المخابرات العامة والثانية في العباسية، وقد لعب هذا الفرع دورا فاعلا لمحاولة تفريق المتظاهرين عن ميدان التحرير خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، ببث شائعات من عينة هروب المساجين الخطريين من السجون واقتحامهم للمنازل واغتصاب النساء، وكذلك شائعة تصفية كل من الدكتور محمد مرسي وعصام العريان وسعد الكتاتني أثناء اعتقالهم بسجن أبو زعبل حسب الشائعة، وشائعة ثالثة بتصفية المهندس خيرت الشاطر في سجن مزرعة طرة، وهي الشائعات التي كان الغرض منها الضغط علي الإخوان للإنصراف من ميدان التحرير والقيام بأعمال عنف تجهض ثورة يناير 2011.

حقائق وشائعات

ويري الفريق الذي تعامل مع تصريح السيسي بعقلانية وموضوعية أمثال الكاتب الصحفي أنور الهواري والفقيه القانوني نور فرحات، وخبير الاقتصاد الدولي إبراهيم نوار، أن هناك تغييب واضح للمعلومة هو الذي أدي لانتشار الشائعة وحسب وصف فرحات فإأن وجود هذا القدر من الشائعات معناه غياب نفس القدر من المعلومات، إلا أن آخرين ذهبوا في تعاطيهم مع تصريحات السيسي لأبعد من ذلك، حيث تساؤلوا عن التصريحات من نوعية أن قناة السويس الجديدة سوف تدر علي مصر دخلا بقيمة 100 مليار دولار في العام، وأن مصر سوف تكون من أعظم دول العالم بنهاية 2016، وان مصر بدل مصدرة للطاقة، والتفريط في تيران وصنافير بدعوي عدم مصريتها، وسيطرة القوات المسلحة علي مفاصل الاقتصاد المصري، وغيرها من التصريحات والإجراءات التي صدرت عن السيسي، متسائلين هل هذه التصريحات تدخل أيضا في باب الشائعات أم أنها محصنة بتحصين قائلها.

بواسطة |2018-07-27T20:42:27+02:00الجمعة - 27 يوليو 2018 - 8:41 م|الوسوم: , , |

أولتراس نهضاوي، فكرة لن تعيش

لن تعيش فكرة غير مكتملة حتى وإن كانت فُرشت لها الأرض بالنوايا الحسنة، فلن تبقى.

وما النوايا الحسنة وحدها هي التي خلدت الأفكار. فمالك بن نبي وبيجوفيتش والمسيري إن لمست النار أوراقهم فأصبحت رمادًا يتطاير متصاعدا.

فتلك هي النهاية بالنسبة لأفكارهم.

وما أفضل البدايات إن كانت صلبة متينة غير مترنحة، وما أتعس النهايات إن كانت في بدايتها تخبط وهشاشة قوية.

وما النقد إلا دواء الأفكار إن مرضت في مفهوما وعلّت في تنفيذها وتاهت في سُبلِها، وما جاء النقد إلا بعد أن جاء مُجتهد قابل للخطأ قبل الصواب وقابل للتعديل قبل العناد.

وما هو الكيان إلا فكرة يسكنها أشخاص وجدران تلك الفكرة هي لوائحها ونُظمها إن اختلت الفكرة أو نَافق الأشخاص أوهُدمت الجدران مات الكيان بلا رجعة وهل يعود فاقد الروح بعد رثائه.

وها نحن الآن نرثي ولكن دون بكاءِ.

جماعة ضغط أم كيان مستقل!

كانت الأعلام خلافة راشدة وحامليها هم جنودها، بل كان الهتاف عودة على منهاج نبوة
ولكن كيف السبيل إلى منهاج نبوة دون فكرة واضحة وصالحة وكتلة صلبة وعاقلة حاملة لها “أشخاص” ولائحة يتساقط من بنودها شرائع واجتهادات إسلامية لا اعوجاج فيها ولا تبديل.

ولكن لأسأل، هل كان أولتراس نهضاوي جماعة ضغط أم كيان مستقل؟

ظهرت عشرات الكيانات بأسماء مختلفة بعد الثالث من يوليو/تموزعام 2013 تلتف حول جماعة الإخوان المسلمين في الشوارع والميادين يهتفون بسقوط الانقلاب وعودة الشرعية.
مثل شباب وطلاب ونساء وأحرار ضد الانقلاب وحركة السادسة صباحا والسابعة مساء يهتفون برفض الانقلاب وعودة الشرعية وكل هذا في عُرف العلوم السياسة ما هم إلا جماعات ضغط يستخدمها المعارض كنوع إعلامي حركي يسبب للنظام بعض الربكة.

وكان “أولتراس نهضاوي” جماعة ضغط في البداية فهو الاسم الذي كان يحمل شعار مشروع النهضة إبان حملة مرشح الإخوان الفائز بالرئاسة الدكتور “مرسي” واستمر كذلك إلى أن بدأ الشباب من كل الأطياف المستقلة والغير مستقلة يلتفون حول “نهضاوي” ليكونوا أعضاءً فيه.

ومن هنا جاءت فكرة الاستقلال، والعمل بشكل منفصل عن الكيان الأم “الإخوان المسلمين” سواء على المستوى الميداني والحركي أو على المستوى الفكري والمنهجي.

الأمر الذي سَعُد به جميع الشباب المستقل الذي يعمل تحت اسم “نهضاوي” ولم يتفهمه بعض الشباب المنتمي للإخوان إلى حدٍ كبير ولم يقبله بالمرة قيادات الإخوان. فكيف لابن الجماعة أن يعمل دون استئذان أو يعمل خارج الدائرة المرسومة تنفيذها، فَويحُه وويح من اتبعه،  وبدأت النقاشات الحادة والأفكار المخزونة والتمرد إلى أن تفتت الكيان الصاعد لأسباب كثيرة من أهمها.

– القيادة الشبابية ميدانية أم فكرية؟

القيادة فكر وعمل ولا فكرة تعيش بدون عمل ولا عمل يصعد دون سلالم الأفكار.

فهل كان شباب الأولتراس مؤهلين للقيادة؟

على المستوى الحركي فهم كانوا شعلة الميادين وكانوا أهل دراية وعلم به وبما يتطلبه ولا يخفى هذا الأمر على أحد والجميع اعترف أنهم شباب الميدان في ذلك الحراك آنذاك.

وأما في الفكر والثقافة فكانوا متخبطين تخبط الأُمِّي في شارع تمتلأ ساحاته بالكتب وتُطلى جدرانه بالأفكار بينما أرادوا السمع ولا يدرون بصمَمِهم في مهرجان كثرت آلات عزفه، بينما وجد من أعقل وأدرك مهام الأمور لكنه قلما ما وُجدَ منه أو أنه لم يكن في السُلم الأول من القيادة، فالقيادة كانت لمن سبق في الهتاف وتكثيف الشعر، أما من صدق في الفكر فهو شاب مستتر لا يظهر ولا مقعد له ليستريح ويتحدث ولا أُعمِم فالتعميم ظلم كبير وباطل قصير لا يدوم مهما طال وأَمَدَ

أما عن الإخلاص فحدث ولا حرج وعَدِد فلا تقف، فكانوا يستخفون الله ولا يستخفون من الناس، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من انتظر ومنهم من طال انتظاره إلى الآن قعيدًا حاملًا للقرآن في قلبه وروحه حرةٌ بين قضبان أسود يتسامر معه كل ليلة، يشكي له الأسى وفي الصباح يمسح دمع الندى الذي جف بين عينيه. ومنهم من هاجر تاركًا وطنه وعائلته فرارًا من قهر الرجال لاجئًا إلى قهر المال وأصحاب العمل. وهم في التضحية مثالًا كمثال بن الخطاب في عدله، وفي الانتماء مثالًا لابن عبد العزيز الأموي في زهده، وفي النضال مثالًا لابن ياسر في صبره.

وكل فريق يعمل وسط لوائح تتماشى مع هدفه وغايته فما الحال بفريق يهدف للخلافة الإسلامية فيسلك طريق لائحته تنعدم منها الشورى أو الانتخاب فيسلك الهوى مطامعه فمن يتولى يتولى بالقُرب والعُرف ومن ينعزل فبُعده هو السبب والمآل.

ومع تخبط الفكرة وانعدام القانون وجهل معرفي للأشخاص جاء الرثاء.

لذلك فشلت فكرة الاستقلال واختلت الرؤى وانعدمت الروح وتبخر كل شيء حتى بخار الانتماء اختفى.

والانتماء شيء روحي جميل نفيس الثمن، كما عرفه الأستاذ علي عزت بيجوفيتش في كتابه الإسلام بين الشرق والغرب. فيقول: الجماعة هي مجموعة داخلية من الناس اجتمعوا على أساس من الشعور بالانتماء إلى عدة مطالب روحية ومادية وتجمع الأفراد أفكار واحدة بل يشعرون بأنهم نسيجٌ واحد.

ونعزز هنا من قيمة الانتماء فهو حبل الله ولكن لحَبل الله شروط إن توافرت أو كان بالإمكان توافرها اعتصم به وإن كنت وحدك وإن لم تتوافر فاتركهُ ولو كان الجمع يتمسك.

بواسطة |2018-05-22T23:32:51+02:00الثلاثاء - 22 مايو 2018 - 11:30 م|

مصر الأولى عالميًا في نِسَب الطلاق .. ابحث عن الأسباب!

ربى الطاهر

كشفت إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء أنَّ عدد المطلقين فى مصر بلغ 710 آلاف و850 نسمة، وتزيد الإناث المطلقات بنسبة 64.9% عن الذكور بنسبة 35.1%.. في مقابل 938 ألف حالة زاوج.

كما أصدر مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري تقريرًا يؤكد أن نسب الطلاق في مصر هى الأعلى عالميًا، وكثرت المراكز التى أخذت على عاتقها الاهتمام بهذه الكارثة لتصدر البيانات عن أعداد حالات الطلاق في اليوم الواحد بل وبالدقيقة…

ولكن الحقيقة أن المشكلة ليست بدايتها هو وقوع الطلاق؛ فالبحث عن أسباب لماذا وقع الطلاق في حدّ ذاته ربما يزيد المسألة تعقيدًا أو ربما يعكس الأسباب الظاهرية، ولكن تبقى الأسباب الحقيقية هي التي لا يلتفت إليها أحد وتظل محاولات البحث وإيجاد الحلول بعيدة عن أصل المشكلة، والذي قد يعود إلى الخلف سنوات للنظر على ذلك المجتمع الذي تغيرت كل عاداته وقيمه ومبادئه التى كان يُربى عليها الأجيال السابقة.

إنها مشكلة متشابكة تشترك فيها العديد من العوامل التي تعتبر هي الجوهر الحقيقي لهذه المشكلة، ولعل أبرزها هو عدم تربية الأبناء على تحمُّل المسئولية، وانتشار المخدرات بشكل غير مسبوق وغير معقول طال كل مستويات الشعب المصرى، ولم يستثنِ حتى أعلى المستويات العلمية من الأطباء الذين يدرسون خطر المخدرات أو حتى الأسر المتدينة التي تحرص على تربية أبنائها بالمساجد، وكذلك أبناء الطبقات الارستقراطية..

لم يعد أحد في مأمن، إضافة إلى ذلك التحول الاجتماعي القيمي الخطير والذي ظهر وبشكل واضح جدا في المجتمع المصري، حيث أصبح كثير من رجاله يفضّلون البطالة وترك مسئولية الإنفاق على الزوجة رغم حصول فئة منهم على أعلى الشهادات، وربما الدرجات العلمية من ماجستير أو دكتوراه، هذا بخلاف أن مفاهيم تكوين الأسرة وكيفية تفادي المشاكل، ومفاهيم واجبات الزوج في التعامل مع الزوجة والعكس لم تعد موجودة فلم يعد الرجل يتعامل بمفهوم الرجولة، وسيطرة مفاهيم الذكورة، ولم تعد الزوجة كذلك تفهم دورها وواجباتها، بل والأكثر من ذلك انعدام النصيحة العاقلة؛ فحتى الجيل السابق من الأمهات والآباء لم يعد لديهم حكمة الأجداد في لمّ شمل الأسرة وتصغير الخلافات الزوجية التي قد تصل إليهم  لتفادي ريح المشاكل حتى تهدأ، بل العكس ربما يكون التحفيز والاستعداء هما سبيل أسرتي الزوج والزوجة لانتصار كل طرف وكسر الآخر.

إن ما يحدث في مصر كارثة اجتماعية  يفجرها الطلاق الأصل فيها هو ذلك التحول في منظومة القيم والمبادئ وتربية الأبناء الذي يحدث بشكل فجّ وسريع يصعب استيعابه.

 

تأثير التطور التكنولوجي

وربما أرجع الكثيرون من الإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الأسباب المباشرة أو الظاهرية للطلاق إلى اتخاذ القرارت السريعة بالزواج دون دراسة حقيقية للطرف الآخر، لذلك يحدث الطلاق بنفس سرعة الزواج، كما أن العديد من التقارير لفتت إلى أن ذلك التطور التكنولوجي قد أثر بشكل سلبي على التواصل بين أفراد المجتمع بشكل عام وتركت بصماتها الكارثية على الأزواج بشكل خاص، فلم يعد يخفى على أحدٍ كم الخيانات الزوجية “من الطرفين” التي تحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يكتشفة الطرف الآخر، وهو ما ينتج عنه الطلاق أو طلب الخلع.

الطلاق الرسمي ليس حلًا

كما أعلن قطاع الأحوال المدنية بوزارة الداخلية أن 20 ألف حالة طلاق تقع بين الأسر المصرية في الشهر الواحد، وبرر البعض محاولات قائد الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي للاعتراف بالطلاق الرسمي دون الشفهي– الأمر الذي أثار الكثير من الجدال الديني- بوصول نسبة الطلاق إلى 40%  من حالات الزواج بالسنوات الخمس الأخيرة وبهذا يكون قد ارتفع من نسبة  حالة كل 6 دقائق إلى حالة طلاق كل 3 دقائق، وفقا لإحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء.

بينما وصلت حالات الخلع التى نظرت أمام المحاكم والطلاق كذلك في العام 2015 إلى ما يتخطى الربع مليون حالة بزيادة تقدر بـ 89 ألف حالة عن العام الذي سبقه 2014 .

وهوالأمر الذي دفع الأمم المتحدة إلى رصده والتي أكدت أن نسب الطلاق ارتفعت في مصر من 7 % إلى 40 % خلال نصف القرن الماضي، ليصل إجمالي المطلقات إلى 4 ملايين مطلقة، وهو ما دعمته الإحصائيات الرسمية عن عدد قضايا الطلاق التي شهدتها ساحات المحاكم خلال العام 2015 والتي طالت  28 مليون شخص، وهو ما يقارب ربع عدد سكان المجتمع المصري.

تغير القوانين الاجتماعية

ويرى الكثيرون أن إصدار قانون الخلع كان السبب وراء ارتفاع هذه النسب إلى ذلك المستوى غير المسبوق، إضافة إلى تغيير نظرة المجتمع إلى مفهوم الطلاق، ولا سيما المرأة المطلقة، الأمر الذي شجّع الكثير من النساء على طلب الطلاق أو الخلع، بعدما كان المجتمع يدين المراة المطلقة في الماضي، حتى إن العديد من الدراسات الاجتماعية قد كشفت عن وقوف أهل الزوج وراء تطليق 7 % من الزوجات، حيث تراجع موقف الزوج في اتخاذ القرار ليكون الأهل هم من لهم اليد العليا فى إنهاء العلاقة الزوجية، في حين أن 6% من أهل الزوجة من كانوا السبب وراء التطليق.

كما أن مشكلة عدم الإنجاب تدخلت بنسبة واضحة أيضا في وقوع الطلاق، حيث إن عدم الإنجاب في المجتمعات الشرقية وليست المصرية فقط قد يكون السبب الرئيسي في وقوع الطلاق، حتى إن الإحصائيات قد رصدت إن 80% من المطلقات كان عدم الإنجاب السبب في طلاقهن.

كما ساهمت العلاقات بآخرين والتي سبقت مرحلة الزواج بقدرهام في زيادة نسب الطلاق؛ حيث يبقي التوجس من كلا الطرفين مستمرا لما بعد الزواج، وقد يزيد الشعور بالشك في سلوكيات الزوجين من تشعب المشاكل الأخرى حتى ينتهى الأمر بالانفصال.

كما أشارت التقاريركذلك إلى أن إفشاء الأسرار الزوجية وكذلك تدخل الأهل والأصدقاء بتفاصيل الحياة الزوجية قد تسبّب في وقوع 44.6% من نسب الطلاق، بحسب إحصائية مركز البحوث الاجتماعية.

بينما أوضحت أن التغيرات الاقتصادية التي تعرضت لها مصر بعد ثورة 25 يناير من موجة عالية في غلاء الاسعار كانت محورًا لافتعال العديد من المشاكل التي أفضت أيضا إلى الطلاق  في الأسر الفقيرة، والتي زادت في المدن عنها في الريف.

واعتبرت كذلك عوامل مثل عدم التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين إلى جانب انعدام الشعور بالمسئولية الأسرية وإدمان المخدرات والخمور، وكذلك وجود علاقات مفتوحة فيما قبل الزواج بالاسباب الأساسية في حدوث الانفصال.

ولم يغفل التقرير عن ذكر تأثير مواقع  التواصل الاجتماعي وأهمها كان “فيس بوك” في وقوع نسبة لا تقل عن 20% من حالات الطلاق، وفقًا لبيانات من محاكم الأسرة في مصر.

أما عن انشغال الزوج أو الزوجة في بعض الألعاب الإلكترونية مثل لعبة “كاندي كراش” فتسبب في حدوث 8 آلاف حالة طلاق وخلع، أما انشغال الزوج في لعب “البلاي ستيشن” فتسبب في وقوع 600 ألف حالة طلاق وخلع.

وبذلك يتضح أن أسباب وقوع الطلاق حتى على مستوى الأسباب الظاهرية قد اختلف كثيرًا عما كان عليه في الماضى، وأن الوقوف الفعلى للمواجهة الصحيحة لتلك الظاهرة ربما لا تجدي معه أن يكون الطلاق شفهيا أم مسجلًا، وإنما علينا العمل لإعادة الأصل الثقافي للمجتمع المصري، وإعادة بث القيم الأخلاقية فيه، وحماية شبابه من المخدرات.

بواسطة |2018-02-11T13:56:20+02:00الأحد - 11 فبراير 2018 - 5:00 م|الوسوم: , , , |
اذهب إلى الأعلى