يبدو أن تبعات نشر تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي كشف عن تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بجريمة اغتيال الصحفي السعودي والكاتب المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر من العام 2018 بسفارة بلاده في اسطنبول التركية -دخلت حيز التفعيل بشكل أكثر فعالية.

ففي الوقت الذي تترى فيه الأخبار والتحليلات السياسية حول رد فعل أمريكي مغاير تجاه الجريمة التي تجاهلها الرئيس اليميني الأمريكي السابق دونالد ترامب، فإن إدارة الرئيس الديمقراطي الجديد جون بايدن، قد شرعت في خطوات تصعيدية لم يكن أولها السماح بنشر التقرير الاستخباراتي الذي يدين ابن سلمان، ولن يكون آخره إعادة موضعة السعودية بمنظمة التجارة العالمية.

أميركا للسعودية: المعاملة الخاصة للمملكة بمنظمة التجارة انتهت

أميركا للسعودية: المعاملة الخاصة للمملكة بمنظمة التجارة انتهت

فقد طالبت الولايات المتحدة، الرياضَ بألا تسعى بعد الآن إلى نيل معاملة خاصة وتفضيلية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية، ودعت السعودية للتخلي عن المعاملة الخاصة والتفضيلية في مفاوضات المنظمة، مشيرة إلى أن البنك الدولي صنَّف السعودية -الدولة العضو في مجموعة العشرين- بلدا “مرتفع الدخل” لا أكثر.

وقالت واشنطن في بيان إلى منظمة التجارة العالمية: إن “السعودية بلد ثري ومؤثر في الاقتصاد العالمي… نطالب السعودية بألا تسعى بعد الآن إلى نيل معاملة خاصة وتفضيلية في مفاوضات منظمة التجارة العالمية الحالية وفي المستقبل”. وأضافت أن السعودية باتخاذها هذه الخطوة، تقدم مساهمة كبيرة لضمان بقاء منظمة التجارة منتدى قابلا للاستمرار لمفاوضات تجارية مجدية.

وفي بيان موجّه إلى المراجعة الدورية التي تجريها منظمة التجارة للسياسات التجارية للمملكة، حث الوفد الأميركي السعودية على تحسين حماية حقوق الملكية الفكرية، وعبّر عن مخاوف إزاء خصوصية البيانات ومراجعات مزمعة لضريبة انتقائية على المشروبات.

تجحيم للطموحات

خطورة هذا التصريح الأمريكي تكمن في أنه يأتي في وقت تتعالى فيه طموحات ابن سلمان للترويج لنفسه باعتباره صانع نهضة نيوم المستقبل، وهي بروبغندا فشلت في إقناع العالم بريادته، والتغطية على جرائمه المتوالية سواء في الداخل السعودي أو في الخارج بدءا من اليمن ومرورا بالعراق ولبنان.

لكن المثير هو أن تقارير أخرى صحفية كانت قد تحدثت عن أن الإمارات لها يد فاعلة في تحفيز الولايات المتحدة لاتخاذ هذا المسلك تجاه المملكة، لاسيما بعد قرار الأخيرة منع الشركات غير المحلية من مزاولة نشاطها بالمملكة دون إنشاء مقر رسمي على الأراضي السعودية، وهو القرار الذي يضرب مباشرة في صدارة دبي للحياة الاقتصادية بالمنطقة.

ويبدو أن التحالف السياسي والاقتصادي الهش بين الإمارات والسعودية انتقل أخيرا إلى الحرب المُعلنة، بعدما جمعتهما طاولة واحدة على مدار سنوات استهدفوا فيها صعود أي قوة اقتصادية بالمنطقة، وعملوا سويا على وأدها في مهدها، وهو ما حدث جليا في ملفات مثل اليمن والعراق، أو ما فعلوه مع قوى الجيران في قطر والكويت، بل وحتى إقليميا كتركيا ومصر.

وفي الوقت الذي تسعى فيه السعودية لكسب ود الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن عبر تهدئة التوتر مع خصوم إقليميين، وخاصة قطر، وإطلاق سراح معتقلين سياسيين، والانفتاح على تركيا، لمحاولة التأقلم مع المتغيرات المحتملة في مقاربة واشنطن لملفات المنطقة، وتجنب عقوبات على بلاده، أو الصدام مع الإدارة الأمريكية الجديدة.. فإن أبوظبي لا ترتاح لذلك التحوّل.

وفيما كانت ملامح الصدامية بين الرياض وأبو ظبي ظلت حبيسة جدران السياسة والتناطح الإعلامي، فإنها انتقلت هذا الأسبوع إلى العلن بعد قرار المملكة الذي سيدخل حيز التنفيذ في عام 2024، حيث ستطبق السعودية قرارها المتعلق بالتعامل مع الشركات العالمية التي لها فروع في المملكة فقط، لجذب مزيد من الاستثمارات، وفق وزير المالية السعودي الذي قال إن القرار يهدف إلى تنويع القطاعات الاقتصادية بعيدا عن الإيرادات النفطية، مؤكدا أن القرار ينطبق على المؤسسات الكبرى التي لديها عقود مع الحكومة فقط.

الهدف: دبي!

يرى خبراء أن القرار لا يتعلق فقط بتنظيم علاقة شركات القطاع الخاص مع الحكومة السعودية، إنما دعم النمو الاقتصادي المنشود في أكبر اقتصاد عربي، وتعزيز وتنويع القطاعات الانتاجية، حتى لا تبقى الرياض رهينة إيرادات النفط. وأكد الخبراء أن القرار السعودي لا يعني منافسة دبي كمركز مالي وسياحي فقط، إنما هذا سيجعل المملكة تهيمن اقتصاد الشرق الأوسط، ويُنهي صدارة دبي الاقتصادية للمنطقة بشكل واضح.

ووفق ما نشرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن أي شركة لديها تعاقدات مع أي جهة حكومية سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية، سيتم إيقاف التعاقد معها في حال عدم وجود مقر إقليمي لها في المملكة بحلول عام 2024.

وهذا يعني أن الشركات العالمية التي لها ارتباطات مع العطاءات الحكومية عليها فتح مقر إقليمي لها في السعودية، وهنا أشار وزير المالية إلى أن هذا الأمر ليس مفروضا على الشركات الأخرى، وسيبقى لها حرية التعامل مع القطاع الخاص في المملكة، ولكن من دون السماح لها بالتعامل مع الجهات الحكومية.

نهج جديد

وفي تقرير نشرته وكالة رويترز أشارت فيه إلى أن تحدي جاذبية دبي للاستثمارات باعتبارها عاصمة تجارية ومالية في المنطقة، لن تكون مهمة سهلة أمام السعودية، خاصة وأنها منفتحة أكثر فيما يتعلق بالتعايش مع المغتربين، حيث تسمح لهم بشرب الكحول من دون ترخيص، حيث تقول راشيل زيمبا، من مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد، إن القرار السعودي سيشكل تحدي إضافي للأعمال التجارية القائمة في دبي، خاصة في ظل بيئة العمل التي توفرها هناك. 

أما المحلل الاقتصادي في بلومبيرغ إيكونوميكس، زياد داوود، قال في تغريدات عبر تويتر رغم احتدام المنافسة داخل مجلس التعاون الخليجي، إلا أنه من الصعب تنفيذ ما جاء بالقرار السعودي حرفيا، متوقعا أن نشهد العديد من الإعفاءات فيما يتعلق بهذا الأمر، حيث جاء في أحدث تقرير للهيئة  العامة للإحصاء أصدرته الشهر الماضي أنه “لا تزال آثار جائحة كورونا مستمرة في التأثير على سوق العمل والاقتصاد السعودي”.

وتحاول المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، تحفيز اقتصادها المتضرر بشدة جراء انخفاض أسعار الخام الذي يؤمن أكثر من ثلثي إيراداتها، والاغلاقات والمخاوف المرتبطة بفيروس كورونا المستجد. ولجأت العام الماضي إلى رفع الضريبة على القيمة المضافة ثلاثة أضعاف وعلقت العمل بنظام الإعانات الشهرية للموظفين. وجاءت تلك التدابير في وقت تسعى فيه المملكة إلى جذب استثمارات بـ500 مليار دولار لبناء مدينة “نيوم” المستقبلية النموذجية التي تشكّل إحدى الركائز الأساسية في “رؤية 2030”. وبحسب آخر تقرير لسوق العمل السعودي في الربع الثالث من العام 2020، تراجع معدل البطالة إلى 14.9 في المئة، من 15.4 في الربع الثاني من العام ذاته.