العدسة: محمد العربي

تشهد الأزمة بين المستشار بالديوان الملكي السعودي، ورئيس هيئة الرياضة بالمملكة، ورئيس الاتحاد العربي لكرة القدم تركي آل الشيخ، والنادي الأهلي المصري، تطورات يومية بين الطرفين، ما دفع بالأزمة لتجاوز مساحات النادي الأكثر شعبية بمصر والوطن العربي، لمساحات أخرى تثير التساؤلات عن أهداف الثري السعودي من الرياضة المصرية، ولماذا تصمت الأجهزة الحكومية والسيادية المصرية على آل الشيخ الذي وصل به الحال لشراء نادٍ رياضيّ لإشعال الفتنة داخل الساحة الرياضية المصرية.

آخر الأزمات

وتمثلت آخر الأزمات بين الطرفين الأربعاء 11 تموز/ يوليو 2018 بقرار آل الشيخ المنفرد بإلغاء مباراة السوبر السعودي المصري بين بطلي الدوري بالبلدين، والتي كان مقررًا أن يشارك فيها النادي الأهلي المصري باعتباره بطلًا للدوري المصري، وهو القرار الذي جاء كردّ فعل من آل الشيخ على إعلان الأهلي اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كلّ مَن تطاول على النادي ومجلس إدارته، وهو ما اعتبره المسؤول السعودي بأنّه المَعْنِي بهذا الإجراء بعد وصفه لمجلس إدارة الأهلي بالعصابة، ونعته للخطيب بالشخص الضعيف المغلوب على أمره، وتأكيده أنَّ أعضاء مجلس الإدارة يتصلون به من وراء الخطيب ويطلبون مساعدته، ولكنهم في العلن يشنون حربًا عليه.

وتأتي هذه التطورات بعد خلاف نشب بين مجلس إدارة الأهلي وآل الشيخ الذي كان قبل أشهر رئيسًا شرفيًا للشياطين الحمر، ثم تطورت العلاقة بعد تدخلات آل الشيخ في الأعمال الإدارية داخل النادي، وتدخله في منع المدرب البرتغالي جوزيه جوميز من تدريب الأهلي بعد الاتفاق بين الجانبين، وتصرفات أخرى اعتبرها الأهلي تدخلًا غير مقبول من المسؤول السعودي الذي تجاوز مهام منصبه الشرفي لآخر تنفيذي، وهو ما ردَّ عليه آل الشيخ بعاصفة من التصريحات والتغريدات التي أشعلت الأزمة بشكل لم يشهده النادي الأهلي من قبل.

كفيل وليس شوال الأرز

ويمثل آل الشيخ ظاهرة الكفيل السعودي في أقبح صوره؛ فهو قبل سبعة أشهر لم يكن معروفًا في الشارع المصري، ثم تحول بشكل مفاجئ إلى كعبة للباحثين عن الثراء والشهرة بمصر من الإعلاميين والرياضيين والفنانين، وطبقًا للمتابعين لنشاطه فإنَّ ما ينفقه آل الشيخ على الرياضة المصرية أضعاف ما ينفقه على الرياضة السعودية التي تعدّ أهم مسؤولياته وأولاها، بالإضافة لتوسيع دائرة إنفاقه لتصل لنادي الزمالك بعد أن تخطت النادي الأهلي، فضلًا عن نادي الأهرام سبورت (الأسيوطي سابقًا) الذي قام آل الشيخ بشرائه نكايةً في الأهلي، وأنفق عليه في أقل من شهرين ما يقرب من مليار جنيه، بين تكلفة شراء النادي التي بلغت 500 مليون جنيه، لشراء لاعبين من مختلف الأندية بأرقام فلكية لم تعرفها الملاعب المصرية من قبل.

المتابعون لحركة آل الشيخ يرون أنَّ الأندية المصرية تستغل حالة البذخ التي يقوم بها المسؤول السعودي، والذي بات صاحب الكلمة الأولى الآن في الشأن الرياضي المصري، وبدأ الجميع في رفع شعار “اللي يجي منه أحسن منه”، إلا أن آل الشيخ لم يكن بالسذاجة التي يراها المصريون، فهو يسير بخطى ثابتة نحو هدف محدَّد وهو السيطرة على كرة القدم المصرية، باعتبارها تمثّل الحزب الشعبي الأكبر بمصر، كما أنّه لم يكتفِ بذلك بل امتدَّ بذخه للإعلاميين البارزين في الساحة المصرية مثل عمرو أديب الذي تعاقد معه آل الشيخ لينضم لمجموعة إم بي سي، وأحمد شوبير حارس مرمي الأهلي السابق والذي بات برنامجه على قناة صدى البلد بمثابة المتحدث الإعلامي للمسؤول السعودي.

من يكسب الأهلي

وطبقًا للمتابعين فإنَّ حرب آل الشيخ مع النادي الأهلي المصري ليست عشوائية؛ حيث يعرف الرجل جيدًا مدى الشعبية التي يتمتع بها النادي العريق، كما أنه يعلم جيدًا الشعبية القوية التي يحظى بها رئيس النادي ونجمه الكبير محمود الخطيب، ولذلك جاءت تحركات آل الشيخ للسيطرة على الأهلي، باعتباره الأكبر، وعندما فشلت بدأ الحرب بينهما والتي تنوَّعت بين الإعلامية والقضائية، وهو ما دفع الأهلي لاستخدام أسلحته الثقيلة في التواصل مع مسؤولين كبار بالدولة لوقف تدخلات آل الشيخ التي تشعل النيران أينما حلّت، محذرين من أن الرجل يريد من هذه التدخلات أن يكون صاحب الكلمة الأولى في الرياضة المصرية، وهو ما يمثّل خطرًا، نظرًا للمنافسة المصرية السعودية على صدارة الكرة العربية.

وأشارت العديد من التقارير الصحفية التي تحدثت عن أزمة آل الشيخ والنادي الأهلي، أنّ جهات سيادية كبرى طلبت من ولي العهد السعودي بإيقاف ساعده الأيمن آل الشيخ، وأن محمد بن سلمان وعد المصريين خيرًا، إلا أنه لم يحرك ساكنًا، وهو ما اعتبره المتابعون أنه ترجمة لحالة مصر بعد انقلاب تموز/ يوليو 2013، والدعم السعودي والإماراتي غير المحدود الذي تلقاه قادة الانقلاب بمصر على المستوى السياسي والاقتصادي، وبالتالي فإنَّ إغضاب مسؤول كبير بحجم آل الشيخ سوف يؤثر سلبًا على العلاقات الجيدة بين عبد الفتاح السيسي وابن سلمان.

اختلاط السياسة بالرياضة

من جانبه كان رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور الأكثر جرأة في وصف حالة آل الشيخ عندما انتقد منصور تدخله غير الطبيعي لصالح الأهلي غريمه التقليدي، وأعلن منصور في عدة لقاءات صحفية متلفزة أنَّ آل الشيخ أصبح كفيلًا للنادي الأهلي، وأبدى منصور المثير للمشاكل دهشته من دعم آل الشيخ للأهلي رغم أن رئيسه لم يكن له مواقف سياسية داعمة لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي أو للمملكة التي يدافع عنها منصور في كل المحافل.

وانتقد منصور آل الشيخ بعد تدخله في صفقة لاعب الأهلي عبد الله السعيد، ومنع انتقاله للزمالك في واحدة من أكثر الأزمات التي شهدتها الرياضة المصرية خلال الأشهر الماضية، إلا أنه سرعان ما أغلق الملف بعد أن أعلن صراحة أن جهات سيادية عُليا بالدولة طالبته بعدم افتعال أزمات مع آل الشيخ حفاظًا على العلاقات المصرية السعودية، ورغم أنَّ رئيس الزمالك لم يعلن صراحة عن هوية هذه الجهات إلا أنَّ مقربين منه كشفوا أن مدير مكتب السيسي وقتها ورئيس المخابرات الحالي اللواء عباس كامل هو الذي أوقف تصرفات منصور، وعلى الجانب الآخر دفع آل الشيخ مقابل سكوت رئيس الزمالك بتمويل صفقة مدربه الحالي “200 ألف دولار شهريًا”، بالإضافة لتمويل شراء عدد آخر من اللاعبين المحليين والعرب.

ولم تقف تدخلات الشيخ في الرياضة المصرية عند حد الأهلي والزمالك وإنما امتدَّت للمنتخب المصري، حيث أعلن آل الشيخ في تدوينة له بشهر آذار/ مارس الماضي، عن قدرة مصر لتنظيم كأس العالم 2026، إلا أنه اشترط ذلك بنجاح خطة العمل التي سيضعها مع وزير الشباب المصري ورئيس اتحاد الكرة هاني أبو ريدة”.

وهو ما اعتبره المصريون تدخلًا واضحًا في الشأن المصري، أما السعوديون فطالبوه بالاهتمام ببلده وأنّ الأولى له دعم بلاده لاستضافة كأس العالم، وطالبه آخرون بعدم تخريب الرياضة المصرية كما خرب السعودية بعد أن باع معظم اللاعبين لفرق إسبانية، مقابل أموال دفعها من حسابه.

بينما اعتبر المغاربة تدوينته نكاية في دولتهم، بعد التقاء مسؤولين مغاربة بقطريين للتنسيق في ملف المغرب لاستضافة كأس العالم 2026، وهو ما اعتبره آل الشيخ تجاوزًا من المغرب، التي ذهبت إلى الطريق الخطأ، على حد قوله.