دارت معركة حامية الوطيس ليس فقط في أروقة نقابة المهن الموسيقية في مصر، ولكن في أرجاء المجتمع المصري كله، وكأن قرار نقيب الموسيقيين -بمنع بعض المهرجانات والمغنيين- بمثابة صفعة إفاقة لحس مات أو كاد أن يموت، وانبرت كل فئات المجتمع المصري لتدلي برأيها في الأمر.

 

ونريد أن نقر مجموعة من الحقائق:

 – أنه لا شك أن الفن الراقي من أهم عوامل بناء الشخصية السوية.

 – وأن إفساد الذوق العام جريمة.

 – وأن الكلمات لها في الحياة أثرًا عظيمًا وانتشارها وتبنيها قد يصبح معولًا هدامًا ينال من المجتمع وقيمه وأخلاقه.

 ولاشك كذلك أن اغاني المهرجانات في مجملها تدعو الى التحرش الجنسي والاغتصاب وزنا المحارم وتعاطي المخدرات وحمل السلاح؛ و بإجراء عملية بحث بسيطة عن كلمات المهرجانات ستثور في ذهنك مجموعة من التساؤلات..

ما هذا الكم الهائل من الإسفاف والابتذال والسقوط الأخلاقي الذي تحويه كلمات تلك الأغاني؟

وما الذي جعل هذه الأغاني تنتشر في حياة المصريين وتدخل كل بيت وشارع حتى أصبحت هي “الترند” أو الأكثر مشاهدة واستماعًا؟

 فبالرغم من حداثة ظهور تلك الأغاني، حيث يربط البعض انتشارها بثورة يناير، وبالرغم من افتقار مؤديها إلى مقومات المطرب في الشكل والاسم ومساحة الصوت والموهبة، وبالرغم من الإمكانيات المتواضعة في الأداء والألحان والكلمات والتوزيع، وبالرغم من تعارضها مع قيم وأخلاق وثوابت المجتمع، إلا أنها انتشرت بشكل يدعو الى العجب والتأمل.

 ولست هنا بصدد تحليل الظاهرة ولكننا هنا بصدد لفت أنظار المحللين والمتابعين للظاهرة فالجميع لديه كفاية من الجرأة لكى يبدى رأيه -وهذا حقه – في توصيف الظاهرة ومعارضته لها، ولكن لماذا ظهرت الظاهرة في أعقاب ثورة يناير، ولماذا تمكنت واستفحلت في الخمس سنوات الأخيرة، فهذا يبدو أن الحديث فيه والتطرق إليه سيؤدي إلى تكلفة باهظة، وذلك لأن المنبري للإجابة على هذه التساؤلات سوف يلتحم بالواقع السياسي والمجتمعي رغما عنه، حيث أن تقبل جميع شرائح المجتمع لمثل هذه الأغنيات هو دليل على اهتزاز عميق فى الوجدان، وهو ما جعل ما كان مرفوضًا مقبولًا وما كان هامشيًا أساسيًا وما كان عدوًا صديقًا، فالاستقرار السياسي والمجتمعي هو المدخل السليم انتصارنا في معركة الاعتدال وضبط موازين الوجدان، فعندما تغيب حقوق الإنسان وتنتهك الحريات السياسية والاجتماعية ويغيب العدل الاجتماعي وتزداد الأمور الاقتصادية تعقيدًا وتسد آفاق المستقبل وتنتشر البطالة وتنتهك كرامة المواطن في كل التحام له بالحياة -لا أقول في أقسام الشرطة ومقار الأمن الوطني  والسجون وأماكن الاحتجاز ولكن حتى في قاعات المحاكم وغرف المستشفيات- أليست هذه بيئة خصبة لانتصار القبح والهبوط واندحار الرقي والأمل في معركة  تدور رحاها على كيان ووجدان المواطن فى المقام الاول.

إننا هنا لا نفسد ذوق المواطن وحسب  ولكننا في الحقيقة نفرغ المواطنة من مضمونها، لأن اشد الظواهر ألمًا ليست في الأغاني وسماعها و انتشارها، ولكن في تخلي المواطن عن مسئوليته الاجتماعية في الحياة سواء تجاه المجتمع أو حتى تجاه نفسه وأسرته بمشاركته وقبوله أو سكوته وتغافل عن هذه الجريمة.

وأنا لا أحمل المواطن المسئولية الكاملة ولكن أهمس فى أذن كل صادق غيور في مثل هذه القضايا، أن يقترب من الحقيقة ويظهر مساوئ وكوارث تغاضينا عن مآلات واقعنا السياسي والمجتمعي حيث أن انهيار وجدان المواطن وتفريغ المواطنة من مضمونها، سيولد وحشا لن يفسد الذوق العام فى المجتمع وحسب، ولكن سيلتهم  الوطن.