العدسة – معتز أشرف 

الفشل السعودي في لبنان بات معروفا من الواقع بالضرورة وبكل اللغات، ولكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يوصف بالطائش، لا يريد الاعتراف بهزيمته في بلاد الأرز ودولة المحاصصات، كما هزم في اليمن وأمام قطر، ولعله لا يزال يأمل بأشكال أخرى من التصعيد في لبنان، رغم الفشل المتكرر، لكنه قد يكتشف أن عود الكبريت يصعب إشعاله مرتين، فلا هو سيطر على لبنان، ولا هو تركه يحاول لم شمله وبناء مستقبله، الذي تضرر من ولاء الحريري للسعودية، فلا اقتصاد حقيقي قام، ولا سيادة أو حرية اتخاذ القرار، وإنما اقتصاد ريعي يقوم على بيع العقارات للأثرياء السعوديين، وعلى إيداع فوائض أموال النفط في المصارف اللبنانية لتمويل سياسة شراء الولاء، وعلى سياحة مبنية على الجنس والمخدرات، وفقا للمراقبين .

لملمة الفشل!

جاءت الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء اللبناني، سعدالدين الحريري إلى السعودية، والتي التقى فيها العاهل السعودي وولي العهد، كمحاولة -بحسب مراقبين- لاستجلاب الدعم وتقديم كشف بأوضاع الواقع الانتخابي الخانق على تيار المستقبل، وعدم نجاح السعودية في دعم التيار السني  في مواجهة حلف “حزب الله” و”حركة أمل”، الذي يتوقع له صعودا في الانتخابات المقررة في مايو المقبل، وهو ما دفع دوائر الإعلام المحسوبة علي الحريري لوصف اللقاء بـ”المفصلي”، حيث أكدت أن “لقاء رئيس الحكومة مع الأمير محمد بن سلمان سيكون مفصليًّا، لأنه سيُطلق دينامية الصفحة الجديدة في العلاقات بين السعودية ولبنان من جهة، وبين القيادة السعودية والحريري من جهة ثانية”، مشيرة إلى أن “اللقاء يمهد له باجتماعات ولقاءات على بعض المستويات تحضّر لِما سيتقرر فيه على هذين الصعيدين، وذلك قبل دخول لبنان والفرقاء السياسيين في الانتخابات النيابية”، فيما ذهبت دوائر الإعلام المحسوبة على جبهة حزب الله، إلى دراسة الزيارة والتريث، خاصة أنه موجه إليها بالأساس، وقال موقع العهد الإخباري: “التريّث سيّد الموقف داخليًّا، في انتظار ما ستحمله الساعات المقبلة عن اللقاء بين ولي العهد السعودي والحريري، إذ في ضوء نتائجه خصوصًا، وما سيعود به الحريري من الرياض عمومًا، سيتحدد مسار الاستحقاق النيابي والتحالفات والمعارك الانتخابية التي سيشهدها، كما سيحدَّد مسار العلاقات اللبنانية – السعودية ومصيرها”.

وزار الحريري المملكة الأربعاء الماضي للمرة الأولى منذ مطلع نوفمبر الماضي، عندما خرج بشكل مفاجئ من العاصمة السعودية معلنا استقالته من منصبه، بسبب تدخلات إيران وحزب الله، التي يمارسانها في الحياة السياسية اللبنانية، وتبع ذلك رفض الرئيس اللبناني ميشال عون، قبول استقالة الحريري ووصفه لبقائه في الرياض بأنه احتجاز، وقالت وكالة الأنباء السعودية: إن اللقاء شهد “استعراضا للعلاقات الثنائية بين البلدين، وبحث مستجدات الأحداث على الساحة اللبنانية”، دون تقديم المزيد من التفاصيل حول فحوى الاجتماع الذي حضره من الجانب السعودي الأمير عبدالعزيز بن سعود، وزير الداخلية، ووزير الدولة مساعد بن محمد العيبان، ووزير الخارجية عادل الجبير، والمستشار بالديوان الملكي نزار بن سليمان العلولا.

نماذج للهزيمة!

فشل المخططات السعودية في لبنان أمر رائج في أوساط المراقبين، بشكل لا يستطيع الأمير الطائش محمد بن سلمان تفاديه، فصحيفةنيويورك تايمزالأمريكية، ترى عقب أزمة احتجاز الحريري في السعودية واستقالته ثم عودته عنها، أن الرياض تفشل في خططها المتتالية في بيروت، مؤكدة أن الخطة السعودية ضد الحريري نفسه  “فشلت”؛ والسبب في جزء من الفشل يرجع إلى الحلفاء الغربيين الذين ضغطوا على السعوديين للتراجع، ولرفض واسع من السياسيين في لبنان، بمن فيهم أفراد من عائلة الحريري، متحدثة عن خطة سعودية جديدة  لاستبدال الحريري بشقيقه بهاء، والتي ترى أنها لن تنجح كذلك في ظل القضايا الخلافية بين الفرقاء اللبنانيين، ما يعني بقاء لبنان دولة ضعيفة، وساحة للصدام بين القوى الإقليمية.

الفشل أيضا حاصر بن سلمان في مراهنته على تمهيد الطريق أمام عدوان إسرائيلي كبير بدعم من الرئيس الأميركي ضد لبنان، والذي ربط بعض المراقبين بينه وبين التصعيد السعودي في قرع طبول الحرب على لبنان والمقاومة وإيران، كأن ظروفًا وأطرافًا كثيرة حالت دون أن تتمكن السعودية وإسرائيل من الذهاب إلى الحرب، أبرزها الدور الحاسم للمقاومة في خطابها السياسي، وفي قدرتها الميدانية على رد الصاع صاعين، وفقا لمراقبين، وهو ما كشفته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في تقرير لها، وصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية أكدت كذلك “أن السعودية طلبت من إسرائيل مهاجمة لبنان”، ونقلت عن سفير إسرائيل السابق في الولايات المتحدة، وخبير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، دانييل شابيرو، قوله: إن “السعودية وإسرائيل تسعيان لنفس الأهداف في ضرب إيران وحزب الله، لكنهما يسيران بسرعتين شديدتي التفاوت والمهارة”، وبات التوجّه السعودي في دفع إسرائيل إلى العدوان على لبنان “حتى آخر جندي إسرائيلي” -بحسب تعبير “عوفر زالزلرغ”- يتناوله كثيرون في إسرائيل وواشنطن، منهم “عاموس هارئيل”، معلّق الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس”.

ووصل الفشل السعودي في لبنان إلى أنه للمرة الأولى يقف قطاع من أهل السنة في معاداة الرياض، وهو ما عبر عنه المعارض السعودي جمال خاشقجي في مقاله بصحيفة الواشنطن بوست، أن المملكة خلقت لنفسها مشكلة جديدة مع واحد من أقوى حلفائها، سُنة لبنان، حتى إن السُّنة ينسجمون الآن مع الطوائف المختلفة، وبعضهم غير ودي تجاه الرياض، ويطالبون بعودة “الحريري”، وبحسب خاشقجي، فإن اندفاع “بن سلمان” لمعاداة لبنان الآن، يقف وراءه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يعادي إيران وحزب الله التابع لها، وأن زيارة جاريد كوشنر، صهر “ترامب” السرية للرياض في آخر أكتوبر الماضي، ومن ثم رحلته لإسرائيل، تشير إلى أن الأزمة اللبنانية المفتعلة، قامت إرضاءً لـ”ترامب” الذي يشترك مع “بن سلمان” في عداوة إيران.

المستحيل هو ما يبحث عنه الأمير الطائش محمد بن سلمان، وهو ما أكده تقرير لموقعستراتفورالدولي الإخباري، حمل عنوان “في لبنان: المملكة العربية السعودية تسعى للمستحيل»، حيث شدد على أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يحاول في الآونة الأخيرة تفكيك التأثير الإقليمي لإيران، على أمل إعادة تأكيد السيطرة على المناطق التي تعتبرها مجالا للنفوذ السعودي، حيث برزت هذه الإستراتيجية في ساحات المعارك بالوكالة في سوريا والعراق واليمن، وأخيرا في لبنان، لكن على الرغم من جهود المملكة العربية السعودية، فإن المملكة تفتقر إلى المقومات السياسية والأمنية لمنافسها الإيراني؛ ما يجعل فشلها في لبنان أكثر احتمالًا من قدرتها على كبح نفوذ إيران بنجاح، مضيفة أنه في محاولاته المستميتة لكسب التأييد الشعبي وبناء قاعدة جماهيرية عريضة تدعم اعتلاءه للعرش، دون أدنى معارضة أو تذمر، يميل الأمير الصغير، في إشارة إلى محمد بن سلمان، إلى الظهور بمظهر “المدافع عن مصالح المملكة وشعبها في الداخل والخارج”، بدءًا من إطلاقه لرؤية 2030، ومرورًا بحرب اليمن، وحصار قطر، ومكافحة الفساد وتوقيف أمراء ووزراء، وانتهاءً بخبر استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي أعلنها من العاصمة السعودية الرياض.

الدعم السعودي للجيش اللبناني، فشل الرهان عليه كذلك في إحكام السيطرة على لبنان، وهو ما أكده مراقبون ذهبوا إلى أن الدعم كان يهدف إلى أن يكون شروعا في فتنة داخلية، ولم يكن يهدف إلى المساعدة ودعم وتطوير قدرات الجيش اللبناني، الذي استنكفت مباشرة أدواتها الداخلية في السلطة عن القيام به، حيث كانت المحاولة ترمي لتكليف الجيش بقطع يد حزب الله  ،وفقا لمراقبين محسوبين على حزب الله، والذين يرون أنه “لم تكن استفاقة الملك عبدالله على دعم الجيش اللبناني استفاقة ترمي إلى تعزيز الجيش وقدراته، فقد حرم الجيش من التجهيز والتسليح طيلة فترة حكم الحريري الأب والابن وأدواتهما بموافقة سعودية – أميركية مشتركة، وأُبقِيت ميزانيته بالكاد تكفي رواتب جنوده وضباطه وبعض مصاريفه النثرية، فالسعودية والولايات المتحدة لم يكونا يريان للجيش مهمة وطنية في قتال العدو الصهيوني؛ لذلك كان يمنع عنه التسليح والتجهيز لانتفاء المهمة، ووقفا بشدة ضد العرض الروسي عام 2008 والعرض الإيراني بدعم الجيش وتسليحه”.

الخصم مستعد!

وفي ذات السياق، فمن المفيد التوقف على رأي خصم الأمير الطائش محمد بن سلمان، لمعرفة مدى استعداده للمواجهة والتحدي وإنزال مزيد من الهزائم، وكان أبرز ما وجهته منصة قذائف حزب الله إلى السعودية، ما أطلقه نبيل قاووق، عضو المجلس المركزي في حزب الله مؤخرا، حيث اتهم المملكة العربية السعودية بـ”السعي لتغيير هوية لبنان وإغراقه في الفتنة”، وأضاف: “النظام السعودي يريد تغيير موقع وهوية ودور لبنان في المقاومة، ليكون جزءا من المحور السعودي الذي يطبع مع إسرائيل، ويعتدي على اليمن والبحرين وسوريا”، معتبرًا أن “السعودية، باستهداف المقاومة، تورط نفسها بقضية أكبر منها، وما عجزت عنه أمريكا وإسرائيل فالسعودية عنه أعجز”.