العدسة _ ربى الطاهر

تمكن مجموعة من علماء جمعية حماية الحياة البرية من تصوير مقطع فيديو لأنثى فيل في محمية طبيعية هندية، ظهرت وهي تقوم بتدخين شيءٍ ما، فقد كانت تتناول قطعًا من الفحم المحترق إثر حريق قد وقع هناك، ثم تنفث الفحم مثلها مثل أي مدخن معتاد التدخين.

وكشف التصوير كيف كانت تمسك قطع الرماد بخرطومها وتضعها في فمها، ثم تنفثه مخرجة سحابة كبيرة من الدخان.

 

ووقف العلماء، الذين كانوا في طريقهم إلى الغابة بوقت مبكر من صباح ذلك اليوم، ليتابعوا بعض الكاميرات التي كانوا قد زرعوها في أماكن معينة بالغابة بهدف التقاط صور للنمور إلا أن الصدفة قد قادتهم لالتقاط هذا المشهد لأنثى الفيل، التي كانت تبعد عنهم بمسافة لا تزيد عن 50 مترًا، ومن ثم بدأ فيناي كومار، وهو أحد أفراد الفريق العلمي لجمعية المحافظة على الحياة البرية في الهند، بتصوير الفيل المدخن بكاميرا خاصة به كانت بحوزته.

واستغرق هذا المقطع في تصويره من “كومار” 48 ثانية، أثناء رحلة خاصة بالعمل في غابة ناجارهول في ولاية كارناتاكا، والتي تقع في جنوب شرقي الهند في أبريل عام 2016، غير أن “كومار” احتفظ بمقطع الفيديو خلال هذه الفترة، وقال إنه لم يكن يتخيل رد الفعل هذا على ما قام به من تصوير لأنثى الفيل التي قامت بفعل غير معتاد، حيث كانت تسحب بخرطومها الرماد وتنفث الدخان من فمها.

وتحتوي غابة ناغاهرول على العديد من أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، بما فيها الأفيال الآسيوية وأبقار البيسون والنمور الهندية.

وقالت الجمعية من خلال بيان أصدرته، إن هذا المقطع المصور يعتبر أ ول توثيق لفيلة برية تقوم بهذا الفعل الغريب وغير المفسر علميًّا.

الإقبال على تناول الفحم

ولم يتمكن العلماء من إعطاء تفسير واضح لهذا السلوك، وذكروا أنهم لا يعرفون سبب قيام الفيل بعملية التدخين تلك.

وقد حاول عالم الأحياء المتخصص في الفيلة فارون آر جوسوامي، أن يقدم تفسيرًا لهذه الواقعة بعد قيامه بفحص الفيديو فرجح أن هذا الفعل نتج عن محاولة أنثى الفيل تناول هذا الفحم الخشبي لأكله حيث ظهرت وهي تحاول التقاط شيءٍ ما من أرض الغابة، وهو الفحم، ولكنها نفثت ذلك الدخان للتخلص من ذلك الرماد الذي كان مصاحبًا للفحم، حيث كانت تمضغ الجزء الصلب المتبقي منه، موضحا أن الفحم معروف بقدرته على امتصاص السموم، وهو ما يجعل الحيوانات البرية تقبل على تناوله نتيجة لتلك الخواص الطبية، ورغم فقدانه لأية قيمة غذائية.

ويضيف “جوسوامي” أن الحيوانات يمكن أن تتناول الفحم كذلك بعد الحرائق المتكررة في الغابات، أو حتى بعد ضربات البرق والحرائق المضبوطة، باعتباره ملينًا، وهوما يجعل لتناول الفحم فائدة أكبر.

قصص عن عالم الفيلة

وعالم الفيلة مليء بالقصص التي تروى عنه، بعضها حقيقي، والبعض الاخر مفتعل، ومن تلك المعلومات المتداولة عن الأفيال أنها تتمتع بذاكرة فائقة، وأنها تخشى الفئران، وكذلك فهي تذهب إلى مواقع بعينها وقت الاحتضار لكي تموت فيها؛ فهي بمثابة المقابر.

كما قد يقال عنها أيضًا أنها تمر بحالة شديدة من الحزن على وفاة أحد منها، وتعيش فترة ما يشبه الحداد، والحقيقية أنها فعلا تبدي اهتمامًا واضحًا برفاة من يموت منها، أما فيما يخص أنها تخشى الفئران، فهذا غير صحيح على الإطلاق، فما تخشاه الفيلة هو النحل، وتمتلك بالفعل ذاكرة قوية، أما فيما يخص أنها تذهب لتموت في أماكن محددة، فهذا ما لا علاقة له بواقع الأمر في شيء، وقد يكون مجرد أساطير تتردد عنها.

ويعلق كريج بروس، من جمعية علم الحيوان في لندن، على مقولة خوف الفيلة من الفئران فيقول: “إن بعض القصص التي تتردد تنفي ذلك، وإن كانت هي الأخرى مجرد خرافات، ومنها أن بعض الفئران قد تركض فوق خراطيم الفيلة، ولكن لا توجد دلالة على أن الفيلة تخشى الفئران.

أما فيما يخص النحل فأمر يختلف كثيرًا، فقد أجريت إحدى التجارب من خلال تشغيل أصوات أزيز نحل عسل إفريقي، عبر تسجيلات على مسمع قطعان من الفيلة كانت تنال قسطا من الراحة تحت ظلال الأشجار بغابة في كينيا، ولوحظ أنه في نفس اللحظة قامت الفيلة سريعا للابتعاد عن المكان، كما أن بعضها لجأ إلى العدْوِ هربًا منها.

وقد تمكن الباحثون من حماية المحاصيل في إفريقيا، من خلال هذه التجربة أو تجارب مشابهة، فقد أطلقت مبادرة سميت “مشروع الفيلة والنحل”، كانت تسعى لمحاولة ردع الفيلة عن محاصيل الزراعة الإفريقية التي كانت دائما ما تفسدها، واختبرت مدى إمكانية الاستعانة بأصوات النحل لتحقيق ذلك.

ذاكرة مميزة

وفيما يخص ما يشاع عن الذاكرة القوية للفيلة، فقد أظهرت الفيلة أنها تمتلك ذاكرة لا تختص فقط بمجرد حفظ الطرق التي سلكتها للهجرة، ولكنها كذلك تمتلك ذاكرة اجتماعية متميزة، وهو ما أكدته إحدى التجارب التي أجريت في تسعينيات القرن الماضي، حيث قامت مجموعة من الباحثين الذين كانوا يجرون تجاربهم في محمية “إمبوسلي” الطبيعية بكينيا، وكان من بينها إعادة بث أصوات لأفيال، عبر مسجلات للصوت، للتعرف على الوسائل التي تتعارف من خلالها الفيلة فيما بينها.

ومن ذلك أن تم بث صوت لأنثى فيل كانت قد نفقت قبل عامين بين أفراد القطيع الذي كانت تنتمي إليه، وبمجرد سماع صوتها احتشدوا جميعا أمام مكبر الصوت، بل إنها كانت ترد علي الصوت المسجل لهذه الأنثى بأصواتها، وهو ما يوضح مدى الترابط الاجتماعي الذي يميز تلك الحيوانات.

وفي تجربة أخرى استمر أحد قطعان الفيلة في الاستجابة لصوت أنثى كانت قد هجرته إلى قطيع آخر بعد مرور 12 عامًا على تلك الواقعة.

وعلى صعيد آخر تم اكتشاف بقع أرضية تحتوي على كم كبير من عظام الفيلة النافقة، إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق صحة القول بأنها تخصص أماكن محددة للموت فيها وتذهب إليها عندما تتقدم في السن، ولكن الأكثر منطقية وترجيحًا، هو أن تلك المقابر الجماعية إنما تكونت نتيجة لعمليات صيد جمعت كل هذا الرفات بمكان واحد، أو التعرض لموجات من الجفاف، ولكنه ليس اختيار مقابر لها.

ولكن من زاوية أخرى تم التحقق من أن الفيلة تشعر بالحزن على موتاها، وتعيش فترة شبيهه بفترة الحداد، وهو ما أكدته أدلة من التجارب والقصص المتداولة كذلك، فقد ذكرت سينثيا موس، الناشطة الرائدة في مجال حماية الحيوانات في كتاب بعنوان “ذكريات الفيل”، أنها عادت في إحدى المرات إلى المعسكر الذي كانت تقيم فيه، وهي تحمل عظم فك أنثى فيل كانت قد نفقت حديثا وكانت قائدة لقطيعها.

وبعد أيام معدودة قامت مجموعة من أفيال القطيع نفسه بتفحص عظم فك الأنثى النافقة، حينما صادف مرور هذا القطيع بالقرب من المعسكر، ولكن اهتمامًا واضحًا أبداه أحدهم أكثر من أقرانه، والذي تبين فيما بعد أنه صغير هذه الأنثى، وكان يبلغ من العمر سبع سنوات، ومكث بجانب الفك مدة طويلة حتى إن باقي الحيوانات رحلت ولكنه لم يفعل.

وهو ما يؤكد أن هذه الفيلة حيوانات ذكية واستثنائية، ولديها عاطفه عميقة، وربما لازالت تحتفظ بالكثير من الأسرار الأكثر دهشة .