العدسة – معتز أشرف:

التصعيد الأمريكي، منذ قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، لا يتوقف ضد طهران.

المؤشرات باتت تتواتر حول تراجع إيراني تكتيكي في مواجهة التصعيد، وهذه أبرز الدلائل، وفق ما رصد “العدسة”.

تراخي أوروبا!

في الفترة الأخيرة أطلقت إيران أكثر من بالونة اختبار باتجاه الاتحاد الأوروبي؛ لتحفيزه على خوض المواجهة معها ضد الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها العنيد، ولكن يبدو حتى الآن أنه لا جديد، الأمر الذي أحبط دوائر القرار الإيرانية.

وفي هذا الإطار يمكن قراءة أول زيارة للرئيس حسن روحاني بنفسه إلى أوروبا بعد انسحاب أمریکا من الاتفاق النووي، وذلك عقب العديد من الجولات التي خاضها مسؤولون بوزارة الخارجية وبالرئاسة، في الفترة الماضية، والتي حصلت خلالها على تطمينات دون إجراءات فعلية.

ورغم مرور شهرين على قرار الانسحاب مازالت أوروبا تدرس كيفية التعاون مع إيران؛ حيث أعلنت الخارجية الهولندية على لسان أحد مسؤوليها في نهاية شهر يونيو الماضي أن الاتحاد الأوروبي مازال يدرس کيفية التعاون مع إيران بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي.

ومع طول الانتظار وصل الارتباك إلى مدى غير مسبوق، حيث نفى المتحدث باسم وزارة الخارجیة الإيرانية بهرام قاسمي ما تناقلته الأنباء بشأن تسلم إيران حزمة مقترحات من الاتحاد الأوروبي لدعم الاتفاق النووي، وفق ما أعلنته مسؤولة السیاسة الخارجیة في الاتحاد الأوروبي فدیریکا موغیریني، مؤكدًا أن الدول الأوروبیة لاتزال مشاوراتها جاریة لتقديم مقترحات.

ولكن تبقى “الإجراءات الملموسة” العبارة الأكثر استخدامًا من الجانب الإيراني في زيارات وفود طهران للقارة البيضاء أو زيارات مسؤولي أوروبا لها، والتي تشي ببعض الإحباط من التراخي الأوروبي الظاهر في المواجهة، وفي هذا الإطار قال علي أكبر صالحي نائب الرئيس الإيراني  مؤخرًا: “إن إيران تنتظر إجراءات ملموسة من جانب الأوروبيين لتقرر ما إذا كان ممكنًا إنقاذ الاتفاق النووي، وفي حال العكس سنكون مجبرين على اتخاذ قرار لا أحبّذه شخصيًا، والكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي ” في إشارة إلى تهديد إيران في السابق بإعادة إطلاق برنامجها لتخصيب اليورانيوم بمستوى “صناعي”.

الجبهات المتعددة!

الجبهات المتعددة، تشكّل عامل ضغط على النظام السياسي لإيران بوضوح، في ظل التحرك الأمريكي السعودي الإسرائيلي في المواجهة معها، بالتزامن مع تحرك داخلي في إيران من قبل التجار وبعض النشطاء.

وفي هذا الإطار تقول سنام فاكيل، المحاضرة في دائرة دراسات الشرق الأوسط في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة في بولونيا- إيطاليا، والزميلة المساعدة في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، المعهد الملكي للشؤون الدولية: على ضوء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران والعقوبات الأمريكية المُرتقَبة، ترزح طهران تحت وطأة ضغوط سياسية هائلة لإبقاء كفة الزخم الدولي، ولاسيما الأوروبي، راجحة لصالحها، فأي تصعيد عسكري في المنطقة قد يقلب مدّ التأييد إلى جَزْرٍ يؤرِق إيران، في وقتٍ هي في حاجة ماسّة إلى أطواق النجاة الاقتصادية والسياسية.

وفي مطالعة دورية حديثة لخبراء مركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط، توقع إليوت أبرامز- الزميل الأول في دائرة الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، والمساعد الخاص سابقًا للرئيس- ابتعاد إيران عن حدود الجولان في سوريا  كإجراء براجماتي في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها في مرحلة ما بعد إلغاء أمريكا للاتفاق النووي المشترك، وأضاف نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي أنَّ “إيران قد لا توافق على البقاء بعيدًا عن تلك الحدود، لكن سياسة القوة والتوازن العسكري يشيران إلى أنه سيتمّ إبعادها بالفعل”.

وبخلاف الوضع الملتهب  في سوريا، والأزمات في لبنان، وقمع الحلفاء في البحرين، فإن الوضع الداخلي تصاعد بصورة كبيرة، وتواصلت الاحتجاجات وسط تقارير عن وقوع إصابات في إطلاق الشرطة النار على المحتجين الذين هاجموا بنوكًا ومباني عامة، دفعت وزير الداخلية عبد الرضا رحماني فاضل للقول: “نبذل الجهود لإنهاء هذه الاحتجاجات بأسرع ما يمكن وسط ضبط نفس من جانب الشرطة وتعاون السلطات، لكن إذا حدث العكس ستقوم الجهات القضائية وقوات إنفاذ القانون بواجبها”.

مستوى الضغوط وصل إلى التلويح غير المباشر بإقصاء النظام، وصرح كبير المستشارين السياسيين بالخارجية الأمريكية براين هوك، الاثنين، أن بلاده لا تسعى لتغيير النظام في إيران بل تغيير سلوكه، مشيرًا إلى أن إيران سخّرت عائدات الاتفاق النووي في زعزعة استقرار دول المنطقة.

كما كتب وزير الخارجية مايك بومبيو تغريدات في الأيام الأخيرة هدفها الضغط على النظام السياسي في إيران، وتسليط الضوء على اتجاه تصاعدي في الاحتجاجات في إيران، منددًا بأوضاع اجتماعية صعبة، وانتهاكات لحقوق الإنسان و”فساد” النظام الإيراني والحرس الثوري.

البعد الصهيوني في الضغوط واضح في حرب الأعصاب الدائرة ضد طهران؛ حيث  رجح 3 مسؤولين أمريكيين في مايو الماضي- وفق قناة سكاي نيوز الأمريكية- أن تكون إسرائيل في طريقها لشن حرب ضد إيران، بعد عدة أدلة آخرها تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، مشيرين إلى أن إسرائيل طلبت دعمًا أمريكيًا لتحقيق هذا الهدف، خاصة في أعقاب إعلان نتنياهو أن إسرائيل تملك “أدلة قاطعة” على وجود خطة سرية يمكن لطهران تفعيلها في أي وقت لامتلاك القنبلة النووية.

 

 

 الضغط النفطي!

بحسب تقارير غربية وعربية، فإن دخول الضغط الأمريكي على سوق النفط الإيراني يشكل تحديًا كبيرًا لطهران؛ حيث بدأت مؤشرات سلبية تظهر من  كوريا الجنوبية، بعد الكشف عن احتمالية خفض وارداتها من النفط الإيراني لأدنى مستوياتها في ثلاث سنوات في سبتمبر، مع إحجام مشترين آخرين عن حجز شحنات، في حين يأملون في الحصول على إعفاء من العقوبات الأمريكية على إيران.

الولايات المتحدة الأمريكية دعت بوضوح قبل أيام الدول في جميع أنحاء العالم إلى التوقف عن شراء النفط الإيراني بحلول الرابع من نوفمبر، تحت طائلة مواجهة عقوبات اقتصادية أمريكية جديدة.

وحذّر مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية العواصم الأجنبية قائلًا: “لن نمنح إعفاءات”، ووصف تشديد الخناق على طهران بأنه “أحد أبرز أولويات أمننا القومي، وأجاب المسؤول بـ”نعم” ردًا على سؤال عما إذا كان على جميع الدول التوقف تمامًا عن استيراد النفط الإيراني بحلول الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر؟

في المقابل، استخدمت إيران اللغة الحادة الثورية المعتادة في خطابها، لكن لا يبدو عمليًا في الأفق شيء جديد؛ حيث حذّر نائب رئيس إيران، إسحق جهانغيري، السعودية من محاولة الاستيلاء على حصة بلاده السوقية من النفط، وقال: إنّ أي دولة تحاول انتزاع حصة طهران في سوق النفط “ترتكب خيانة وستدفع ثمنها”.

وسبق أن هددت طهران أمريكا بدفع الثمن إذا قررت الانسحاب من الاتفاق النووي دون أن تقدم على خطوات ذات جدية في مواجهة القرار بعد اتخاذه من قبل الرئيس الأمريكي.

تخفيف المذهبية

في هذه الأثناء، صدر بيان لم يأخذ حظه في التعليق من “المجلس الإسلامي الجزائري الأعلى” يثمّن فتوى “خامنئي” القاضية بتحريم التعرّض للصحابة، في مؤشر يحاول اللعب على تخفيف المذهبية السائدة في توترات المنطقة، ولكنه مؤشر قد يكون ضعيفًا في ظل الاستقطاب الحالي، بيد أنه يكشف عن توجه تكتيكي لطهران فيما يبدو.

المجلس الإسلامي الأعلى الجزائري في بيانه الذي اهتمت به وكالةإسناالإيرانية قال: “إن خطاب الشتم والسباب يؤدي إلى العنف”. مضيفًا أنه يجب إيجاد تشريعات قانونية تمنع السخرية المذهبية وشتم المعتقدات، مشيرًا إلى أن بعض الدول تلعب على حساسيات مذهبية لتمرير أجندات سياسية.

ويأتي البيان الصادر عن المجلس بحسب تعليق الوكالة ضمن مسعى منه لتفكيك خطاب الكراهية والعنف الموجود على الساحة الإعلامية العربية، والذي أكّد كذلك أن الصراع المذهبي على الفضائيات والمواقع الإلكترونية العربية يفرّخ العنف في النهاية، داعيًا إلى التوصل إلى مدوّنة قانونية تجعل من الشتائم المذهبية جنحة يحاسب عليها القانون، كما دعا إلى توقيع ميثاق شرف من قِبل من يريد افتتاح المؤسسات الإعلامية في البلدان العربية يتعهّد من خلاله عدم الإساءة إلى المذاهب الأخرى.