يبدو أن رؤية الإصلاح التي أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه يسعى لتحقيقها لم تجاوز مرحلة الشعارات منذ صعوده إلى منصبه وحتى الآن، وفي المقابل فإن رؤيته الواقعية المُطبقة على أرض الواقع هي القمع المطلق للجميع، وكأن للإصلاح والتجديد معان أخرى في قاموس النظام السعودي، غير تلك المتعارف عليها.

منذ تولي بن سلمان ولاية العهد في السعودية وهو يحاول أن يصدر للعالم الخارجي صورة وردية عن المملكة وجنبا إلى جنب يَبرُز الجانب القمعي والعدواني لسياساته الداخلية والدولية على حد سواء، وبينما هو مستمر في الترويج لمشروعه الإصلاحي الليبرالي، وعقده مؤتمرات لهذا الهدف، وحضوره قمم تضم قادة دول العالم متبنياً خطاب نشر السلام ونبذ العنف ومحاربة الإرهاب، تستمر الأجهزة الأمنية والمخابراتية والعسكرية التابعة له في ارتكاب أبشع الانتهاكات الحقوقية والقانونية.

قادت السعودية الحرب في اليمن لتخلف أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، وفي الداخل شنت السلطات السعودية حملات اعتقال وتعذيب في صفوف المعارضين في الداخل، مع الملاحقات الأمنية للمعارضين في الخارج، واتكبت الجريمة التي هزت الرأي العام العالمي بمقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول باستخدام أبشع الوسائل.

مع بداية الحصار على قطر في يونيو/حزيران 2017 من كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، تعمدت السلطات السعودية ودول الحصار عقاب المواطنين القطريين بوضع العراقيل أمامهم في الدراسة والعلاقات الإجتماعية، وقد ثبت ذلك بما لا يدع مجالا للشك بحكم محكمة العدل الدولية الذي أقر بعدم قانونية الإجراءات المتخذة ضد القطريين من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وتحديدا قيام دول الحصار بفرض حصار جوي على قطر ما صعب التنقل بين دول الخليج المختلفة على الطلاب القطريين الذين يدرسون في دول الحصار، كما أدى ذلك إلى التفريق بين شمل أسر أحد الزوجين فيها يحمل الجنسية القطرية، وذلك لصعوبة الأوضاع التي فرضتها القوانين الجديدة على أي قطري مقيم في دولة من دول الحصار، أو أي من مواطني دول الحصار ومقيم في قطر بعد سحب البعثات الدبلوماسية وإغلاق السفارات القطرية.

ومنذ افتعال تلك الأزمة الدبلوماسية استخدمت السعودية الحج والعمرة كوسيلة من وسائل العقاب الجماعي للشعب القطري، حيث مُنع القطريون بشكل فعلي من أداء فريضة الحج، على الرغم من  إعلان المملكة العربية السعودية عكس ذلك، إلا أن كافة الإجراءات التي اتخذتها على أرض الواقع بوضع شروط تعجيزية لراغبي الحج وعدم وضع أي ضمانات لحمايتهم، أكدت أن السعودية  قررت المنع بشكل كامل خدمة لأجنتدها السياسية.

للموسم الثالث على التوالي منذ بدء فرض الحصار في يونيو/حزيران 2017 ترصد المنظمات الحقوقية الشكاوى القطرية بشأن عدم تمكن المواطنين من السفر للسعودية لأداء فريضة الحج، حيث تواصل السعودية تجميد الاتصالات مع الجهات الرسمية في قطر رافضة التعاون أو التنسيق معها في هذا الشأن، كما تمنع التعامل مع أي بعثة حج قطرية، بالإضافة إلى منع التحويلات المالية بين الحملات القطرية ووكلاء العمرة السعوديين المخولين بمنح التصاريح.

من جهة أخرى فإن إغلاق السفارة السعودية في، واستمرار إغلاق سفارة وقنصلية قطر في المملكة يمنع أي جهة قطرية رسمية من متابعة شؤون مواطنيها، والذين يتعرضون لمشكلات وأزمات متعمدة بالفعل أثناء تواجدهم داخل المملكة كما حدث في موسم رمضان في عام 2017 بعد فرض الحصار مباشرة، حيث تعرض العديد من القطريين للاعتقال والترحيل، وعومل القطريين بشكل لا أخلاقي مدعوم من خطاب الكراهية المستمر في الإعلام منذ بداية فرض الحصار.

وبهذه التدابير التي تفرضها السلطات السعودية على الحجاج القطريين للعام الثالث على التوالي فإن تلك السلطات تواصل انتهاك الحريات الدينية التي ضمنتها القوانين والمعاهدات الدولية المختلفة، إلا أنه فيما يبدو فإن المملكة العربية السعودية لا تنظر إلى الحج إلا باعتباره ربحا ماديا كالبترول يحق لها منحه ومنعه وفق إرادتها.

نصت المادة 18 فقرة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الشروط التي يمكن فيها الحجر والتضييق على ممارسة الحقوق الدينية، كأن تكون هناك ضرورة صحية أو طبية، أو أن حظره سيصب في صالح السلامة والأمن والنظام العامين، وهي شروط لم تتوفر أي منها في الحالات التي منعت فيها السعودية بعض الجنسيات من الحج، ولا يمكن تفسير تصرف السعودية إلا أنه تمييزاً واضحاً ضد أولئك الأفراد بسبب جنسيتهم وموطنهم الذي تعاديه لأسباب سياسية في المقام الأول فالمنع لم يشمل المواطنين القطريين فحسب، بل تعدى ذلك ليشمل مواطنين سوريين ويمنيين وفلسطينيين.

اختلاف الأجندات السياسية دفع السلطات السعودية أيضاً لمنع نشطاء ودعاة من دخول أراضيها أو تأدية فريضة حج مثل ما حدث مع الداعية الكويتي الدكتور طارق السويدان الذي أعلن عن منعه من أداء فريضة الحج في العام الماضي، وكذلك الدكتور يوسف القرضاوي الذي أدرجته السعودية و58 آخرين من الشخصيات العربية والإسلامية على قوائم الإرهاب، والتي بدورها تعني منع الدخول إلى الدولة لأي سبب أو اعتقاله فور وصوله إلى أراضيها، حيث تم نشر تلك القائمة بعد أيام قليلة من إعلان المقاطعة مع قطر.

المفارقة في تعامل السعودية مع القطريين فيما يتعلق بتأدية فريضة الحج والتعنت في تسهيل إجراءات سفرهم تظهر بوضوح مع قبول المملكة زيادة حصة إيران بمقدار 2000 حاج خلال مناسك الحج لهذا العام، من 86500 إلى 88500 حاج، وهي الدولة التي طالبت دول الحصار دولة قطر بتخفيض العلاقات معها وأن هذه العلاقات أحد أسباب الأزمة الخليجية الراهنة.

من ناحية أخرى فإنه في الوقت الذي تغلق فيه المملكة أجوائها أمام الطيران القطري تسمح لطائرات متجهة إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي بالمرور عبر أجوائها بكل أريحية وترحيب.

الإجراءات المتخذة ضد المواطنين القطريين وحرمانهم من السفر إلى المملكة العربية السعودية للحج أو لأي سبب آخر، لم تؤثر على القطريين وحسب، بل أثرت أيضاً على غير القطريين المقيمين في دولة قطر، حيث أثرت تلك القرارات على حق أولئك المقيمين في ممارسة الشعيرة الدينية المقدسة، لمجرد حملهم الإقامة القطرية.

العديد من الانتقادات والمناشدات وُجهت إلى السعودية مع كل موسم حج لوقف تسييس الشعائر الدينية ، لكن لايبدو أن السلطات السعودية الجديدة تكترث باحترام حقوق الإنسان أو احترام الشعيرة الدينية المقدسة، ولا يبدو أنها تنظر إلى الحج إلا كورقة سياسية يمكن استغلالها لمزيد من التضييق والخنق على مواطني الدول التي لا تروقها.