العدسة – ربى الطاهر

إذا كنت تريد أن ترى صعوبة البلاء وشدة المحنة التي يتحملها إنسان من أجل عقيدته، وكلَّ صور التعذيب والتنكيل والاغتصاب، فانظر إلى مأساة مسلمي الروهينجا- والتي تُدمِي القلوب- في ولاية راخين على يد جيش ميانمار البوذي المجرم.

فولاية راخين إحدي ولايات ميانمار كانت دولة مستقلة ومساحتها 36 ألف و 762 كيلومتر، وهي ذات الأغلبية المسلمة، والتي تصل نسبة المسلمين بها 62 % من السكان الذين يتعرضون لكل صور التعذيب والاضطهاد على يد باقي السكان البوذيين، وعلى يد جيش ميانمار بورما البوذي.

تاريخ الأزمة

قصة اضطهاد مسلمي الروهينجا وممارسة التطهير العرقي ضدهم والتنكيل بهم قديمة ترجع لعام 1784 عندما اشتعل الحقد بداخل البوذيين، فاجتاحوا راخين وقتلوا الآلاف من سكانها المسلمين، وغيَّروا اسمها إلى ميانمار، ليكون المسلمون فيها أقلية لا يتجاوز عددهم 4 ملايين نسمة مقابل أغلبية بوذية ساحقة تصل إلى 50 مليون بوذي.

وتعد تلك الأقلية المسلمة في ميانمار وفي بورما من أكثر الأقليات اضطهادًا على مستوى العالم فتاريخهم حافل بمآسٍ ومجازر لا تعدّ ولا تحصى، شملت كل أنواع الاضطهاد الديني والإنساني، وكلّ صور القتل والحرق والتعذيب والاغتصاب والتهجير والتجويع، في محاولة من سكان الدولة وجيشها من البوذيين في التخلص من أي وجود إسلامي يرونه خطرًا عليهم وعلى هويتهم الدينية البوذية.

وفي عام 2001 وزَّع الرهبان البوذيون كتابًا على كل سكان ميانمار البوذيين اسمه “ميو بياوك همار سوي كياوك تاي” ويعني “الخوف من ضياع العِرق” والآلاف من المنشورات التي تنشر الكراهية في نفوس البوذيين ضد مسلمي ميانمار.

وفي الكثير من المنشورات طالب رهبان البوذية بقتل وسحق المسلمين وحرقهم والتنكيل بهم؛ ردًا على قيام حركة طالبان بتدمير تماثيل بوذا في باميان أفغانستان.

وفي اليوم التالي من توزيع تلك المنشورات واستجابة لطلب الرهبان البوذيين قام المجلس العسكري في ميانمار بحملة إبادة ضد المسلمين، وهدموا مسجد هانتا، ومسجد سكة قطار تونغو، وأغلقوا جميع المساجد بلا استثناء.

وفي يونيو 2012 ارتكب البوذيون مجزرة بشعة عندما حرقوا قرى بالكامل يسكنها المسلمون حتى وصل عدد البيوت المحروقة 2600 بيت في أقل التقديرات، وذبحوا العشرات من علماء الدين الإسلامي وقطعوا ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم، ومات الآلاف من المسلمين وفَّر 100 ألف مسلم خارج البلاد عن طريق البحر والبر، هربًا من التعذيب والحرق وشقّ البطن، وكل صور البشاعة، ليعيشوا لاجئين في دول بنجلاديش وتايلاند.

اغتصاب جماعي

ولعلَّ من أقسى صور التعذيب والاضطهاد التي يتعرَّض له مسلمو ميانمار، هو ما يحدث للمسلمات من اغتصاب يومي ومستمر على يد جنود جيش ميانمار البوذيين المجرمين، والذين يجتاحون البيوت ويغتصبون الفتيات الصغيرات والسيدات ويقتلون الرجال، ثم يحرقون البيوت بالكامل.

فالمسلمات في ميانمار يتم اغتصابهن بشكل جماعي ويشهدن بعيونهن مقتل أزواجهن وآبائهن وإخوانهن أمام أعينهن أثناء حملات التطهير العرقي، وقد أدَّت الآلاف من حالات الاغتصاب الجماعي إلى حمل المسلمات من الجنود البوذيين، كما أدَّى ذلك إلى فرار 600 ألف مسلم ومسلمة خارج البلاد.

وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنَّ الاغتصاب المتكرر أدَّى لولادة أطفال لا ذنب لهم، وأدَّى لتعرض نساء الروهينجا المسلمات لمأساة الاغتصاب، والعنف البدني والجنسي، لشعورهن بالدمار النفسي، فرغم أنَّ الاغتصاب يتم تحت تهديد السلاح إلا أنَّ المسلمات يشعرن بالخِزْي والعار ويُخْفِين حملهن، ويضعن أطفالهن بعيدًا عن العيون أو يتخلصن من الحمل بشكل فوري عن طريق الإجهاض.

وذكرت الصحيفة أنَّه من الصعب إحصاء أعداد أطفال الاغتصاب في ميانمار؛ نظرًا لأنَّ الولادة تتم في المخيمات والملاجئ، بعيدًا عن العيون؛ خوفًا من العار، وليس في مستشفيات أو عيادات طبية، وهو ما يجعل من الصعب إجراء إحصاء شامل لعدد الولادات.

وقد أكّدت منظمة هيومان رايتس ووتش أنَّ سلطات ميانمار البوذية رفضت توثيق حالات الاغتصاب والعنف البدني والجنسي ضد مسلمات الوهينجا، وأنكرت ذلك تمامًا.

وفي تقرير خاص بالمنظمة تحت عنوان “جسدي كله يؤلمني” ويبلغ 37 صفحة، وثّقت المنظمة لحملات الاغتصاب الجماعي والمتكرر لنساء الروهينجا، وقالت: إنَّ الكثير جدًا من النساء تعرضن للاغتصاب الجماعي، ولكل صور العنف الجنسي والبدني على يد الجيش البورمي؛ حيث صرَّحت 28 امرأة للباحثات أنهن تعرضن للاغتصاب على يد اثنين على الأقل من الجيش البورمي.

وقالت سكاي ويلز، الباحثة في شؤون الاضطهاد والطوارئ في المنظمة: إن الاغتصاب كان الصفة البارزة والمدمرة في حملة التطهير العِرقي ضد الروهينجا، وإنها تركت النساء في حالة من الدمار النفسي والإعياء الجسدي.

أكثر المجتمعات اضطهادًا

وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عقب زيارته لمخيمات اللاجئين من الروهينجا في بنجلاديش، أنه التقى بمئات الأمهات اللائي تعرضن للاغتصاب بصحبة أطفالهن الضحايا، وأنه سمع حالات لا تصدَّق من القتل والتعذيب البشع، وقال في تغريده له على صفحته الشخصية: إنَّ الروهينجا من أكثر المجتمعات ضعفًا وأكثرها تعرضًا للتميز.

وقد طالبت أورسولا مولر، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ميانمار بوقف العنف ضد مسلمي الروهينجا، وطالبت بالعودة الكريمة للاجئين الروهينجا في بنجلاديش إلى بلادهم في ظروف آمنة.